الدور المحوري للعمارة في خدمة المجتمع مهمة يجسّدها الجانب السردي المعماري الذي تفضي به رؤى معرض «على نار هادئة»، الذي يقدمه جناح دولة الإمارات في المعرض الدولي الـ19 للعمارة في بينالي البندقية، إذ يُعنى بجوهره وأهدافه في تحفيز الأفراد والمجتمعات العالمية، عبر الإفصاح عن أبجديات معمارية فنية، تتبدى كخطط لصون المقدرات الإنسانية وحفظ البيئة وتحديث مفاهيم العمارة، باتجاه أمن غذائي أكثر كفاءة.
ذلك ما أكدته كل من القيّمة الفنية المشرفة على المعرض المهندسة المعمارية والباحثة الأكاديمية الإماراتية عزة أبوعلم، وليلى بن بريك، مديرة الجناح الوطني لدولة الإمارات، خلال حديثهما لـ«البيان»، من أن هذا المعرض (يقام من 10 مايو إلى 23 نوفمبر 2025)، يعكس مناهج تستند لتجارب ميدانية جرت على أرض دولة الإمارات، في صورة مشروعات ومبادرات متخصصة تُمازج بين جهود بحثية وتاريخ طويل من الحيثيات المرتبطة بالطعام والأرض والعمارة وأساليب العيش.
ويتضح أن هذه الرؤى الجديدة وانعكاساتها على الهندسة المعمارية تستنطق محتويات واتجاهات «على نار هادئة» لاستكشاف آليات وكيفيات الاكتفاء الذاتي، بجانب تقديم مجموعة من الحلول المعمارية المبتكرة ترتبط بالبيئة الصحراوية، تصاحبها مقترحات بانورامية مجدية معنية بكيفيات إنشاء وتصميم المنازل والمساحات الزراعية ضمن البيئات القاحلة.
ويجدر بنا ذكر أن المعرض قابل للترجمة، وتحديداً للعديد من المناهج العملية الناجعة المستقاة من تجارب الإمارات، بما يكفل ترسيخ أسس استدامة إنتاج الغذاء وفق توجهات قائمة على التكيف مع البيئات الصحراوية في عمليات البناء والزراعة، إلى جانب توخّيه الحذر بيئياً.
قصص جديدة
إن هذا المشروع الإبداعي مرتبط في تفاصيله ببيئتنا المحلية، ويعالج مسائل الاستدامة بشكل أساسي، كما يعرض لمناهج مجدية في شأن ضمان الأمن الغذائي ومنع تسبب العمران في الإضرار بالبيئة، ذلك ما أوضحته القيّمة أبوعلم، مبينة أن مشاركتها في معرض العمارة القادم ترتكز على إبراز قصص جديدة وغير مروية عن العمارة في سياق البيئة الإماراتية، وإتاحة المجال لتأملات معمارية تحترم الجذور الثقافية مع ابتكار حلول عصرية، ليحظى الحضور بفرصة فريدة لاستكشاف التجربة الإماراتية وإبراز الهوية المحلية وتطلعاتها المستقبلية. وتسترسل قائلة: لقد أردت أن يكون هذا المعرض، بدءاً من اختيار الاسم مروراً بطبيعة مضمونه وانتهاء بكافة تفاصيله، بمثابة رسالة إبداعية معمارية تقدم نموذجاً مبتكرا في المجال.
وتقدم أبوعلم طروحات عملية بناءة حول أهم كيفيات تصميم وإنشاء البيوت في عصرنا الحالي، وفق معايير ومقومات تضمن وتحمي وتعزز قيم الاستدامة، إلى جانب اشتمالها على مساحات زراعية تتميز بطابعها المستدام وقدرتها على تخطي تحديات البيئة القاحلة وتأمين الاكتفاء الغذائي الذاتي، حيث سيعرض سلسلة مقترحات ونماذج من التركيبات المعمارية للبيوت المحمية الزراعية التجريبية الكفيلة بمعالجة التحديات العصرية الراهنة.
مساحات فكرية
وفيما يتعلق بتوظيف فلسفة «الغذاء» لصياغة مرويات علمية جديدة، تقول عزة أبوعلم إن فلسفة «الغذاء» تمثل بوابة تفاعلية نحو مناقشة أبعاد معمارية، حيث إن مقترح المشروع يجمع بين التصميم والبحث الميداني وعلوم البيئة. ويأملون من خلال تقديمه على منصة عالمية معنية بالعمارة الوصول إلى جمهور متنوع يدفعه الفضول لاستكشاف قضايا مهمة، كالأمن الغذائي، مشيرة إلى أن المعرض يهدف كذلك لتحفيز الحضور على النقاش لإيجاد رؤى متعددة مبنية على العلم والمعرفة، وخلق مساحات فكرية تحفز على الابتكار وتحاكي احتياجات المجتمعات المعاصرة.
u2028عملت أبوعلم على عدة مشاريع معمارية بيئية محلية، من بينها مشروع مركز واسط للأراضي الرطبة الذي يجسد مثالاً لكيفية تفاعل الطبيعة مع العمارة، حيث يركز تصميمه على خلق بيئات تتماشى مع البيئة المحيطة، ما يعزز أصالة المشروع ويبرز قيم الاستدامة، موضحة أن هذه التجربة تؤكد قدرة العمارة على الحفاظ على الموارد الطبيعية، حيث إن الممارسات المستلهمة من الطبيعة تفضي لتجربة فريدة للزوار تجمع بين التقدير الجمالي والوعي البيئي.
تدريب مبكرu2028
ومع اقتراب موعد انطلاق المعرض، وباستعادة الفصول السابقة من مسيرة أبوعلم، بيّنت أن تجربتها كمتدربة في الجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية عام 2014، قبل أكثر من عشر سنوات، جسّرت لنقطة تحول مهمة في مسيرتها المهنية، حيث أسهمت في بناء معرفتها وفهمها للمشهد الثقافي العالمي، ما مهد الطريق لاختيارها اليوم قيّمة لبينالي العمارة لعام 2025.
تمثل المشاركات الشبابية العالمية قيمة وإضافة حيوية للمشهد الثقافي الإماراتي، فهي تجسد تبادلاً غنياً بين الثقافات وتدعم دمجهم بمجتمعات فنية عالمية، هنا تتحدث عزة عن دور الدولة في تعزيز الأدوار الشبابية في المشهد الفني والثقافي في مثل هذه المعارض، حيث يتم تعزيز خطط وأهداف الدولة بوصفها حاضنة للمواهب وداعمة للابتكار والتنوع الثقافي، وهو ما يعزز فهم الجمهور العالمي للتنوع الثقافي الإماراتي، لافتة إلى أن لدى الشباب الإماراتي رؤى إبداعية تسهم في تطوير المشهد الفني المحلي والعالمي على حد سواء، وإثراء النقاشات الثقافية والفنية على نطاق أوسع.
وعن نصيحتها الذهبية، تحث عزة الشباب الطموح على السعي للاستفادة من كافة الفرص المهنية والتدريبية المتاحة في الدولة، حيث تضيف كل تجربة شيئاً جديداً وتفتح آفاقاً لا يمكن توقعها، وبهذا يمكن للشباب تعزيز مهاراتهم والمشاركة بفاعلية في المشهد المحلي والعالمي.
ليلى بن بريك: مصدر إلهام يثري النقاشات العالمية
تؤكد ليلى بن بريك، مديرة الجناح الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، أن مشاركة الإمارات في الدورة التاسعة عشرة للمعرض الدولي للعمارة - بينالي البندقية 2025، تأتي ضمن عام المجتمع وتعكس التزام الدولة بتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الزراعة المستدامة وحماية البيئة، كما تؤكد الدور المحوري للعمارة في خدمة المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة.
وتضيف مستعرضة الاستعدادات الخاصة بانطلاق معرض «على نار هادئة»: «بينما يقترب موعد افتتاح هذا المحفل العالمي المهم، يشعر فريق القيّمين وفريق الجناح الوطني للدولة بأهمية وحساسية المسؤولية الملقاة على عاتقهما، إذ إن تمثيل الإمارات في مثل هذا الحدث العريق يتطلب أقصى درجات الالتزام والإبداع.
ومؤكد أن مهمتنا الأساسية كفريق هي تذليل كافة العقبات أمام القيّمة عزة أبوعلم وفريقها لضمان إتمام المعرض على أكمل وجه، وتيسير حصول جميع الضيوف الذين سيشاركوننا هذه اللحظة المميزة على المعلومات الضرورية. إنني أعتز بفريق العمل الاستثنائي الذي يرافقني في تحقيق رؤية الجناح الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة».
ملامح تفرد
تستعرض مديرة الجناح الوطني للإمارات في المعرض الدولي للعمارة في بينالي البندقية في توصيفها لملامح المعرض العامة ومميزاته باقة من النقاط تشير في مستهلها إلى أن قيّمة المشروع معمارية إماراتية شابة وصاحبة خبرة أكاديمية وعملية يُعتد بها، وتضيف: «إنها المرة الأولى التي يجري فيها اختيار مبدعة لتكون قيّمة للمعرض، وذلك عقب دورات سابقة (5 دورات)، كان القيّمون الفنيون فيها من الرجال.
وبطبيعة الحال، فإنه وانطلاقاً من الاهتمام المتزايد الذي توليه دولة الإمارات العربية المتحدة لقضية الأمن الغذائي واستثماراتها الملحوظة في هذا الخصوص، استقبلت لجنة التحكيم اقتراح عزة أبوعلم باستكشاف دور العمارة في معالجة هذه القضية بترحاب كبير».
وتبين لنا أنه الموضوع الأكثر إلحاحاً لجناحنا هذا العام، ليس فقط لأهميته الوطنية، ولكن أيضاً لقدرته على إثراء النقاش العالمي حول هذه القضايا الملحة. إننا نشعر بحماس بالغ لتولي عزة أبوعلم مسؤولية القيّمة، ويسعدنا بشكل خاص أن القيم/ة، في المعرض في هذه الدورة، امرأة. ومؤكد أننا نتطلع إلى أن تكون مصدر إلهام وقدوة للأجيال القادمة.
«وصفات معمارية»
تقول ليلى بن بريك، عن المطبوعات التي سيتم إطلاقها بالتزامن مع المعرض، وعن مدى أهميتها، وذلك بالتوازي والتزامن مع المشروع الأساسي: «إن هذه المنشورات جزء حيوي مما يقدمه الجناح، في مشاركاته المستمرة، وهي بمثابة إرث لكل معرض، يتيح للقيّم فرصة مشاركة العمق البحثي الذي يقف وراء كل فكرة.
وفي هذا العام، يأتي المنشور المصاحب للمعرض بعنوان: «كل ما لذ وطاب: وصفات معمارية على نار هادئة»، وهو من تحرير المعمارية والباحثة الإماراتية عزة أبوعلم، ومن إصدار (الناشر) دار «كاف بوكس»، إذ إنه يستكشف العلاقة المتداخلة بين العمارة وإنتاج الغذاء عبر التاريخ، مستخدماً أسلوب كتاب الطبخ، غاية تسليط الضوء على أنظمة الغذاء المستدامة في البيئات القاحلة.
وأيضاً من خلال استنباط أوجه التشابه بين عمليتي الطهو والعمارة، كما يقدم هذا المنشور رؤية جديدة لحلول التصميم المستدامة في البيئات الصحراوية».
