كشف القاضي علي شامس المدحاني، القاضي في محاكم مركز دبي المالي العالمي عن أن الكثير من المؤسسات المالية والاقتصادية، بما فيها مناطق حرة بإمارة دبي، وكذلك مكاتب المحاماة الدولية وبعض المحلية قد طالبت بفتح الاختصاص القضائي لمحاكم مركز دبي المالي العالمي.

بمعنى أن تتولى محاكم مركز دبي المالي مهمة الفصل في القضايا المثارة خارج منطقة المركز المالي، ومنها بالتالي ما يتعلق بتلك المثارة داخل المناطق الحرة.

وتحدث علي شامس المدحاني في حديثه الخاص لـ «البيان الاقتصادي» عن طلب المناطق الحرة بأن يشملها اختصاص محاكم مركز دبي المالي العالمي، بقوله: الأمر غير محصور على المناطق الحرة، بل هناك أصحاب أعمال وشركات أبدت اهتماما كبيرا بمسألة توسيع اختصاص محاكم مركز دبي المالي العالمي.

فعلى سبيل المثال، أبلغني مدير لأحد أكبر المصارف المحلية التي تعمل خارج مركز دبي المالي العالمي بأنه فور صدور القرار، تم تغيير بنية العقود، بحيث تنص على جعل محاكم مركز دبي المالي العالمي الجهة المناط بها الفصل في المنازعات، وتعكس هذه الأقوال مدى الحاجة الملحة لتوفير خدمات قانونية من النوعية التي تقدمها محاكم مركز دبي المالي العالمي.

وتابع بقوله: بالفعل، تقدمت مناطق حرة بطلبات بخصوص هذا الأمر إلى حكومة دبي، حيث يعمل في هذه المناطق مستثمرون وشركات تتطلع إلى الحصول على تلك النوعية من الخدمات القضائية التي تقدمها محاكم مركز دبي المالي العالمي، وذلك أسوة بمجتمع أعمال مركز دبي المالي العالمي.

لا سيما وأن المحاكم تعد في المطاف الأخير جزءا من النظام القضائي لدولة الإمارات، فهي قد تم تأسيسها بموجب قرار اتحادي، وفي المقابل، فإنه غير جائز لأي منطقة حرة بخلاف مركز دبي المالي العالمي أن تؤسس نظاما قضائيا خاصا بها.

ومن ثم، فإنه من الأيسر والمنطقي أن يتم توسيع اختصاص محاكم مركز دبي المالي العالمي لتشمل المناطق الحرة، بما يخولها اختصاص النظر في تلك النوعية من القضايا التي تقوم من حيث الأصل بالبت فيها،.

وكان هذا الأمر محل نقاش قبل صدور القرار، وفي الوقت الحالي، ومع صدور قرار توسيع الاختصاص الجغرافي لمحاكم مركز دبي المالي العالمي، صار بإمكان اي جهة اللجوء إليها، سواء داخل الدولة أو خارجها.

الخيار الأفضل

وبسؤاله عن رأيه الشخصي حول ما إذا كانت الخدمات القضائية التي تقدمها محاكم مركز دبي المالي العالمي تمثل علاجا للمشكلة التي كانت تواجهها المناطق الحرة والمتمثلة في عدم امتلاكها الكيان القضائي المخول سلطة البت في المنازعات التي قد تثار فيما بين الشركات المسجلة فيها، أجاب القاضي علي شامس المدحاني بقوله: من وجهة نظري الشخصية، أعتقد أن محاكم مركز دبي المالي العالمي تقدم نوعية الحل الذي كانت المناطق الحرة تبحث عنه.

حيث إنها تقدم خيار التقاضي على درجتين بالغة الإنجليزية ووفقا للقانون العام، وذلك جنبا إلى جنب مع خيار التقاضي باللغة العربية ووفقاً لنظام القانون المدني المتبع في دولة الإمارات، وبهذه التوليفة المتضمنة خيارات متعددة، تكون إمارة دبي قد قدمت أفضل ما يمكن تقديمه من خدمات قضائية لمجتمع الأعمال.

ولم يتردد إلى مسامعي قط أنه يمكن أن تكون هناك خيارات للتقاضي أفضل من تلك التي تقدمها إمارة دبي التي سوف تزداد قيمة مع قيام المحاكم بتقديم خدماتها باللغة العربية.

وردا على سؤال حول ما إذا كان بإمكان محاكم مركز دبي المالي أن تكون الجهة القضائية المختصة بالنظر في المنازعات الناشبة بين شركات مناطق الحرة أسوة بدورها داخل المنطقة الحرة لمركز دبي المالي العالمي.

قال المدحاني بالحرف الواحد: لا تخضع المناطق الحرة حتى الآن لاختصاص محاكم مركز دبي المالي العالمي، ولكن يجوز للأطراف اللجوء إلى المحاكم إذا ما شاءت ذلك، وهو خيار صار متاحا الآن بعد فتح الاختصاص، إذ أصبح من حق الشخصيات المعنوية والاعتبارية داخل المناطق الحرة وبدون تعديل تشريعي أن يلجؤوا إلى محاكم مركز دبي المالي في تسوية منازعاتهم.

علاقة تكامل

والجدير بالذكر هنا أن علاقة محاكم مركز دبي المالي مع محاكم دبي تمثل علاقة تكامل وتعاون ضمن مظلة القضاء الإماراتي إلى جانب أقرانهما من المحاكم والدوائر القضائية الأخرى في الإمارات.

ممن ترتبط مع محاكم المركز بمذكرات تفاهم وتعاون تضمن تحقيق العدالة على أرض الإمارات الطيبة، لتكون دائماً الوجهة الجاذبة للاستثمار. وتعتبر محاكم مركز دبي المالي العالمي صاحبة المبادرات الأولى على صعيد عملها في المنطقة وعلى مُستوى العالم في بعض الحالات.

فمن برنامج المحامي المجاني إلى عيادة المحاماة المجانية التي تُقدم الاستشارات القانونية للمتعثرين، ومنها إلى لوائح السلوك المهني للمحامين الممارسين تحت مظلة المحاكم، إلى إنشاء محكمة الدعاوى الصغيرة التي أصدرت أحكامها في جل القضايا المعروضة أمامها في أقل من ثلاثة أسابيع للقضية الواحدة.

ولا تتوقف مسيرة الإنجازات، فالمحكمة الابتدائية العاملة تحت محاكم المركز استمعت منذ تأسيسها لمجموع 500 دعوى تقدر قيمة المطالبات المالية فيها بمبلغ 3 مليارات درهم، وقد تمّ حل 92% منها قبل بدء المُداولات.

وعلق المدحاني على الأقوال التي يرددها البعض بشأن عدم وجود محاكم في المناطق الحرة على غرار محاكم مركز دبي المالي، رغم أن المنطقة الحرة لمركز دبي المالي العالمي تعد في المحك النهائي واحدة من المناطق الحرة في الدولة.

وبالتالي، فإن لديها وضعية مماثلة لوضعية المناطق الحرة الأخرى، فقال: ردي واضح لا لبس فيه، وهو أن محاكم مركز دبي المالي العالمي ليست من حيث المضمون بنيانا قضائيا يخص المنطقة الحرة لمركز دبي المالي.

فهي بنيان قضائي محلي متواجد داخل إمارة دبي، وقد جرى تأسيسها منذ البداية في المنطقة الحرة لمركز دبي المالي العالمي لكي تقدم خدماتها لهذه المنطقة الجغرافية، ولكن تم الآن فتح اختصاصها الجغرافي ليمتد إلى داخل الدولة وخارجها، وذلك ما اتفقت إرادة الأطراف المتنازعة على اللجوء إليها، وهو ما ينسحب على المناطق الحرة الأخرى العاملة في الدولة.

فهي مطالبة بالنظر في الدعاوى التجارية والمالية، إذا ما اتفقت إرادة الأطراف على ذلك، سواء كانت هذه الأطراف المتنازعة داخل الدولة أو خارجها، فهي لم تعد محاكم مختصة فقط بالمنطقة الحرة لمركز دبي المالي العالمي، بل باتت محاكم مفتوحة للمتقاضين من أي بقعة في العالم، وعليه، فإنه لا يوجد مبرر لأن يكون لكل منطقة حرة بنيانها القضائي المستقل.

نشر الوعي

وتطرق القاضي علي شامس المدحاني إلى خطط محاكم مركز دبي المالي العالمي لنشر الوعي لدى الشركات المسجلة لدى المناطق الحرة بشأن خدماتها القضائية بقوله: نحن بدأنا بالفعل العمل على زيادة وعي الشركات بشأن مهام واختصاصات محاكم مركز دبي المالي العالمي.

فقد تزامن مع صدور المرسوم الخاص بفتح الاختصاص الجغرافي، انعقاد اجتماع جمعية المحامين الدولية في دبي خلال شهر نوفمبر الماضي، والذي حضره ما يزيد على ستة آلاف محام من مختلف أنحاء العالم.

وبالتالي، فإن إعلان مرسوم فتح الاختصاص أمام هذا التجمع العالمي من شأنه أن يساهم في التعريف والترويج الجيدين لعمل واختصاصات محاكم مركز دبي المالي.

وتابع شرحه لجهود محاكم مركز دبي المالي العالمي لرفع الوعي بشأن خدماتها بقوله: إلى جانب ما سبق، تقوم المحاكم بتنظيم ورش عمل وندوات دورية للتعريف بخدماتها لدى مختلف القطاعات، وتم بالفعل تنظيم ندوات شملت المناطق الحرة والمحامين المواطنين والدوليين وأصحاب الأعمال والغرف التجارية، فضلاً عن استخدام وسائل الإعلام في الترويج عن اختصاص المحاكم.

خيار طوعي

 

وبسؤاله عما إذا كان خيار التقاضي أمام محاكم مركز دبي المالي بالنسبة للمناطق الحرة هو خيار طوعي وليس إلزامياً، أجاب المدحاني بقوله: الحاصل بالنسبة لمركز دبي المالي العالمي، يكون اللجوء إلى محاكم مركز دبي المالي العالمي إلزاميا في حالة عدم اتفاق الأطراف على جهة محددة للتقاضي.

ولكن فيما يتعلق بالمناطق الحرة الأخرى، فإن قبول اختصاص محاكم مركز دبي المالي هو مسألة اختيارية مرهونة باتفاق الأطراف المتعاقدة ذاتها.

بنيان قضائي واحد

 

أجاب القاضي علي شامس المدحاني، القاضي في محاكم مركز دبي المالي العالمي على سؤال بشأن ما إذا كان يحبذ أن يكون لكل منطقة حرة كيانا قضائيا على غرار الحال بالنسبة للمنطقة الحرة لمركز دبي المالي العالمي.

فقال بلهجة حازمة وقاطعة: من منظوري الشخصي، انه من الأفضل أن يكون النظام القضائي بنيانا موحدا، ولكن بمقدور هذا النظام القضائي الموحد أن يقدم خدماته بطرق متنوعة على نحو يلبي الاحتياجات بمختلف مشاربها وأنواعها،