واصلت العقود الآجلة للنفط خسائرها لتفقد أكثر من دولار أمس، وذلك في أعقاب بيانات أظهرت تراجع مبيعات التجزئة الأميركية للشهر الثاني على التوالي في مايو، مع تهاوي الطلب على مواد البناء وانخفاض أسعار البنزين، مما نال من العوائد في محطات الوقود. وهبط الخام الخفيف تسليم يوليو 1.10 دولار إلى 82.22 دولارا للبرميل، بعد تداوله في نطاق 82.17 إلى 83.82 دولارا.
وتدور مخاوف كبيرة من تأثير أزمة الديون الأوروبية على الطلب على النفط. وقال معالي وزير الطاقة الإماراتي محمد بن ظاعن الهاملي لدى وصوله إلى فيينا لحضور اجتماع أوبك، الذي ينعقد اليوم الخميس، إنه يرى أن المعروض بسوق النفط أكثر قليلا مما تحتاجه.
وحذر وزير النفط الإيراني رستم قاسمي الدول الغربية من أن عقوباتها النفطية وتهديداتها العسكرية التي تستهدف البرنامج النووي لطهران يمكن أن تكون لها آثار عكسية. وقال إن استخدام أدوات مثل فرض عقوبات أو تدخل عسكري مباشر في دول منتجة للطاقة ستزيد أسعار النفط وعدم استقرار السوق.
تحذيرات كبيرة
في الأثناء حذر وزير الطاقة الجزائري يوسف يوسفي من أن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تواجه خطراً حقيقياً بسبب تراجع الأسعار، ورفع وتيرة الإنتاج التي تجاوزت بكثير السقف المحدد في ديسمبر الماضي.
وكان اجتماع أوبك في ديسمبر 2011 حدّد سقف الإنتاج بـ 30 مليون برميل يومياً، إلا أن إنتاج المنظمة التي تضمن 30% من الإنتاج العالمي اقترب من 32 مليون برميل يومياً في أبريل الماضي. وتراجع سعر برميل النفط بشكل كبير منذ 3 أشهر، بحيث قارب 90 دولارا خلال الأيام الفائتة، بعد ذروة فاقت 110 دولارات بداية شهر مارس.
واتهمت إيران الشهر الماضي، السعودية بضخ كمية أكبر من الخام مقارنة بالحصة التي حددتها لها منظمة أوبك. وارتفع الإنتاج السعودي بـ 250 ألف برميل يومياً منذ النصف الأول من العام 2012، ليستقر عند حدود 9.9 ملايين برميل يومياً في أبريل الماضي.
انقسام «أوبك»
وقال محللون إن الدول الأعضاء الــ 12 في أوبك منقسمة حول الخطوات التي سيتم اتخاذها في اجتماعها بفيينا. وتشعر السعودية بارتياح إزاء مستويات الأسعار الحالية التي تراجعت لما دون حاجز مئة دولار للبرميل، بينما دول أخرى مثل إيران تريد من السعودية خفض إنتاجها من أجل زيادة العائدات النفطية. وقال الأمين العام لأوبك عبدالله سالم البدري في مؤتمر حول صناعة النفط بالعاصمة النمساوية فيينا إن الأسواق بها معروض وفير بأكثر من اللازم قليلا.
وقال المفوض الأوروبي لشؤون الطاقة جينتثر أوتينغر إن الاتحاد الأوروبي يتوقع من أوبك أن تأخذ في حسبانها التطورات الاقتصادية و"تستمر في تأمين المعروض وتحقق توازنا للأسعار بشكل ما حول مستوى 100 دولار للبرميل". لكن في الجانب الآخر قال وزير النفط الليبي إن بلاده قلقة للغاية بشأن تراجع أسعار النفط، مشيراً إلى أن أي سعر تحت 100 دولار سيكون مؤلما جداً.
صادرات إيران
وقالت وكالة الطاقة الدولية إن صادرات النفط الإيرانية تراجعت نحو 40 % منذ بداية العام، إذ نالت العقوبات الغربية من قطاع النفط الحيوي في البلاد. وقالت الوكالة التي تمثل مصالح كبرى الدول المستهلكة للنفط ان المؤشرات الأولية تفيد ان الصادرات، وهي شريان الحياة للاقتصاد الإيراني، نزلت 1.5 مليون برميل يوميا في ابريل ومايو من 2.5 مليون في نهاية 2011.
وتابعت الوكالة في تقريرها الشهري: في الأشهر المقبلة قد تضطر إيران لوقف بعض الإنتاج إذا ظلت أسواق الصادرات تحت ضغط، وامتلأت المخزونات. ومن المعتقد أن إيران مازالت تنتج 3.3 ملايين برميل يوميا انخفاضا من 3.5 ملايين برميل العام الماضي، وتخزن النفط غير المبيع.
ونفت إيران انها تواجه مشكلة في بيع النفط رغم تنامي الدلائل على رفض عملائها الرئيسيين مثل الصين عروضا لشراء الخام بسعر رخيص نتيجة ضغط من واشنطن لقطع العلاقات التجارية. وقالت الولايات المتحدة ان الهند وكوريا الجنوبية واليابان وتركيا خفضوا واردات النفط بشكل كبير.
إمدادات أفضل
وقالت وكالة الطاقة إن العالم يتلقى حاليا إمدادات نفطية أفضل مما شهدته السنوات القليلة الماضية، لكنها حذرت من وصفها بإمدادات زائدة. وأوضحت: لا أحد يعلم بدقة كيف ستتطور إمدادات النفط هذا الصيف، فأسعار الخام مازالت مرتفعة للغاية مقارنة بالمقاييس التاريخية، وتؤثر سلبا على ميزانيات الأسر والحكومات بمنظمة التعاون الاقتصادي، والتنمية والأسواق الناشئة على السواء.
وأضافت أن من بين العوامل الداعمة لأسعار النفط طلب قطاع الكهرباء هذا الصيف، وبناء المخزونات من قبل اقتصادات كبيرة خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مثل الصين التي عززت مخزونات الخام في الأشهر الماضية قبل بدء حظر النفط الإيراني.
وتركت الوكالة توقعها لنمو الطلب العالمي على النفط دون تغير عند 820 ألف برميل يوميا. ويتعارض توقعها مع تقارير من أوبك والحكومة الأميركية صدرت وأشارت إلى أن السوق العالمية قد تضعف أكثر في الربع الثاني من العام.
ارتفاع المخزونات
أظهرت بيانات معهد البترول الأميركي ارتفاعا مفاجئا في مخزونات الخام الأميركية الأسبوع الماضي، بفضل زيادة كبيرة في الساحل الغربي، بينما تراجعت المخزونات في مركز التخزين المهم في كاشينج. وقال المعهد إن مخزونات الخام الأميركية ارتفعت 1.6 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في الثامن من يونيو. وكان محللون توقعوا في استطلاع سابق انخفاض المخزونات 1.4 مليون برميل. وكان ارتفاع الواردات بمقدار 526 ألف برميل يوميا أكثر من كاف لتعويض ارتفاع الطلب من شركات التكرير، التي رفعت مجددا معدلات تشغيلها. وجاءت معظم الزيادة من الساحل الغربي.
حيث زادت المخزونات هناك بواقع 1.3 مليون برميل. وتراجعت مخزونات البنزين 878 ألف برميل الأسبوع الماضي مقارنة مع توقعات بزيادتها 1.1 مليون برميل. وارتفعت مخزونات نواتج التقطير نحو نصف مليون برميل مقارنة مع توقعات بزيادتها 1.3 مليون. وتراجعت مخزونات الخام في كاشينج في أوكلاهوما، وهي نقطة تسليم عقود خام غرب تكساس الوسيط، بمقدار 344 الف برميل.
أميركا تتجه نحو التربع على عرش انتاج النفط في العالم
تشهد الولايات المتحدة زيادة ملحوظة في إنتاجها للنفط والغاز ويمكن أن تتقدم على السعودية وروسيا بحلول عشر سنوات، بحسب تصريح دانيال ساليفان المفوض الاعلى في وزارة الموارد الطبيعية لولاية الاسكا أمام المنتدى الاقتصادي للأميركيتين في مونتريال.
وقال ساليفان أمام مجموعة خبراء مجتمعين في المنتدى الذي يختتم اليوم في مونتريال: بعض الارقام لافت للانظار. واوضح ساليفان ان الولايات المتحدة انتجت في الفصل الاخير ستة ملايين برميل من النفط في اليوم، مضيفا ان ذلك لم يحصل ابدا منذ 15 عاما.
وتابع ساليفان: منذ العام 2008، انتجت الولايات المتحدة 1,6 مليون برميل اضافية في اليوم وفي العام 2011، سجلت اكبر زيادة في الانتاج بين جميع الدول غير الاعضاء في منظمة اوبك.
ويمكن مقارنة هذه الارقام بالانتاج اليومي للسعودية اكبر منتج للنفط بين دول اوبك، والذي زاد الى 9.923 ملايين برميل في مارس و9.920 ملايين برميل من روسيا، بحسب ارقام برنامج "جوينت اورغنايزيشن داتا اينشياتيف" المشترك لبيانات الصناعة النفطية.
واكد ساليفان أن الولايات المتحدة وبحلول 2020 "يمكن ان تصبح المنتج الاكبر للمحروقات من النفط والغاز في العالم متخطية بذلك روسيا والسعودية".
ففي الاسكا وحدها امكانات التنقيب في عرض البحر تبدو اكبر مما هي عليه في اي بلد آخر. وقدر تقرير للمعهد الاميركي للدراسات الجيولوجية ان المخزون هناك يبلغ 40 مليار برميل من النفط.
من جهته، اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما ان موارد النفط في البحر يمكن ان تحد من مخاطر تعطل عمليات التسليم. واعدت الادارة الاميركية استراتيجية للطاقة توازن بين المصالح الاقتصادية وقضايا البيئة خصوصا في المحيط المتجمد الشمالي.
وفي نوفمبر الاخير، وافقت الحكومة الاميركية على مشاريع جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في خليج المكسيك وفي الاسكا وفي القطب المتجمد الشمالي الذي يحظى بحماية كبيرة. لكن وفي الوقت الحالي، لا يزال التنقيب محظورا في الاماكن التي تعتبر حساسة سياسيا مثل سواحل الاطلسي او الهادئ او الساحل الشرقي لخليج المكسيك او على طول سواحل فلوريدا.
وما لم يصدر امر مخالف في اللحظة الاخيرة، فإن مجموعة "شل" ستبدأ أعمال التنقيب قبالة سواحل الاسكا في يوليو مما يفسح المجال امام الحصول على موارد جديدة غير مستخدمة في اماكن كانت تعتبر محمية حتى الآن.
وشدد ساليفان على ان فوائد هذه التوجهات الجديدة لسياسة الطاقة يمكن ان تكون هائلة خصوصا لجهة النمو والتوظيف في بلد يعود نصف العجز التجاري فيه الى واردات النفط.
وتابع ساليفان انه تم انشاء 600 الف وظيفة في صناعة الغاز والنفط بين 2010 و2011.
الا ان رئيس المجلس الدولي للطاقة رسم صورة مخالفة تماما للوضع امام المنتدى نفسه. فقد اعتبر بيار غادونيه المدير العام السابق لشركة كهرباء فرنسا أن الأزمة الاقتصادية أدت الى تباطؤ استهلاك الطاقة ولو انه عاد ليسجل تحسنا الا ان اسعار النفط لا تزال على مستويات مرتفعة.
وصرح غادونيه ان "النمو في المستقبل مهدد باحتمال التغييرات المناخية ونفاد مواردنا الطبيعية"، مضيفا ان الرهانات الكبرى ستكمن في تعزيز أمن احتياطات الطاقة وزيادة التنافسية ومكافحة "الافتقار إلى الطاقة".
