أكد طارق بالطيب السفير التونسي في الإمارات أن تونس تعول على الاستثمارات الأجنبية وعلى رأسها الاستثمارات الإماراتية في المساهمة في توفير فرص العمل لآلاف التونسيين وتنشيط الاقتصاد التونسي

وبرر بالطيب توقف المشاريع الإماراتية في تونس خلال السنوات القليلة الماضية التي سبقت اندلاع الثورة التونسية بتزايد عمليات الفساد في تونس كاشفا عن ان الأيام المقبلة ستشهد استئناف العديد من المشاريع الأجنبية التي كانت قد توقفت في تونس بما فيها مشروع "مدينة تونس الرياضية" لمجموعة بوخاطر الإماراتية .

 وبعث السفير التونسي برسالة طمأنة إلى المستثمرين الخليجيين و مفادها بأن تونس لن تقبل بتاتا بأي ممارسات فساد أو ابتزاز للمستثمرين الأجانب على أراضيها وبأن الاستثمار في تونس سيكون شفافا إلى أبعد الحدود وأكثر مردودية في عوائده كما أنه سيحظى بالحماية والتأمين من كافة المخاطر بما فيها المخاطر السياسية إلى جانب وجود التشريعات التجارية في تونس والتي وصفها بالتقدمية والمشجعة للغاية . وكشف السفير التونسي عن مباحثات جارية بشأن إمكانية دخول موانئ دبي العالمية للموانئ التونسية قائلا إن موانئ دبي العالمية أبدت رغبة بدخول تونس .

وقال إن التجارة بين البلدين حققت نموا بنسبة 50% في عام 2011 رغم الظروف التي عايشتها تونس حيث بلغ إجمالي التبادل التجاري بين البلدين نحو 360 مليون دولار. وفيما يلي نص الحوار :

توقف جزء من الاستثمارات الإماراتية التي كانت توفر عشرات الآلاف من الوظائف للتونسيين ، كيف يمكن طمأنة المستثمرين الإماراتيين حول بيئة الاستثمار الجديدة في تونس ؟

بيئة الاستثمار والعلاقات الاقتصادية بين تونس والإمارات كانت دائما علاقات ممتازة وتأمل الحكومتان الإماراتية وكذلك التونسية في تعزيز أكبر لتلك العلاقات إلى جانب العلاقات السياسية والأخوية العريقة والمتينة بين البلدين .

العلاقات كانت بين البلدين متميزة ولكننا نريد لها أن تكون اليوم أكثر تميزا وذلك بتعزيز الاستثمارات الإماراتية في تونس . وبالنسبة للاستثمارات فيمكن النظر إليها من خلال شقين الشق الأول وهو مرهون بعمليات الفساد والإفساد التي ارتبطت بعائلة بن علي والعوائل الأخرى التي كان لها تدخلات غير مرغوب بها مما قاد إلى انكماش الاستثمارات الأجنبية في تونس في السنوات الأخيرة التي سبقت اندلاع الثورة التونسية.

أما الشق الثاني هو أن بعض الاستثمارات تم تجميدها وتعثرت لأسباب أخرى على رأسها الأزمة المالية العالمية وتداعياتها والتي اندلعت في عام 2008 و 2009 حيث قرر العديد من المستثمرين بما فيهم المستثمرون الإماراتيون تجميد مشاريعهم سواء في تونس أو غيرها لحين وضوح الرؤية ولتحديد مسار الأزمة المالية العالمية .

ماذا عن مشروع المدينة الرياضية في تونس الذي تنفذه مجموعة بوخاطر الإماراتية ؟

ستستأنف مجموعة بوخاطر الإماراتية خلال الأيام القليلة المقبلة أعمال البناء في مشروع " مدينة تونس الرياضية " والذي كان قد توقف قبل اندلاع الثورة التونسية. وكانت نسبة الإنجاز في المشروع قد وصلت إلى نحو 30 % قبل أن يتجمد البناء في المشروع .

وكانت العراقيل من قبل بعض النافذين في الحكومة التونسية السابقة وراء توقف البناء في المشروع وفي مشاريع كثيرة من المنطقة الخليجية والعالم في تونس . و تتجاوز كلفته الإجمالية للمشروع 18.3 مليار درهم أي نحو 5 مليارات دولار ويقع على مساحة إجمالية تبلغ 256 هكتارا تجمع بين مساحات سكنية وتجارية ومرافق رياضية يتوقع أن تسهم في جذب فعاليات رياضية دولية من مختلف مناطق العالم .

مع وصول تعداد العاطلين عن العمل في تونس لنحو 870 ألفاً، ما الدور الذي يمكن للاستثمارات الإماراتية والخليجية بشكل عام لعبه في توفير فرص العمل ؟

يرتبط نجاح أي نظرة اقتصادية بعاملين ينبغي أخذهما بالحسبان وهما مقاومة البطالة وتعني حتمية مقاومة الفقر والتهميش أما التحدي الثاني فيكمن في مقاومة التضخم وهذان التحديان الرئيسيان اللذان يواجههما أي سياسي يأتي ليحكم أي بلد .

وفي نهاية عام 2010 كان في تونس مئات الآلاف من العاطلين عن العمل ثم ارتفع العدد بشكل كبير وخاصة هناك بعض الشركات كانت قد تعرضت لصعوبات خلال فترة اندلاع الثورة في تونس وهذا ثمن انتقال تونس نحو الديمقراطية فكل عملية انتقالية سياسية عادة ما يكون لها ثمن.

ومواجهة شركات تونسية لمصاعب خلال الثورة لا يمكن اعتباره ثمنا باهظا وخاصة أن البناء الجديد للعملية السياسية الجديدة في تونس يقوم على قواعد صلبة وسليمة بدون كلفة بشرية مثل القتل والتهميش ..الخ مما يوحي بأن العملية ستكون واعدة لان المردودية الاقتصادية لأي مشروع وأي استثمار أو أي منوال اقتصادي لا يمكن ملاحظتها على المدى القصير.

وعند تأسيس أي مشروع ودخول المرحلة الإنتاجية فإن ذلك يتطلب حوالي عام ونصف العام إلى عامين وبالتالي نحن نعول على الاستثمارات الأجنبية وخاصة من المنطقة الخليجية وعلى رأسها الاستثمارات الإماراتية . والبرنامج الاقتصادي للحكومة التونسية هو من شقين، الشق الأول يعني بالمدى القصير العاجل ويتمثل في اتخاذ الحكومة لإجراءات عاجلة وإسعافية لمعالجة التراكمات التاريخية للفساد في تونس أي دعم العائلات التي فقدت المعيل أو مساعدة المهمشين وبالتالي هذه الفئة تكون في وضعية لا تتحمل انتظار الاستثمارات والمشاريع وبالتالي هذا الشق الاستعجالي يأخذ أولوية في ميزانية الدولة.

أما الشق الثاني وهو الشق الاقتصادي على المديين المتوسط والبعيد وهذا يدخل في إطار برنامج دفع الاستثمارات طويلة الأمد حتى تكون العملية الاقتصادية عملية متكاملة بحيث لا تؤثر المشاكل المتراكمة على البرامج والخطط التنموية على المديين المتوسط والطويل . وما نؤكده هو أن الفساد انتهى على مستوى الدولة فيما تبقى المنظومة القانونية وتسهيل الإجراءات الإدارية والتي تعد مهمة للغاية والحكومة الحالية موجودة في سدة الحكم منذ نحو شهرين وهي تقوم اليوم بتطوير برامج تكون مرنة وتكون الإجراءات الإدارية سلسة في منح التراخيص وفي جذب المستثمر الخليجي وهناك فرص استثمارية ضخمة في تونس في كافة القطاعات.

ما هي المزايا التي تقدم للمستثمرين الأجانب الراغبين في الاستثمار في تونس ؟

المزايا الاستثمارية التي توفرها تونس للمستثمرين الأجانب تعد أحد أفضل المزايا مقارنة بجميع الدول فالمناطق الصناعية تعرض الأراضي بالدينار الرمزي وهناك إعفاءات ضريبية كبيرة جدا تصل أحيانا لنحو 30 % كما تأخذ تونس على عاتقها منحا نسميها منح العاملين حيث تساهم الدولة في خلاصات العاملين أي تقدم الدولة مساهمة مادية وتأخذ على عاتقها التغطية الاجتماعية للعاملين في المشروع إلى جانب تخفيضات أخرى كثيرة.

ولكن هذه التسهيلات ترتبط ارتباطا عضويا بالمناخ الاستثماري العام المرتبط هو الآخر بالمناخ السياسي وعندما يكون هناك مناخ سياسي نظيف فمعنى ذلك أن جاذبية الاستثمار تنشط في مناخ شفاف بعيدا عن الفساد وهذا هو التغيير الحقيقي وهو ما تشهده تونس منذ الثورة.

وأعتقد أن أي تغيير حقيقي على مستوى الهرم يعني أن المعالجة تتم لكافة الملفات على الطاولة وليس تحت الطاولة في إطار من الشفافية والمصداقية واحترام القوانين واحترام الأولوية الوطنية في مجال الاستثمار .

وإذا أخذنا مثلاً السياحة الشاطئية نجد أن مشروعات تطوير السياحة الشاطئية أخذت حظها منذ استقلال البلاد وتكاد جميع الشواطئ تكون مستنزفة ومكتظة بالنزل والخدمات الفندقية. ويجب أن يتحول الاتجاه لدينا في تونس نحو السياحة الداخلية ففي داخل تونس حيث المناطق التي نطلق عليها المناطق الأقل حظا وهناك مناطق في تونس وقع تهميشها بطريقة ممنهجه في عهد بن علي وهي من أشعل الثورة التونسية وهي مناطق ثرية جدا فأول حضارة في جنوب أفريقيا كانت حضارة قفصة التونسية وقد سبقت حضارة قرطاج والميزة التي لدى الشعب التونسي بأنه شعب خليط من الحضارات فالفينيقيون هم القرطاجانيون والبيزنطيون البربر وبنو هلال والأتراك والأندلس والعرب القارة الأفريقية كان اسمها تونس .

ما هي صورة السياحة اليوم في تونس ؟

لا يختلف إثنان على أن السياحة والاستثمار والتعامل الخارجي بصفة عامة يتطلب مناخا آمنا وسلما اجتماعيا وهو عملية مبدئية لكل عملية استثمارية سياحية أي يجب توفير الأمن بمفهومه الشامل وكذلك السلم الاجتماعي والذي مررنا به من ظروف في عام 2011 كنا نتوقع أن تكون الآثار كارثية على القطاع السياحي أكثر مما وقع. وكان نقص تدفق السياح على تونس بنحو 40 % حيث عادة ما كان يتدفق ما بين6 إلى 7 ملايين سائح على تونس من العالم أغلبيتهم من أوروبا وخاصة من إيطاليا وألمانيا وفرنسا.

ماذا عن الصعوبات التي كان يواجهها السائح العربي والمتعلقة بتأشيرة الدخول إلى تونس؟

النظام السابق أضر كثيرا حتى بالسياسة الخارجية التونسية من خلال قرار اعتباطي خرجوا به في عام 2005-2006 بفرض التأشيرة على بعض البلدان بما فيها الإمارات وفي عام 2008 تقرر رفع التأشيرة عن الإماراتي الراغب في زيارة تونس والاتجاه السائد اليوم بالنسبة للسياسة الخارجية لتونس هو رفع الإلزام بالحصول على تأشيرة مسبقة عن كافة البلدان الخليجية وهو من اولويات تونس وفي وقت لاحق رفع التأشيرة عن كافة البلدان العربية .

تونس بلد عربي إسلامي والمفروض أن يزور الأخوة العرب بلدهم الثاني تونس دون الحاجة إلى تأشيرات مسبقة وكل العرب مرحب بهم في تونس وهم موضع ترحيب من كل التونسيين . وتنظر الحكومة التونسية في الوقت الراهن إلى برامج وخطط من شأنها تطوير السياحة الخليجية ضمن رؤية ومرافق تتماشى مع متطلبات السائح الخليجي ولكن تحقيق هذا الأمر يتطلب بداية تأسيس بنية تحتية ملائمة للسائح الخليجي بمعنى نوعية الفنادق والنزل .

وهناك فرصة لولادة سياحة التسوق في تونس وخاصة في ظل وجود سياح تسوق ضخمة في اوروبا وبالتالي بإمكاننا أن نقوم بعمل سياحة ثلاثية أو رباعية الأبعاد مثل إيطاليا بحيث السائح الزائر لإيطاليا يزور تونس ودول جوار أخرى وهي سياحة معمول بها في دول عبر سياحة البواخر.

هناك تقارير تحدثت عن اهتمام لموانئ دبي العالمية بدخول تونس ، هل من مفاوضات بهذا الشأن ؟

هناك حديث بشأن دخول موانئ دبي العالمية لموانئ تونس وقد ابدت موانئ دبي العالمية رغبة بشأن هذا الأمر وهناك مباحثات جارية في هذا الإطار وبالتأكيد هنالك ترحيب بالخبرات الكبيرة التي تمتلكها موانئ دبي العالمية . والمؤكد أن تونس أصبحت مفتوحة لكافة المستثمرين من العالم وبأن عمليات الابتزاز للمستثمرين الأجانب انتهت وللأبد ولن يقبلها اي تونسي صغير أو كبير .

أي الاستثمارات تونس بحاجة لها اليوم وفي أي القطاعات ؟ هناك من يرى أن الأمن ليس مستتبا بالكامل في تونس مما قد يجعل بعض الاستثمارات تتردد فهل الاستثمارات الأجنبية آمنة في تونس؟

تونس تعتبر متقدمة جدا ونجحت الحكومة في إحكام المنافذ ومنع التسللات الخارجية وبالتالي هذا يثبت نجاح المؤسسة العسكرية والأمنية في مقاومة أية تسربات أمنية . الاستثمارات في تونس كانت دوما آمنة ولا يمكنني التجني على ذلك ولكن ما حصل هو أنه في عهد الرئيس المخلوع بن علي تعرض المستثمرين الأجانب والمستثمرين المحليين لممارسات غير مقبولة وهذا ما ساهم في انكماش أعداد المستثمرين المتدفقين على تونس حتى الاستثمارات من التونسيين أنفسهم ونحن ندرك أن رأس المال الأجنبي يتطلب بيئة ومناخا آمنا سواء على المستوى الأمني أو الأمن الاجتماعي .

الوضع الاقتصادي

 

نفى السفير التونسي طارق بالطيب من أن يكون الاقتصاد التونسي يعاني من هشاشة كبيرة بالشكل الذي قد يتصوره البعض إلا أنه اعترف بأن الاقتصاد التونسي قد حقق نموا سلبيا في عام 2011 حيث لم يتجاوز هذا النمو 1.8 % إلا أنه وبالرغم من ذلك كانت تونس تمتلك احتياطات نقدية من العملة الصعبة تغطي نحو 140 يوما من الواردات وهو شئ ممتاز أي نحو اربعة أشهر وخاصة إذا ما علمنا أن المعدل العالمي المقبول يتراوح ما بين شهرين إلى ثلاثة اشهر واليوم الاحتياطات النقدية تغطي نحو 117 يوما أي نحو ثلاثة اشهر وبالتالي لا تواجه تونس مشكلة في قضية توفر السيولة النقدية. أما بالنسبة للمديونية في تونس فكانت في اواخر عام 2010 في حدود 40 % وهي اليوم بحدود 43 % ولكنها لا تزال منخفضة مقارنة بالمقاييس الدولية.

 

صندوق أبوظبي للتنمية يقدم دعماً مقدراً لتونس

 

أشاد السفير التونسي طارق بالطيب بالدعم الذي قدمه صندوق أبوظبي للتنمية لتونس منذ إنشاء الصندوق في عام 1971 حيث استثمر الصندوق ما إجماله 200 مليون دولار في دعم مشروع المترو في تونس وفي مشروع غرس الواحات في نفطة التونسية لزراعة التمور في الجنوب الغربي لتونس وفي مشاريع سياحية عديدة في تونس وتوقع السفير التونسي أن ترتفع استثمارات الصندوق في تونس في السنوات القليلة المقبلة .