خلال الأشهر الستة الماضية، استحوذت كبرى شركات التكنولوجيا على 3 شركات ناشئة واعدة في الذكاء الاصطناعي، ما نجم عنه تطوير قواعد جديدة لعمليات الاندماج والاستحواذ (M&A) التي تهدد بتهميش المستثمرين المغامرين خلال طفرة الذكاء الاصطناعي. وجمع مطورا برامج الدردشة الآلية «إنفلكشن» .

و«كاراكتر دوت إيه آي»، إلى جانب مطور برامج الذكاء الاصطناعي «أدبت»، أكثر من ملياري دولار من التمويل قبل أن يتم تعيين أفضل الموظفين الموهوبين لديهم في شركات مايكروسوفت وجوجل وأمازون. وبعد هذه الصفقات الثلاث، استحوذت شركات التكنولوجيا الكبرى على مؤسسي الشركات الناشئة وباحثيها ومهندسيها، إضافة إلى حقوق منتجاتها، في حين عاد أصحاب رأس المال المغامر إلى النقطة التي بدأوا منها تقريباً.

وأثار الخروج المبكر لهذه الشركات قلق شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة الأخرى التي تحاول تطوير نماذجها اللغوية الكبيرة، وهي الأنظمة التي تشكل الأساس لنظام «شات جي بي تي» من «أوبن إيه آي»، ونظام «جيميناي» من جوجل.

وقد تعزز هذه الصفقات مخاوف مستثمري رأس المال المغامر من أن شركات التكنولوجيا الكبرى ستفوز وحدها بطفرة الذكاء الاصطناعي، حيث يمكنها تحمل التكاليف الباهظة لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، والتي تقدر بمليارات الدولارات.

وفي وقت سابق من الشهر، وافقت جوجل على ضم المؤسسين لشركة «كاراكتر إيه آي»، نعوم شازير ودانييل دي فريتاس، وحقوق روبوتات الدردشة التي تحاكي شخصيات المشاهير. وكجزء من الصفقة، سيحصل مؤسسو «كاراكتر إيه آي» والمساهمون الآخرون، بما في ذلك أكبر مساهم فيها شركة رأس المالي المغامر في وادي سيليكون «أندريسن هورويتز»، على 2.5 مليار دولار.

وحالياً، تقدر قيمة «كاراكتر إيه آي» بنحو 2.5 ضعف قيمتها البالغة مليار دولار في مارس 2023، وهو عائد قوي وإن كان متواضعاً بالنسبة للمستثمرين الذين استثمروا قرابة 200 مليون دولار في الشركة الناشئة منذ إطلاقها في عام 2022.

على النقيض من ذلك، كانت صفقات مايكروسوفت مع «إنفلكشن» وصفقة أمازون مع «أدبت» أقل من حيث العائد المجزي لمستثمري رأس المال المغامر، الذين بالكاد استردوا استثماراتهم الأولية، وفقاً لأشخاص مطلعين على تلك الصفقات.وقال مايك فولبي، الشريك لدى شركة «إندكس فينتشرز»، إن الصفقات كانت «مجزية إلى حد ما» للمؤسسين الذين انتقلوا للعمل مع شركات التكنولوجيا الكبرى، لكنها «لم تأت بنتائج جيدة» لرأس المال المغامر.

ونظراً لفشل غالبية الشركات الناشئة، فإن شركات رأس المال المغامر تعتمد على نجاح حفنة منها لتعويض رهاناتهم الفاشلة مراراً وتكراراً. وأوضح فولبي، الذي استثمرت شركته في عدد من شركات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك «كوهير» و«ميسترال»، أن «مستثمري رأس المال المغامر، وخصوصاً تلك التي تمتلك صناديق ضخمة، تتطلب عوائد ضخمة.

وعائد 2.5 ضعف الاستثمار ليس مفيداً حقاً لشركة واحدة». وبعد أقل من عامين من إطلاق روبوت الدردشة الرائد «شات جي بي تي» من «أوبن إيه آي»، والذي أدى إلى موجه من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي، عاد عديد من المؤسسين الذين تركوا وظائفهم في الشركات لإطلاق شركات ناشئة إلى أحضان شركات التكنولوجيا الكبرى.

وانتقد شازير ودي فريتاس التقدم البطيء الذي أحرزته جوجل عندما غادرا لبدء شركة «كاراكتر» في عام 2022، لكنهما عادا إليها في النهاية. وكان عدد من قادة شركة «أدبت» ومؤسس «إنفلكشن» مصطفى سليمان، باحثين في شركة جوجل قبل تأسيس شركاتهم، وحالياً يعملون لحساب أمازون ومايكروسوفت على التوالي.

ويسلط استحواذ شركات التكنولوجيا العملاقة على هذه الشركات الثلاث الضوء على مدى صعوبة توسيع نطاق شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة. فالموارد المطلوبة لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة هائلة، وقد واجهت الشركات الناشئة التي تفتقر إلى قنوات توزيع قائمة صعوبات.

ويتوقع ديفيد كاهن، الشريك لدى شركة رأس المال المغامر سيكويا كابيتال، تفاقم هذه الصعوبات خلال المرحلة المقبلة من تطوير الذكاء الاصطناعي. وعلى مدار العام الماضي، سعت الشركات الناشئة إلى التميز من خلال تقنيات البحث الجديدة أو تحسين بيانات التدريب. وكتب ديفيد كان في مدونة حديثة إن «المرحلة التالية من سباق الذكاء الاصطناعي ستبدو مختلفة، وستحددها البنية المادية أكثر من الاختراقات العلمية»، حيث تتسابق شركات الذكاء الاصطناعي لبناء مراكز بيانات ضخمة تصل تكلفتها لمليارات الدولارات لتطوير أفضل النماذج.

وأشار إلى أن هذا الاتجاه من المتوقع أن يصب في صالح شركات التكنولوجيا العملاقة، التي عززت الإنفاق الرأسمالي السنوي من 138 مليار دولار إلى 229 مليار دولار على مدار العام الماضي.

وحتى الشركات الناشئة التي ظلت مستقلة، تعتمد بشكل كبير على الشراكات مع شركات التكنولوجيا العملاقة. وتعهدت مايكروسوفت بتخصيص 13 مليار دولار لشركة «أوبن إيه آي»، في حين استثمرت أمازون وجوجل معاً 6 مليارات دولار في «أنثروبيك».

كما تحالفت شركات أصغر، مثل كوهير وميسترال، مع كبرى شركات التكنولوجيا. وأوضح رافيراج جين، الشريك لدى شركة «لايتسبيد فينشر بارتنرز»، أن الوصول إلى موارد الحوسبة وقاعدة العملاء لشركات التكنولوجيا الكبرى يوفر «ميزة جوهرية» للشركات الناشئة التي تطور نماذج لغوية كبيرة.

وأضاف إنه رغم أن حفنة فقط من الشركات يمكنها المنافسة بقوة، إلا أنه لا يزال ثمة فرصة أمام الشركات الناشئة المدعومة من رأس المال المغامر لتطوير نماذج وتطبيقات وبنية أصغر للذكاء الاصطناعي. لكن التدخل التنظيمي قد يؤدي إلى قلب الموازين مرة أخرى، خصوصاً أن هيئات مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة وأوروبا تحقق في صفقات تشمل أمازون وجوجل ومايكروسوفت، حتى وإن كانت إجراءات الصفقات تمت بطريقة تترك هذه الشركات الناشئة مستقلة اسمياً. وخلال الشهر الماضي، أعلنت هيئة المنافسة والأسواق في المملكة المتحدة تحقيقاً في صفقة مايكروسوفت مع شركة إنفلكشن.

ويلاحظ مستثمرو رأس المال المغامر أن عمليات الدمج والانهيار أمر معتاد في المراحل المبكرة من طفرة التكنولوجيا. ولم يمنع انهيار فقاعة الإنترنت في أواخر التسعينيات من انتشار الإنترنت، ولم تظهر أكثر التطبيقات الاستهلاكية شعبية إلا بعد سنوات من طرح الهواتف الذكية. وعلق فولبي قائلاً:

«بلا شك نحن نمر بوقت عصيب بالنسبة لرأس المال المغامر بسبب التركيز الشديد على قطاع واحد». وأضاف: «لكن ثمة مئات الشركات التي تعمل على مشاريع مثيرة للاهتمام في قطاع الذكاء الاصطناعي.. وفي كومة القش الهائلة تلك، سيكون هنالك بعض الإبر المفقودة».