لقرون طويلة، ظلت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" تحلم باكتشاف ثروات هائلة في الكون. ومع التطورات الحديثة في رحلات الفضاء وتقنيات الروبوتات، صار هذا الحلم أقرب إلى الواقع. باتت وكالات الفضاء والشركات الخاصة تتابع الكويكبات ليس فقط لأغراض علمية، بل للاستفادة من المعادن الثمينة التي تحتويها، في مقدمتها كويكب "16 سايكي"، الضخم والغني بالمعادن، والمرشح الأول في سباق التنقيب الفضائي المتسارع.

كويكب سايكي.. منجم ذهب بين الكواكب

يقع سايكي في الحزام الرئيسي للكويكبات بين المريخ والمشتري، ويتميز بتركيبة معدنية غنية بالحديد والنيكل والذهب. في عام 2019، قدّر علماء الفلك قيمة المعادن الموجودة فيه بما يصل إلى 700 كوينتيليون دولار، وهو رقم خيالي أثار ضجة إعلامية واسعة، حسب تقرير مجلة فوربس (Forbes).

تلك التقديرات دفعت البعض للتفكير أن كل شخص على الأرض يمكن أن يصبح مليارديرًا لو جرى استخراج هذه المعادن، لكن الواقع أكثر تعقيدًا، إذ يثير هذا الاكتشاف نقاشات مهمة حول مستقبل الاقتصاد العالمي، خاصة مخاطر انهيار الأسواق بسبب زيادة المعروض، فضلاً عن تداعيات جيوسياسية محتملة.

التحديات التقنية والقانونية لاستخراج المعادن

بينما يمتلك "سايكي" كميات هائلة من المعادن الثمينة، فإن استخراجها ليس بالأمر السهل. يتطلب الأمر تجاوز تحديات لوجستية ضخمة مثل تكلفة النقل من الفضاء إلى الأرض، والتقنيات المعقدة لاستخراج المواد في بيئة فضائية قاسية، فضلاً عن الإطار القانوني الدولي غير الواضح بشأن ملكية الموارد الفضائية.

ويثير "سايكي" اهتمامًا عالميًا، ليس فقط لأسباب علمية، بل لما يحمله من احتياطي ضخم من الذهب والنيكل والحديد قد يعادل أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للعالم بأسره.

تاريخ اكتشاف وتركيب سايكي

يُعد "سايكي" أحد أكبر الكويكبات المعروفة في الحزام الرئيسي بين المريخ والمشتري. اكتشفه عالم الفلك الإيطالي أنيبالي دي غاسباريس عام 1852، ويبلغ قطره حوالي 220 كيلومترًا، ويتميز
 بتركيبته المعدنية شبه الكاملة، إذ تشير تحليلات الطيف الراديوي والمغناطيسي إلى أنه يتكون بنسبة تصل إلى 60% من معادن ثقيلة، على رأسها الحديد والنيكل وربما الذهب، وهو تركيب غير معتاد للكويكبات الأخرى التي تتكون غالبًا من صخور أو جليد.

مهمة ناسا لاستكشاف سايكي

انطلقت مركبة ناسا الفضائية "سايكي" في أكتوبر 2023، وهي مصممة لاستكشاف الكويكب عن قرب بهدف رسم خريطة دقيقة لتركيبته وبنيته، وليس لاستخراج المعادن. من المتوقع وصول المركبة إلى الكويكب في عام 2029، حيث ستجمع بيانات علمية قد تعيد تعريف فهمنا لمراكز الكواكب.

تمثل هذه المهمة خطوة مهمة لفهم تاريخ تشكل النظام الشمسي وكيف تكونت الكواكب الصخرية، إضافة إلى تقييم إمكانيات التعدين الفضائي في المستقبل.

آفاق التعدين الفضائي وتأثيره الاقتصادي

حددت ناسا أكثر من 1.3 مليون كويكب في نظامنا الشمسي تحوي معادن ثمينة مثل البلاتين والكوبالت والذهب. بعض هذه الأجسام، مثل 241 جرمانيا، هي مراكز كواكب فاشلة، بينما تحمل كويكبات أخرى أدلة على وجود الماء والحياة، وفقًا لموقع "EcoPortal".

تشير تقديرات إلى أن كويكبًا صغيرًا قرب الأرض، 2011 UW158، يحتوي على 5.4 تريليونات دولار من البلاتين، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات تغيّر قواعد السوق العالمية تمامًا، إذ قد يؤدي ضخ كميات كبيرة من المعادن إلى تقلبات اقتصادية وربما انهيار أسعارها.

كويكبات بين الفرصة والمخاطر

لم تكن الكويكبات مجرد مصادر محتملة للثروة فحسب، بل لعبت دورًا هامًا في تاريخ الأرض، إذ يُعتقد أن اصطداماتها جلبت العناصر الأساسية للحياة. وفي المقابل، لا يزال خطر اصطداماتها قائمًا، ما يجعل مهمة مراقبتها والتصدي لأي تهديد مستقبلي ضرورة ملحة، كما أثبتت مهمة "دارت" التي نجحت في تغيير مسار كويكب صغير عام 2022.

كويكب سايكي يفتح بابًا علميًا غير مسبوق لفهم بدايات تشكل الكواكب، بينما يحفّز الحلم البشري باقتحام اقتصاد الفضاء. ومع أن التعدين الفضائي لا يزال في بداياته، إلا أن الاهتمام العالمي المتزايد بـ"سايكي" قد يكون إشارة إلى أن السباق نحو ثروات خارج الأرض قد بدأ فعلاً.

وتظل هذه الفرصة العلمية والاقتصادية الهائلة تواجه تحديات تقنية وقانونية واقتصادية كبيرة، حيث تمثل مهمة ناسا "سايكي" خطوة استراتيجية لفهم ماضي نظامنا الشمسي والاستعداد لمستقبل قد يكون فيه التعدين الفضائي جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي.