تعرضت أهداف بعض شركات الطاقة الأوروبية الكبرى في الطاقة المتجددة إما لإعادة نظر أو تقليص، بسبب ارتفاع التكاليف وانخفاض أسعار الكهرباء، ما يعد علامة على صعوبات في التحول بعيداً عن الطاقة الأحفورية.
وأعلنت «ستاتكرافت»، أكبر منتج للطاقة المتجددة في أوروبا هذا الشهر، مراجعة أهدافها السنوية للمشروعات الجديدة لإنتاج الكهرباء بالطاقة المتجددة، فيما أفصحت «إي دي بي» البرتغالية للطاقة عن تقليص خططها، مشيرة لأسعار الفائدة المرتفعة وتراجع أسعار الطاقة.
في الوقت نفسه، خفّضت «أورستيد» الدنماركية، أكبر مطور لطاقة الرياح البحرية على مستوى العالم، مُستهدفاتها للطاقة المتجددة لعام 2030 بأكثر من 10 غيغاواط في الساعة، ما يكفي لإمداد ملايين المنازل بالطاقة، بعد أن أُجبِرَت على التخلي عن مشروعين كبيرين في الولايات المتحدة بسبب ازدياد التكاليف. وقالت بريجيت رينغستاد فارتدال، الرئيسة التنفيذية لدى «ستاتكرافت»، المملوكة للحكومة النرويجية، في تصريحات لـ«فاينانشال تايمز»: «نشهد استمراراً لنمو الطاقة المتجددة، لكن بوتيرة أبطأ».
وذكرت شركة الطاقة الإسبانية «إيبردرولا» في أبريل أنها ستتبنى نهجاً أكثر «انتقائية» فيما يتعلق بالطاقة المتجددة وستعزز تركيزها على شبكات الكهرباء. ولم يعد لدى الشركة مستهدف الوصول إلى 80 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول 2030، لكن تسلّط الضوء على مُستهدفها قيد الإعداد البالغ 100 غيغاواط.
وأعلنت «إينيل» الإيطالية في نوفمبر الفائت تقليص استثماراتها في الطاقة المتجددة من 17 مليار يورو بين عامي 2023 و2025 إلى 12.1 مليار يورو بين عامي 2024 و2026. رغم ذلك، أفادت الشركة بعزمها مواصلة زيادة سعة الطاقة المتجددة مع شركائها لبلوغ مُستهدف 73 غيغاواط بحلول 2026.
وصرّح نورمان فالنتاين، رئيس بحوث الطاقة المتجددة في شركة وود ماكنزي للاستشارات: «لقد شهدنا مراجعة واقعية كبيرة فيما يتعلق بنمو الطاقة المتجددة»، وتابع: «لقد طرأت تغيرات كبيرة على بيئة التكلفة». لكن هذه الصورة ليست على مستوى العالم، إذ قررت «آر دبليو إي» الألمانية زيادة مُستهدفاتها للطاقة المتجددة على نحو كبير في نوفمبر من العام الماضي من 50 غيغاواط بحلول 2030 إلى 65 غيغاواط.
وازداد التركيز السياسي على الحاجة إلى تطوير الطاقة المتجددة، إذ وافقت البلدان بمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي الـ28 خلال نوفمبر الماضي على العمل من أجل مضاعفة سعة الطاقة المتجددة ثلاث مرات إلى 11,000 غيغاواط بحلول 2030.
مع ذلك، فإن ارتفاع أسعار الفائدة خلال الأعوام القليلة الماضية تسبب في زيادة تكاليف تمويل المشروعات الجديدة، ما يخلق صعوبات في وجه بعض المطورين. كما ارتفعت تكلفة المواد الخام، في حين انخفضت أسعار الكهرباء في بعض الأسواق. وتجدر الإشارة إلى تسبب البطء الذي تتسم به عملية الموافقة التنظيمية في صعوبات.
وأعلنت بعض الشركات، من بينها «إينيل»، رغبتها في ضخ مزيد من الاستثمارات في تحديث شبكات الكهرباء، التي ستكون ضرورية في عملية الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة الكهربائية النظيفة. كما تعتزم «إيبردرولا» إنفاق نحو 60 % من استثماراتها البالغة 41 مليار دولار المُخطط لها على شبكة الكهرباء.
أشار رالف إيبندال، رئيس انتقال الطاقة لأوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى «آر بي سي كابيتال ماركتس»، إلى اضطرار مطوري الطاقة المتجددة للتنافس بصورة أكبر من أجل الحصول على مستثمرين، لارتفاع أسعار الفائدة.
وقال إيبندال: «يبدو أن العائد على الاستثمار الذي يتراوح بين 7 % و9 % على مستوى المشروع أقل جاذبية حينما تبلغ الفائدة الأساسية 5 %»، وأضاف: «بدلاً عن ذلك، تتسنى أمام كثير من شركات المرافق فرصة للاستثمار في مجالات أخرى من أعمالهم، مثل الشبكات المنظمة».
وترى ديبا فينكاتيسواران، رئيسة قسم المرافق لدى «بيرنستين»، أن الشركات كانت تضخ استثمارات أكبر في الشبكات على أمل تحسّن العوائد، في ضوء أهميتها لانتقال الطاقة.
وقلّصت «إيبردرولا» الإسبانية و«إنجي» الفرنسية للمرافق مؤخراً أو أجلتا مستهدف إنتاج الهيدروجين «الأخضر»، وهو بديل مُحتمل للوقود الأحفوري في الكثير من الصناعات كثيفة الاعتماد على الإعانات. وأفصحت «إيبردرولا» عن أنها «ما زالت تنتظر وصول التمويل» من أجل مشروعاتها.
ورغم التحديات الحالية، أعربت فارتدال عن ثقتها بتحسّن اقتصاديات المشروعات، ما يتفق معه إيبندال من «آر بي سي». وقال: «تتأتى هذه الأمور عبر موجات، ونحن في جزء أكثر هبوطاً من المنحنى في الوقت الراهن، لكن الأوضاع ستتحسن من جديد».
