في أثناء الحرب العالمية الثانية، وتحديداً سنة 1943، كان المهندس البحري الأمريكي ريتشارد جيمس، المهندس في حوض بناء السفن القديم التابع للبحرية الأمريكية في بورت ريتشموند، فيلادلفيا، يعمل بإحدى البوارج التابعة لأسطول بلاده؛ حيث كان عاكفاً على تطوير نظام يساعد على تثبيت حركة السفن والقطع البحرية الأخرى في أثناء إبحارها، فسقط حلزون معدني من يده، وأخذ يقفز في حركات بهلوانية مضحكة، وخصوصاً عندما بدأ يتدحرج على سلم السفينة، وخلال الأيام التالية كان هذا الحلزون مصدر تسلية وترفيه لجيمس ورفاقه في رحلاتهم الطويلة، لكن جيمس، المعروف بحبه للفك والتركيب والاختراعات منذ كان طفلاً، كان يضمر في نفسه شيئاً مختلفاً: لماذا لا يكون هذا الحلزون لعبة مسلية للأطفال بعد إدخال بعض التعديلات عليه؟ وقد كان؛ واختارت زوجته للعبة الجديدة اسم «سلينكي»، التي لم يتوقعا أن تشتهر في العالم كله، وتحقق إيرادات بلغت قيمتها 3 مليارات دولار.
وفي عام 1945 بدأ جيمس تنفيذ فكرته، بعد أن عرضها على زوجته بيتي، فأبدت إعجابها بها، ولكنها لم تستطع إخفاء قلقها من فشل المشروع، الذي بدأه جيمس على الفور، بعد حصوله على مبلغ من صديق له بقيمة 500 دولار، صنع بها 400 حلزون، وأطلقت زوجته على اللعبة الجديدة اسم «سلينكي» الذي يعني «حركات رشيقة»، وكان جيمس قد طلب منها أن تقترح لها اسماً، فبحثت في القاموس لعدة أسابيع قبل أن تجد الكلمة المناسبة «سلينكي»، التي لم تكن مرادفاً شائعاً لكلمة «أنيق ورشيق» فحسب، بل بدت لها أيضاً لفظاً يعبر عن صوت اللعبة وهي تتقافز. بعد أن جمع أطفال شارعه ولاحظ انبهارهم بلعبته الجديدة، أدرك جيمس أنها سوف تحقق النجاح، الذي توقعه وتمناه.
دار بها على المتاجر في عدد من الولايات المتحدة الأمريكية، وكان يأمل هو وزوجته بأن يحققا الربح ويستطيعا – على أقل تقدير - سداد القرض من المبيعات، لكن جاءت المفاجأة السعيدة ببيع اللعب جميعها، خلال ساعة ونصف ساعة فقط، وبلغت شهرة سلينكي عنان سماء أمريكا، وانهالت الأموال على جيمس وزوجته؛ ما شجعهما على افتتاح متاجر خاصة باللعبة في مدينة نيويورك، وصار جيمس نجماً في البرامج التلفزيونية، وهو يمسك اللعبة أمام الكاميرا، ولا سيما بعد أن أدخل عليها المزيد من التعديلات للفت انتباه الأطفال بشكل أكبر، فصارت على شكل قطار وأشياء أخرى يحبونها، ثم قرر أن يؤسس شركة لإنتاج المزيد منها، حتى بلغ عدد القطع المباعة خلال أقل من خمس سنوات 100 مليون قطعة، حيث أسست شركة جيمس إندستريز عمليات تصنيع في كليفتون هايتس، ولكن بحلول خمسينيات القرن الماضي كادت الشركة أن تُفلس. في عام 1960 انفصل الزوجان؛ فترك ريتشارد العائلة ليعمل مبشراً إنجيلياً مع جماعة دينية غير معروفة في بوليفيا. توفي بنوبة قلبية عام 1974.
تولت بيتي زمام الأمور في الشركة، ونقلت التصنيع إلى هوليديزبورج في وسط بنسلفانيا، في عام 1965، وهي من قامت بتحويل لعبة «سلينكي» إلى رمز لصناعة الألعاب الأمريكية. وذكر آخر الإحصاءات أن «سلينكي» حققت رقماً قياسياً من المبيعات خلال 70 سنة بلغ 350 مليون قطعة، بأرباح تجاوزت 3 مليارات دولار.
ولأن دوام الحال محال تعرضت شركة «سلينكي» لبعض الخسائر في أوائل الستينيات من القرن الماضي، وشعر جيمس بالقلق، الذي تحول إلى حزن واكتئاب، فهاجر إلى بوليفيا بعد انضمامه إلى إحدى الطوائف الدينية، تاركاً زوجته وأطفاله الستة، لكن زوجته لم تستسلم، وتولت مسؤولية الشركة، واستطاعت الحفاظ على اللعبة، وعملت على إعادة انتشارها، ولا سيما بعد ابتكار أشكال بلاستيكية جديدة، مثل «كلب سلينكي»، و«دودة سلينكي»، ثم تحولت إلى ألعاب فيديو بالاسم نفسه؛ مجاراة للتطور التكنولوجي، حتى ماتت بيتي جيمس في عام 2008 وكان عمرها آنذاك 90 سنة.
يذكر أن ريتشارد تومسون جيمس وُلد في الأول من يناير عام 1914 في ديلاوير، وعرف بأنه طفل فضولي ذو خيال واسع، وكان يحب اللعب بقطع الزجاج ويصنع منها لعبه الخاصة، وقد تخرج في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي في جامعة بنسلفانيا، وحصل على درجة البكالوريوس في تخصص الهندسة الميكانيكية، مدفوعاً بعشقه لتفكيك الأشياء وإعادة تركيبها؛ حسب ما ذكره شقيقه «صموئيل» في لقاء أجرته معه صحيفة «ديلاوير كاونتي ديلي تايمز» الأمريكية عام 1976، حيث قال: «أتذكر أننا كنا في نزهة خلوية ذات صباح؛ حين عثر جيمس على سيارة قديمة مهجورة من طراز «بويك» 1923، وكان عمره 13 عاماً فقط، وأصر على إصلاحها، على الرغم من أنها كانت مليئة ببذور الكرز البري والفئران، وتمكن من تشغيلها بالفعل، وباعها مقابل 25 دولاراً.
كنا نعتمد عليه في إصلاح أي شيء يتعطل في البيت، مثل أدوات الطبخ، والدراجات والمقاعد، وأعمال الكهرباء والسباكة. كان يصلح الأعطال وهو في قمة السعادة».
