سواء نجا اليورو أو انهار فقد تقوض الطريقة العشوائية التي تتعامل بها أوروبا مع الأزمة النفوذ السياسي للمنطقة لسنوات وتكسبها نقطة ضعف خطيرة في عالم سريع التغير.

وعن طريق سلسلة تبدو بلا نهاية من اجتماعات القمة والمكالمات الهاتفية في اللحظات الأخيرة أبقى زعماء أوروبا ووزراء ماليتها على تكتل العملة قائما في مواجهة توترات متزايدة بين الدول وتداعيات سياسية متفاقمة وقلق في السوق.

لكن البعض خارج الاتحاد يقول إن كل إجراء يأتي ضعيفا للغاية ومتأخرا للغاية. ويشكو المسؤولون الأميركيون على وجه الخصوص من أن الزعماء الأوروبيين إما فشلوا في فهم حجم المشكلة أو أنهم غير مستعدين لقبول القرارات السياسية الصعبة الضرورية لاصلاح الأوضاع.

ويقولون إنه نتيجة لذلك فإن ما كان من المفترض أن يكون أحد أكثر انحاء العالم استقرارا أصبح أكثرها اضطرابا.

ومن ناحية قد تكون منطقة اليورو في طريقها لمزيد من الوحدة السياسية والمالية لتصبح أشبه بدولة واحدة كبيرة في اتحاد تام تقريبا. لكنها على الجانب الآخر قد تنهار وتتفكك مخلفة دولا متنافسة غير مستقرة.

وقالت فيونا هيل المسؤولة السابقة في مجلس الاستخبارات القومي الأميركي والمديرة الحالية لبرنامج أوروبا في معهد بروكينجز في واشنطن "في كل حوار لي تقريبا خلال العام الماضي - مع الصينيين أو الهنود ومع الجميع تقريبا - كنت دائما أتلقى نفس الرسالة .. لم يعد بالامكان الوثوق في أوروبا. يبدو أنها تتحول من مصدر للاستقرار إلى مصدر لعدم الاستقرار.

وتابعت: إن كل الثوابت القديمة أصبحت موضع شك. حتى بريطانيا التي ليست عضوا في منطقة اليورو بدا فجأة أنها تواجه خطر التفكك حيث من المقرر أن تجري اسكتلندا استفتاء على الاستقلال يقول خبراء إنه لا يمكن التنبؤ بنتيجته.

تفاقم

وأزمة الديون والبنوك في منطقة اليورو التي تعتمل ببطء آخذة في التفاقم. وقد قرر الزعماء السياسيون لمنطقة اليورو الأسبوع الماضي انقاذ البنوك الاسبانية. وتجري اليونان اليوم انتخابات برلمانية يخشى كثير من المحللين أن تسفر عن انسحابها من منطقة اليورو.

ويقول البعض إن من المبكر جدا شطب أوروبا - أو مؤسسات الاتحاد الأوروبي - كلية. وتحت قيادة كاثرين اشتون مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي يرجع البعض الفضل لأوروبا في تحقيق تقدم حقيقي في المحادثات مع إيران والقوى الأخرى بشأن مستقبل برنامج طهران النووي المثير للخلاف. لكن قدرتهم على أي شيء يتجاوز مشاكلهم المباشرة تعتبر محدودة إلى حد كبير.

وقال ايان بريمر رئيس مجموعة يوراشيا الاستشارية "الأوروبيون مستغرقون تماما في معركة انقاذ منطقة اليورو.

"إنها أزمة عميقة ومستمرة وأكبر من أي شيء مروا به في عقود ... إنها بيئة ليس من الممكن فيها أن نتوقع أن يكون للزعماء الأوروبيين أولوية أخرى."

تهميش

وقد يؤدي ذلك لتهميش القارة بشكل متزايد مع بزوغ نجم القوى الناشئة - ليس فقط دول بريك التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين لكن دولا أخرى أيضا مثل تركيا وإندونيسيا وجنوب أفريقيا.

وفي نهاية المطاف قد يقوض ذلك قدرة زعماء القارة على إقناع بقية العالم بأن يأخذونهم على محمل الجد في مجموعة من الموضوعات من التجارة إلى أهمية الديمقراطية وحقوق الانسان.

وقال نيكولاس جفوسديف أستاذ دراسات الامن القومي في كلية الحرب البحرية الأميركية "ربما لن تتوقف أوروبا عن وعظ باقي العالم. لكن الآخرين لن تكون لديهم الرغبة في الاستماع على الأرجح."

في قمة كوبنهاجن بشأن المناخ في 2009 شعرت أوروبا بمهانة الاستبعاد خارج القاعة عند ابرام الاتفاق النهائي بين الولايات المتحدة والقوى الناشئة. وفي أعقاب أزمة منطقة اليورو فقد يكون هذا مكان يتعين على الزعماء الأوروبيين الاعتياد عليه.

لكن بالنسبة لبقية العالم ليست القارة نفسها فحسب هي التي يخبو بريقها سريعا. فلم يعد النموذج السياسي الأوروبي برمته جذابا للمناطق الأخرى التي مازالت تنمو.

مفترق طرق

وقال براهما شيلاني أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز البحوث السياسية بنيودلهي "أوروبا عند مفترق طرق ومستقبل الاتحاد الأوروبي نفسه على المحك.

وأضاف: "لو انهار اليورو فستكون نهاية التجربة الأوروبية في تحقيق تكامل سياسي ومالي قوي. لكن سيكون لذلك أيضا تداعيات دولية أوسع."

وتأخذ واشنطن احتمال انهيار أوروبا على محمل الجد. فعلى المدى القصير من الواضح أن ادارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قلقة بشأن تداعيات ذلك على الانتخابات في حالة انتقال الأزمة الأوروبية عبر الاطلسي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر .

لكن على المدى البعيد سواء نجا اليورو أو لا فإن المخططين الأميركيين بدأوا يستوعبون حقيقة أن من المرجح أن تصبح القارة أفقر وأكثر تركيزا على الداخل مما كانت واشنطن تأمل.