يسري بدءا من اليوم الخميس الموافق 5 يوليو القانونان الصادران عن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رعاه الله بصفته حاكم دبي المتعلقان بمركز دبي المالي العالمي ، وهما قانون الأسواق 2012 وقانون تعديل القانون التنظيمي 2012 ، ويندرج القانونان ضمن إطار القوانين التي تديرها سلطة دبي للخدمات المالية.

ومع بدء سريان القانونين ، يرصد مسئولون وخبراء العديد من المكاسب والمزايا المتحققة لمختلف الأطراف وأصحاب المصلحة بما في ذلك سلطة دبي للخدمات المالية الجهة التنظيمية المنوط بها تنفيذ القوانين في منطقة اختصاص مركز دبي المالي العالمي.

ورغم إلقاء الأزمات المالية العالمية بظلال كثيفة على الجهات المنظمة للأسواق ،إلا أن الآراء ارتأت في القوانين والتعديلات الجديدة بأنها تؤشر على انتهاج سلطة دبي للخدمات المالية نهجا مرنا ووسطيا يجنبها الوقوع في الأفراط أو التخفيف في تنظيم الأسواق المالية ، كما أن هذه القوانين سوف تسهم في استقطاب المزيد من الإدراجات والاكتتابات .

تعديلات مهمة

ويحل القانون الجديد للأسواق 2012 محل القانون الحالي للأسواق الصادر عام 2004، ويتضمن عددًا من التعديلات المهمة من بينها تعديلات نشرة الإفصاح ، والإعلان عن الأنشطة المتعلقة بالاكتتاب، والأحكام الخاصة بسوء السلوك حول أنشطة السوق، وحوكمة الشركات.

وتشمل التعديلات ضرورة الموافقة الرسمية لسلطة دبي للخدمات المالية على نشرة الإفصاح قبل أي عملية اكتتاب جديدة ، أو إجازة إدراج الأوراق المالية المشار إليها في نشرة الإفصاح بالقائمة الرسمية للأوراق المالية والتي تديرها سلطة دبي للخدمات المالية. وقد شُرِعَت القوانين الجديدة لتعزيز حماية المستثمر واتباع معايير دولية في مركز دبي المالي العالمي، وخاصة متطلبات الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وتدعم التعديلات الجديدة على القانون التنظيمي لسنة 2004 التغيرات التي طرأت على نظام قانون الأسواق الجديد، فعلى سبيل المثال، يتيح القانون الآن لسلطة دبي للخدمات المالية مباشرة الإشراف التنظيمي العام على مدققي الشركات المدرجة بسجل مركز دبي المالي العالمي المقيدة بقائمة المؤسسات المرخص لها بالسوق أو أي جهة أخرى بسوق الأوراق المالية. تشمل التعديلات أيضًا تغيير صلاحيات سلطة دبي للخدمات المالية فيما يتعلق بإقرار التبادل التجاري عبر الحدود ومن بينها إقرار نظم تجارية بديلة وأشباهها للتبادل التجاري التي تشكل دورًا متزايد الأهمية في تجارة الآليات المالية في أسواق رأس المال العالمية.

وتتيح التغييرات للبورصات ولغرف المقاصة غير التابعة لمركز دبي المالي العالمي والتي تتوافق مع بعض معاييره التنظيمية أن تسمح بالعمل من خلالها لبعض الأشخاص العاملين بمركز دبي المالي العالمي والشركات غير التابعة له والتي تتوافق مع بعض المعايير التنظيمية كأعضاء عن بعد للمؤسسات المرخص لها بالسوق وذلك لتداول الاستثمارات ببورصة مركز دبي المالي العالمي من مقر عمل خارج المركز

مطالب واحتياجات السوق

وقد جاءت هذه القوانين والتعديلات الجديدة استجابة لمطالب وآراء المشاركين في السوق وأصحاب المصلحة ،وهو ما يأتي برأي براد دجلس مساعد مدير مسؤول قسم الأسواق بسلطة دبي للخدمات المالية على شرحه بقوله : لقد قامت بالفعل السلطة دبي للخدمات بإصدار ورقتين للتشاور في العام الماضي ، وهما ورقة التشاور رقم 75 المنشورة في العام الماضي والمتضمنة تغييرات مقترحة على نظام قانون الأسواق، وورقة التشاور رقم 76 وهي تمثل الجزء الثاني من ورقة التشاور الآنفة الذكر وتضمنت تغييرات مقترحة علي نظام قانون الأسواق فيما يتعلق بالتدقيق والاعتراف .

وتمثلت أبرز معالم الورقتين في المطالبة بإبداء وجهات النظر بشأن وضع تعريف جديد للطرح العام ، واقتراح متطلبات جديدة بخصوص الإعفاءات من نشرة الاكتتاب العام، وإصدار نشرات الاكتتاب العام لطرحها على الجمهور ،وتعزيز المتطلبات المتعلقة بواجبات ومسئوليات لمدراء وإدارة صراع المصالح ، وتقوية المتطلبات المتعلقة بالإفصاح السوقي بشأن نشر المعلومات الداخلية والأشخاص المسئولين عن الإفصاح واعتماد مبادئ حوكمة الشركات فيما يتعلق بجهات إصدار التقارير . واستدرك قائلا :تركز هذه المتطلبات على الحاجة للحد من ممارسات الحوكمة السيئة.

ووضع تعريف جديد للطرح العام والاعتراف بمشغلي نظام التداول البديل العاملين خارج مركز دبي المالي العالمي وتعزيز المتطلبات الخاصة بالأحكام المتعلقة بسوء استخدام أحكام السوق ، وتوسيع السلطات الرقابية لسلطة دبي للخدمات المالية على المدققين لتشمل الشركات المسجلة في البورصات الأخرى.

سلاسة الرقابة والإشراف

وتصب هذه التغييرات في رأي عبد العزيز الياقوت الشريك والمدير الإقليمي لـ" دي ال ايه بايبر" الشرق الأوسط في تعزيز العملة الرقابية السلسة للأسواق الرئيسية والثانوية في مركز دبي المالي العالمي، ويشرح هذه النقطة بقوله : كوني منظمًا سابقًا في سلطة دبي للخدمات المالية، فقد شهدت عدداً من التغيرات الهيكلية داخل المؤسسة فضلاً عن القوانين واللوائح الجديدة التي من المعتزم تطبيقها قريبا.

ومن غير المرجح أن تعيق التغيرات في النظام التنظيمي العملية الرقابية السلسة للأسواق الرئيسية والثانوية في مركز دبي المالي العالمي وذلك لأن معظم الشركات العاملة في المركز والمرخصة من قبل سلطة دبي للخدمات المالية للمركز صلة قوية مع القواعد التنظيمية في اوروبا.

وأضاف بقوله : لكنني أعتقد بأن الكثير من الشركات العاملة في المركز المالي ستعتمد على تطبيق الإجراءات المحددة. في الماضي كان هناك خلط بين المعايير المعمول بها والسلطة ذات الاختصاص، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين ناسداك دبي وسلطة دبي للخدمات.

ورأى عبد العزيز الياقوت أن الدراسات المسحية الاستطلاعية بالغة الأهمية في وضع وإصدار اللوائح والقوانين الجديدة ، وتناول هذه النقطة بقوله : كما هو الحال في جميع المبادرات الرئيسة، فإنه من الضروري جمع قدر كاف من المعلومات عن السوق بهدف ضمان تطبيق أي إجراءات جديدة بصورة فعالة وسهلة. فقد قامت سلطة دبي للخدمات المالية بإصدار ورقتي تشاور لضمان الحصول على آراء العاملين في المركز وخارجه من القيادات المالية في المركز.

أفضل الممارسات العالمية

ويستدرك في حديثه بقوله : دأبت سلطة دبي للخدمات المالية على أن تكون جهة تنظيمية تفخر بتبنّيها لأفضل اللوائح والإجراءات التنظيمية ووفقا لأفضل المعايير الدولية، وقد شهد المنظمون حول العالم خلال السنوات الأخيرة تطبيق الكثير من المعايير الجديدة (خاصة في فترة ما بعد الأزمة المالية)، وتعمل سلطة المركز المالي على ضمان متابعة التغيرات العالمية في الأسواق المالية ، وهو ما يُعد أمراً جيداً، والعديد من الشركات المسجلة في المركز تبدي أرتياحا لهذا التوجه كونه يضمن للشركات سوقاً جيد التنظيم .

وتفخر سلطة دبي للخدمات المالية بأن القوانين والتعديلات تتوافق مع تلك السارية في دول الاتحاد الأوروبي، ولكن على الرغم من ذلك، رأى براد دجلس أنه قد روعي في وضع المتطلبات الجديدة الاستفادة من الأطر واللوائح التنظيمية المطبقة من جانب جهات الاختصاصات القضائية الرئيسية في العالم التي خدمت كمقياس مرجعي ، وجرى اختيار إطار عمل الاتحاد الأوروبي لكونه الإطار المفضل بالنسبة للمشاركين في السوق ، بيد أن العناصر الرئيسية للتغييرات تتواجد في كافة الأنظمة المنظمة لعمل الأسواق في العالم .

ويشرح عبد العزيز الياقوت الطبيعة العالمية للقوانين واللوائح الجديدة بقوله : كون مركز دبي المالي العالمي وجهة عالمية تشهد إقبالاً من جميع أقطاب العالم، فإنه يجب على سلطة دبي للخدمات المالية أن تكون أكثر مرونة في تطبيق المتطلبات السابقة للترخيص لضمان عدم وجود ازدواجيه في المعايير التنظيمية للقطاع المالي.

ولدى السلطة الكثير من الادوات التنظيمية التي تضمن المرونة في تطبيق المعايير مثل إعطاء بعض الإعفاءات والتعديلات للشركات التي المرخصة في الدول الاخرى، ولكن يجب استخدام هذه الإعفاءات بصورة مسؤولة ووفق رؤية واضحة. ويسلط براد دجلس الضوء على السمة المرنة التي تتميز بها القوانين واللوائح الجديدة بقوله :

لقد قامت سلطة دبي للخدمات المالية بوضع التعديلات والقوانين الجديدة في أعقاب مراجعة مستفيضة لنظام قانون الأسواق الذي تقوم بتطبيقه ، فهي تحرص على المراجعة الدورية للقوانين واللوائح لضمان توافق نظامها القانوني مع أفضل الممارسات الدولية ، فإن القوانين واللوائح الجديدة المنظمة للأسواق لا تتوافق فحسب مع الدولية ، ولكنها ترسي كذلك منهجا مرنا في تنظيم الأسواق .

استقطاب المزيد من الشركات

وتسهم هذه المزايا في رأي عبد العزيز الياقوت في تحفيز الكثير من الشركات على اتخاذ مركز دبي المالي مقرا للأعمال ، وهو ما يأتي على شرحه بقوله :إن التغيرات التنظيمية الجديدة تسمح لسلطة دبي للخدمات المالية بالترحيب بشركات جديدة ترغب في مباشرة أعمالها بالمركز. وينبغي أن تكون هذه التغييرات حافزاً على دخول الكثير من الشركات الى المركز.

وهي كذلك قادرة على خلق المزيد من السيولة في المركز خصوصا فيما يتعلق بالأسواق الثانوية ، مثل البورصة التي واجهت صعوبات تتعلق باستقطاب قدر كاف من الأسهم المدرجة و المستثمرين والمشاركين مما يخلق قدرا كافيا من السيولة. وأعرب عبد العزيز الياقوت عن أمله في أن يشهد العام المقبل قدوم المزيد من الشركات والمستثمرين الخليجيين إلى مركز دبي المالي العالمي على نحو يسهم في تعزيز استدامة مكانة دبي كمركز مالي إقليمي .

مكاسب ومزايا

ولن تعطي هذه القوانين الجديدة المزيد من الصلاحيات والاختصاصات لسلطة دبي للخدمات المالية فحسب ، ولكنها سوف تحقق مكاسب ومزايا عديدة للمشاركين في السوق ، وهو ما يأتي براد دجلس على شرحه بقوله : سوف يجني أصحاب المصلحة قوانين ولوائح لتنظيمية ترتكز على مقاييس دولية ، فضلا عن أن هذه القوانين مألوفة ومعتادة بالنسبة لهم .

وفي الوقيت ذاته ،سوف تزود القوانين والتعديلات الجديدة سلطة دبي للخدمات المالية المزيد من السلطات والصلاحيات التي تمكنها من تنظيم الأسواق ، وهذه السلطات هي نفسها التي تتمتع بها الجهات التنظيمية العاملة في جهات الاختصاصات القضائية الدولية . ويتناول عبد العزيز مسألة الصلاحيات الجديدة الممنوحة لسلطة دبي للخدمات المالية بقوله :

بوجود سلطة دبي للخدمات المالية منذ سبع سنوات، فإن إحدى رسائلها الرئيسة كانت دائماً تطبيق أفضل الممارسات العالمية. وقد أدى ذلك إلى دخول أعداد كبيرة من اللاعبين الدوليين إلى مركز دبي المالي العالمي وهم على دراية بالإطار التنظيمي فيه وراغبين من الاستفادة من هذا الاطار التنظيمي. وتابع بقوله : لقد تم إلغاء بعض الأحكام في ظروف معينة، كالمعايير الإشرافية لمزود خدمات مالية منظم في مكان آخر أو معايير حوكمة شركات معينة لجهات الإصدار التي تخضع لنظام مشابه.

ونعتقد أن هذا الأمر هو توجه قوي من قبل سلطة دبي للخدمات المالية كونها تؤكد امتلاكها للمرونة لإلغاء أو تعديل أحكامها عندما تكون هذه الأحكام مقيدة أو تكون الشركة تخضع للتنظيم من منظم رئيسي اخر. وأضاف بقوله : إن جهة التنظيم التي تعمل دائماً على تغيير أحكامها لا تكون مقياسا مرجعيا بشكل عام ، وقد شاهدنا زيادة في الاقتراحات التشريعية (مثال: وكالات التصنيف الائتماني) التي تبنتها سلطة دبي للخدمات المالية التي تلتزم بتطبيق اللوائح العالمية.

ومرة أخرى، فإنه ينبغي التأكيد على عمليات تنظيمية سهلة وقوية ويمكن التنبؤ بها ضمن معايير مقبولة عالمياً وذلك بهدف استقطاب نشاطات حقيقية لأسواق رأس المال إلى مركز دبي المالي العالمي. ويستعرض عبد العزيز الياقوت مكاسب المشاركين في السوق جراء تطبيق القوانين والتعديلات الجديدة بقوله : هناك الكثير من المكاسب الحقيقية في العملية التي تجري بين سلطة دبي للخدمات المالية التي تقوم بدور جهة الإدراج والبورصة التي توفر منصة تجارية للتعاملات.

ومن خلال توثيق معايير أكثر تناغماً وانسجاماً مثل تلك الموجودة في الاتحاد الأوروبي، فإننا على أمل بأن يصبح مركز دبي المالي العالمي وجهة تستقطب الإدراجات العالمية . وبسؤاله عما إذا كانت القوانين الجديدة تمنح سلطة دبي للخدمات المالية المزيد من الصلاحيات والمسئوليات ، أجاب عبد العزيز الياقوت بقوله : كان لدى سلطة دبي للخدمات المالية قبل صدور القوانين الجديدة القدرة على التدخل. والمكسب الحقيقي ليس في زيادة السلطة التنظيمية، بل زيادة تطبيق أفضل الممارسات العالمية واللوائح التي من شأنها أن تفضي إلى مزيد من التناسق والاندماج مع الأسواق المشابهة في الاتحاد الأوروبي.

 

تسهيل الإدراج المزدوج

رأى عبد العزيز الياقوت أن الارتباط بنظام الإفصاح الأوروبي يعد خطوة منطقية بالنسبة لسلطة دبي للخدمات المالية ، مشيرا إلى أن شركات الأسهم المدرجة في مركز دبي المالي العالمي تتطلع إلى إدراج مزدوج في أوروبا وليس في الولايات المتحدة.

وقال الياقوت إن هناك نقطة رئيسية لم ينص عليها القانون لكنها ضرورية لتطبيقٍ سلسٍ وفعال لهذه القوانين الجديدة ولضمان سهولة العمليات والتنبؤ بها فيما يتعلق بالإدراجات في مركز دبي المالي العالمي.

واوضح أنه على الرغم من ضرورة وجود نشرة اكتتاب مفصلة لم تكن موجودة سابقا ولم تكن من المتطلبات ، لكن ذلك ليس بالضرورة عبئاً ملزماً، كون متطلبات النشرة تتماشى في الواقع بشكل كبير مع المتطلبات الموجودة في أوروبا.

 

لا توقف لقطار التطور

قال عبد العزيز الياقوت إن الوضع الحالي في أوروبا يشكل قلقاً للأسواق حول العالم ولعله من المستحيل التنبؤ بما سيحدث خلال الشهور القليلة المقبلة. ولكن هذه الاوضاع المالية في أوروبا ينبغي أن لا توقف قطار التطور والإصلاح.

وتابع بقوله : هناك المزيد من الأفكار التواصلية الصادرة عن الأسواق والقانون التنظيمي إلى ومن مركز دبي المالي العالمي هي إضافة مرحب بها كونها ستجسد مزيداً من الرغبة في ممارسة نشاطات تداول إلى ومن مركز دبي المالي العالمي.

 

أفضل الممارسات الدولية

رأى عبد العزيز الياقوت الشريك والمدير الإقليمي لـ" دي ال ايه بايبر" الشرق الأوسط أن المكسب الحقيقي المتحقق من جراء تطبيق القوانين والتعديلات الجديدة يكمن في زيادة تطبيق أفضل الممارسات العالمية وليس في زيادة صلاحيات سلطة دبي للخدمات المالية ، مشيرا إلى أن السلطة كانت تمتلك قبل صدور القوانين القدرة على التدخل .

وأوضح عبد العزيز الياقوت أن زيادة تطبيق أفضل الممارسات العالمية واللوائح من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التناسق والاندماج مع الأسواق المشابهة في الاتحاد الأوروبي.