تحولت دبي في أقل من اربعة عقود إلى واحدة من أكثر مدن العالم إلهاماً ونجاحاً. وما انفك تطورها يحتل العناوين الرئيسية في أنحاء العالم قاطبة، وتعتبر الآن بلا منازع وجهة للسياح ورجال الأعمال على حد سواء وفقاً للدراسة.
وفي ظل هذا التنوع السكاني والعرقي، توفر دبي للمقيمين ورجال الأعمال العاملين على أرضها مناخا فريدا، غني بمئات الثقافات، وجودة الحياة، والعمل قل نظيرها في منطقة الشرق الأوسط. وهي عبارة عن مدينة مزدهرة ينصهر فيها التراث الإماراتي، والهمة العربية، والعفوية الغربية، والطموح الآسيوي.
وأوضحت الدراسة أن عدد سكان دبي الآن يناهز مليوني نسمة، بفضل جاذبية نمطها المعيشي، وحوافزها الاستثمارية. إذ إن سياساتها غير الخاضعة للضرائب، وإخراج الأرباح دون غرامات مالية كانت لها منافع جمة على المستويين الشخصي والاقتصادي، مع توفير الفرص للادخار الخاص، والأرباح المهنية.
وفي ضوء استحداث آلاف الأعمال التجارية عاما بعد عام، فإن دبي تعتبر بوابة بين الشرق والغرب، ووجهة مثالية لأسواق واردات المنطقة وصادراتها، وواحدة من أكثر المدن جذبا في العالم، حيث يفتح موقع دبي الاستراتيجي المجال امام 2.2 مليار مستهلك، من منطقة زمنية مركزية فريدة، تجمع بين ساعات العمل الشرقية والغربية.
لمحة تاريخية
تشكل دبي واحدة من الإمارات السبع التي تكون دولة الإمارات، وفي عام 1833 استقر قرابة 800 فرد من قبيلة بني ياس يقودهم آل مكتوم واستقروا على مصب خور دبي. وقد مكن هذا الميناء الطبيعي الجميل دبي من ان تتحول وبسرعة إلى مركز ناجح للصيد والغوص بحثاً عن اللؤلؤ والتجارة.
وبعد سبعين سنة، وفي مطلع القرن العشرين، كانت دبي ميناء بحرياً مزدهراً. وكان السوق على الضفة الشرقية للخور الأكبر من نوعه في الساحل، بوجود 350 محلا تجاريا، وتدفق مضطرد في الزوار ورجال الأعمال. وبحلول ثلاثينات القرن الماضي، نما عدد سكان دبي إلى قرابة 20 ألفا، ربعهم من الوافدين.
وفي خمسينات القرن الماضي بدأ الخور يكسوه الطمي نظرا لازدياد عدد المحال التجارية التي وجدته حيويا لتجارتها. وفي رؤية طموحة ولكن من منظور ثاقب، قرر المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي تعميق الممر المائي. وكانت النتيجة زيادة هائلة في حجم الشحن الداخل إلى الخور والخارج منه. وفي نهاية المطاف أرسى دعائم مستقبل دبي كوجهة الشرق الأوسط التجارية ولإعادة التصدير.
تطوير
وعند اكتشاف النفط في 1966، استخدم الشيخ راشد العائدات للقيام بتطوير سريع للبنية التحتية، بما فيها المدارس، والمستشفيات، والطرق وشبكات الاتصالات الحديثة وأنظمة النقل. وشهدت توسعة مدرج يستقبل أي نوع من الطائرات بداية مطار دبي الدولي لأولى رحلاته ليصبح واحدا من اكثر المطارات ازدحاما، فيما جرى بناء أكبر ميناء اصطناعي في العالم في منطقة جبل علي يتضمن منطقة تجارية حرة للمستثمرين الأجانب.
وسرعان ما تجلت صيغة دبي للتطور في أبهى صورها ـ قيادة رؤيوية، وبنية تحتية عالية الجودة، ومناخ صديق للأجانب، واقتصاد غير خاضع للضريبة الشخصية أو التجارية، ورسم واردات منخفضة. ونتيجة لذلك أضحت دبي بسرعة وجهة تجارية وسياحية لمنطقة تمتد من مصر إلى شبه القارة الهندية، ومن جنوب إفريقيا إلى الدول الأخرى.
وفي ثمانينات القرن الماضي ومطلع التسعينات، اتخذت دبي قرارا استراتيجيا لتصبح وجهة سياحية عالمية. وهي مشهورة الآن بفنادقها الفخمة، وهندستها العمرانية المبهرة، وفعالياتها الترفيهية والرياضية عالمية الطراز.
وأشارت الدراسة إلى أن هذا الصعود القياسي ساهم في تصنيف دبي ضمن وجهات الاستثمار الأجنبي المباشر الأولى من قبل مجلة الاستثمار الأجنبي المباشر التابعة لمؤسسة فاينانشيال تايمز. ووفقا للمجلة فإن دبي في 2011، عندما كانت كثير من الدول تصحو من آثار الأزمة المالية العالمي، جذبت استثمارات خارجية بإجمالي 273 مشروعا بقيمة 6.3 مليارات دولار، خلقت أكثر من 15.260 وظيفة جديدة. وتحتضن دبي أكثر من 20 ألف شركة عالمية من بينها مكاتب من 124 من شركات فورتشن.
الاتجاهات والتطور
كانت دبي خصوصا والإمارات عموما، من حيث الأداء الاقتصادي واحدة من أكثر الاقتصادات نجاحا في منطقة التعاون الخليجي، لتنوعها بعيدا عن النفط. وشكلت اللوجستيات والتجارة والنقل والسياحة أكثر من 60% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدبي في 2011، والذي نما بواقع 3.4%، ويتوقع أن ينمو بواقع 4.6% نهاية 2012.
حققت فنادق دبي الـ 575 إيرادات بلغت 16 مليار درهم في 2011، بزيادة 20%. كما تلقى القطاع العقاري دفعة من استراتيجية الحكومة الاتحادية لتمديد فترة تأشيرات مستثمري قطاع العقارات من 6 أشهر إلى 3 سنوات، وأشارت الدراسة إلى أن التِأشيرات طويلة الأجل يمكن أن تحسن جاذبية شراء المنازل وتزيد الطلب، بما يشمل أولئك الباحثين عن ملاذ آمن من الأحداث الأخيرة في المنطقة.
التضخم
أشارت الدراسة إلى أن التقارير الرسمية أظهرت أن معدل التضخم السنوي هو 0.5% في 2011 مقارنة بـ 2011، ويرجع الفضل في ذلك إلى انخفاض 3.3% في أسعار المنازل والمياه والكهرباء والغاز والوقود. وفي الربع الأول من 2012 انخفضت أسعار المواد الغذائية والخدمات بحدود 1.4%، مقارنة بالشهور الثلاثة الأولى من العام 2011.
جهود حكومية
ضاعفت حكومة دبي في 2012 من جهودها لتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال إنشاء مكتب الاستثمار الأجنبي المباشر. وقد برهنت هذه الخطوة لجذب شركات أجنبية جديدة نجاحها الباهر وفقاً لدراسة "لماذا دبي"، حيث يقدم المكتب الدعم والمساعدة مع كافة اوجه تأسيس عمل تجاري في دبي، بدءا من التوجيه حول التسجيل التجاري إلى الترخيص، إلى توفير سبل الاتصال مع شركاء محتملين، حتى المشاركة في المعارض وبالنسبة للمستثمرين الأجانب الحاليين يقدم مكتب الاستثمار الأجنبي المباشر الدعم الدائم والرعاية بحيث تضمن أن تحقق أعمالهم أفضل الفرص وأقل التعقيدات الإدارية.
الاتجاهات الاقتصادية
توقع اتحاد الغرف التجارية والصناعية في دول مجلس التعاون أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي للإمارات إلى أعلى مستوى له حوالي 385 مليار دولار بالأسعار الحالية في 2012 للمحافظة على مركزها كأكبر اقتصاد في العالم العربي بعد السعودية.
وقدر المصرف المركزي في الإمارات ناتج الإمارات المحلي الإجمالي الحقيقي أن يصل إلى 3.2% في العام 2012.
وفي ذلك المستوى، فإن الإمارات ستشكل قرابة خمس إجمالي الناتج المحلي لمجلس التعاون، المتوقع أن يصل إلى 1.5 تريليون دولار، وهو أعلى مستوى له. ويتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات أكثر من ذلك إلى معدل 5.2%، خاصة في ظل النمو القوي في 2014، و2015، مع استكمال مشاريع البنى التحتية. كما يتوقع ان يرتفع إنتاج النفط بين 2014-2015 ليصل إلى 2.8 مليون برميل يوميا.
أيقونة متفردة
تتمتع دبي بسمعة عالمية كأكثر الوجهات السكنية والتجارية الجاذبة، فلم تتميز بكونها أيقونة متفردة فحسب، بل نجحت في وضع معيار عالمي للطموح والانجاز والنمو الاقتصادي لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث وفقاً لدراسة "لماذا دبي".
واشارت الدراسة إلى أن ملايين المقيمين ورجل الأعمال من مختلف الجنسيات فضلوا اقتناص فرصة القدوم إلى دبي ليكونوا جزءا من مسيرتها الحضارية ويساهموا أيضاً في قصة نجاحها الرائعة.
وحدد مكتب الاستثمار الأجنبي بدبي ضمن الدراسة مجموعة من العوامل التي لها دور حيوي في تعزيز مكانة دبي كواحة تجارية مزدهرة في خضم الأزمات الاقتصادية العالمية العاصفة، ومن ضمنها الحوافز في بيئة خالية من الضرائب وسهولة ممارسة الأعمال والارتباط الوثيق مع العالم مما يسهل الوصول إلى ابرز الأسواق الدولية فضلاً عن مستوى المعيشة العصري المصنف من ضمن الأفضل في العالم.
واكدت الدراسة إلى أن رؤية القيادة الرشيدة لدبي لطالما ركزت على تنمية مهارات الكوادر البشرية الوطنية بالتزام مع الانفتاح على العالم واستقبال الخبرات ورواد الأعمال من مختلف الدول ليساهم الجميع في تحقيق القفزات القياسية التي تنجزها الإمارة واستمرار مسيرتها الاستثنائية نحو المزيد من التطور والازدهار.
