يعكف المصرف المركزي حالياً على إعداد نظام لاختيار كبار المسؤولين في البنوك والمؤسسات المالية في الدولة يركز على أهمية توفر المؤهلات الفنية لدى هؤلاء المسؤولين بما في ذلك خبرة تقييم وإدارة المخاطر التي ثبتت أهميتها القصوى في الأزمة المالية العالمية الأخيرة. جاء ذلك خلال افتتاح مؤتمر أبوظبي الثالث للحوكمة.
وأكد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي أن دولة الإمارات في ظل القيادة الحكيمة ، لصاحب السمو الشيخ الوالد خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ، وفي إطار المتابعة الرشيدة ، للفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أصبحت مركزاً عالمياً للتجارة والاستثمار، ومجالاً خصباً للإبداع والابتكار وحُسن الأداء، ونموذجاً ناجحاً في التنمية والتقدم تحرص على تحقيق حياةٍ رَغْدَةٍ لسكانها، وترتبط بإنجازات التطور العالميّ، في كل مجال، وذكر أن حوكمة الشركات تزيد الإنتاج وتزيد استقرار أسواق المال.
وفي الكلمة الافتتاحية لمؤتمر أبوظبي الثالث للحوكمة "الحوكمة بين التشريع والتطبيق تجربة دولة الإمارات" الذي نظمه أمس مركز أبوظبي للحوكمة التابع لغرفة تجارة وصناعة أبوظبي بحضور عدد من رؤساء ووكلاء الدوائر والمؤسسات الاتحادية والمحلية بالدولة وبمشاركة أكثر من 700 مشارك من ممثلي مؤسسات القطاع العام والخاص في الدولة، قال الوزير إن دولة الإمارات تحظى بثقة وتقدير أسواق المال العالمية ، وتنطلق بعزمٍ وثقة ، نحو بناء مناخٍ فعال ، يشجع دور الأفراد والقطاع الخاص في مسيرة المجتمع ، ويتعامل بفاعلية ، مع كافة القضايا والتطورات، التي تُشكّل ما نرجوه لأبوظبي، من مستقبلٍ واعد، وزاهر، بعون الله .
زيادة الإنتاجية
ونوه إلى أن مؤتمر أبوظبي الثالث للحوكمة ينطلق من مبدأ أساسي وهو أن ترشيد حوكمة الشركات في الدولة والمنطقة ، إنما يسهم في نجاح جهود التنمية، ويؤدي إلى زيادة الإنتاجية، وبناء واستقرار أسواق المال ـ هذا بالإضافة ، إلى أن الحوكمة الناجحة للشركات ، إنما تسهم أيضاً ، في دعم البنية الأساسية الوطنية ، للادخار والاستثمار، وتحقّق الفاعلية في أداء الشركات، وحماية حقوق المستثمرين ، وتقوية نظم الرقابة ومكافحة الفساد، بل كذلك ، تحقيق النجاح في دور القطاع الخاص، في مسيرة المجتمع ، والعمل على تفادي الأزمات المالية والاقتصادية .
وعبر عن سروره بموضوع هذا المؤتمر، الذي يتعلق بما بعد امتثال الشركات، للضوابط القانونية للحوكمة، وما يشير إليه ذلك، من أن الشركات، يجب ألاّ تنتظر، حتى تفرضَ عليها الحكومة، إجراءاتٍ جديدة، بل يجب عليها، أن تأخذ بروح المبادرة والمسؤولية، وأن تُطوّر من نُظُمها وإجراءاتها أولاً بأول، كي تكون دائماً، جزءاً فعالاً ، في مسيرة المجتمع .
الكفاءة والنزاهة والمحاسبة
وذكر معالي الشيخ نهيان بن مبارك أن مبادئ الكفاءة، والصراحة، والنزاهة، والمحاسبة، والعمل على كسب الثقة ـ كلُّها مجتمعة ، هي الأساس لأيّ نظامٍ اقتصاديٍّ ناجح ، وأن هذه المبادئ ، ضرورية أيضاً ، لتحقيق الاطمئنان ، لدى المستثمرين، والعاملين، والمستهلكين، وجهات الرقابة، والجمهور العام ـ إننا نعلم ، أن الشركات الناجحة، هي تلك التي تلتزم بهذه المبادئ، في ظل قناعة كاملة، بأن نجاحَها في عملها، رهنٌ بالممارسات التي تأخذ بها، وبالمناخ العام السائد فيها، وبالالتزام القويّ، بالسلوك التجاريِّ السليم، والسلوك الأخلاقيِّ والمجتمعيّ : الملتزم ، والمتميز، مشيراً أنه وفي هذا الإطار، يبرز دورُ مجلس الإدارة ، ودورُ رئيس الشركة والمدراء التنفيذيين، ودورُ المحاسبين والمراجعين، بل ودور نظمُ المحاسبة والمراجعة ذاتِها ـ يبرز كذلك، دورُ جهات الرقابة الحكومية، التي تُتابع تطويرَ هذه النُّظُم ، وتتأكد من تطبيقها ، على النحو السليم .
خبرة شخصية
وقال: إنني أود أن أؤكد لكم من واقع خبراتي الشخصية بهذه المجالات، أنّ لحوكمة الشركات جناحيْن ، يتكاملان في منظومةٍ واحدة ، تحدّد مدى نجاح الشركة ، أيِّ شركة ، في تحقيق أهدافها : جناح ، يتمثل في تسيير العمل ، بنجاحٍ وكفاءةٍ وشفافية ، والجناحُ الآخر ، يتمثل في المبادئ الأخلاقية ، ومبادئ المسؤولية الاجتماعية ، التي تشكّل علاقةَ الشركة ، بالمستهلك ، وبالمجتمع ـ إنني أؤكد لكم أيضاً ، أن إطلاق هذيْن الجناحيْن ، على نحوٍ سليم ، يبدأ من مجلس الإدارة ، ومن رئيس الشركة : عليهم وضع رؤيةٌ واضحة ، لحوكمة وإدارة الشركة ، ونشرِها بين العاملين، وتعريف المجتمع العام بها ، والتأكّد من تحقّقها على أرض الواقع.
وتابع إنه من المهم كذلك ، من واقع ملاحظاتي للتجارب العالمية ، أن يكون هناك دورٌ مهم ، لوسائل الإعلام ، وقيامِها بنشر المعلومات ، عن الشركات الناجحة، وتسليط الضوء ، على أيّ قصورٍ أو انحرافات . بكل ذلك ، تتحقق لنا الشفافية المطلوبة ، في عمل كافة الشركات .
حوكمة البنوك
ونوه معالي سلطان بن ناصر السويدي محافظ المصرف المركزي إلى أن حوكمة مجلس إدارة البنك السليمة تُحتم استقلالية مجلس الإدارة، وهذا يشمل عدم وجود تبعية لعضو في المجلس لعضو آخر، وعدم وجود روابط أسرية متقاربة بين الأعضاء وكذلك روابط المصالح المتشابكة.
وأشار إلى دور مجلس الإدارة في إرساء مبادئ الحوكمة بالبنك مؤكدا على أنه دور أساسي حيث أن مجلس الإدارة يجب أن يضع الاستراتيجية العامة والسياسات الكبرى ويترك للإدارة التنفيذية مهمة التنفيذ.
وكشف عن قيام المصرف المركزي في الوقت الحالي بوضع نظام اختبار الأهلية واللياقة بالنسبة لكبار المسؤولين في البنوك والمؤسسات المالية في الدولة يركز على أهمية توفر المؤهلات الفنية لدى هؤلاء المسؤولين بما في ذلك خبرة تقييم وإدارة المخاطر التي ثبتت أهميتها القصوي لدى الأزمة المالية العالمية الأخيرة.
وتحدث المحافظ عن الحوكمة وحماية حقوق صغار المستثمرين مشيرا إلى أنه يمكن حماية حقوقهم عبر آليات تشمل منح صغار المستثمرين حقهم كاملا في الإطلاع على البيانات المالية للمؤسسة ومنحهم حق التقييم و التعويض وإقرار مبدأ الحقوق الوقائية الذي يمنح صغار المستثمرين الحق في شراء الأسهم في حالة الإصدارات الجديدة بما يضمن لهم المحافظة على نفس النسبة من إجمالي الأسهم التي كانوا يمتلكونها قبل ذلك.
التزام الشركات
واستعرض عبد الله الطريفي الرئيس التنفيذي لهيئة الأوراق المالية والسلع في كلمته تجربة هيئة الأوراق المالية والسلع مشيرا إلى النجاح الكبير الذي حققته في هذا الصدد حيث بلغ عدد الشركات التي التزمت بتزويد الهيئة بمتطلبات تطبيق ضوابط الحوكمة (82) شركة بنسبة 98% علما ًبأن عدد الشركات الملزمة بتطبيق هذا القرار هو (84) شركة.
وأشار إلى أنه بعد أن قامت الهيئة خلال الفترة الماضية بالتحقق من التزام الشركات بمتطلبات تطبيق ضوابط الحوكمةً وبعد مرور سنة على بدء التطبيق الإلزامي للحوكمة فقد بدأت الهيئة مؤخراً بزيارة الشركات من خلال فريق متخصص بهدف الاطلاع عملياً على مدى التطبيق السليم للقرار الوزاري رقم (518) لسنة 2009 داخل الشركة خاصة فيما يتعلق بنظام الرقابة الداخلية بالشركة وآلية عمل لجان المجلس وغيرها من الأمور ذات الصلة بالحوكمة. وتقديم المشورة لهذه الشركات من أجل تفعيل التطبيق الحقيقي للحوكمة داخلها ومتابعة التغيرات التي أحدثتها الحوكمة داخل الشركات المعنية بالتطبيق وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات.
خطة تثقيفية
وذكر أن الهيئة قامت بوضع خطة تثقيفية لتوعية الشركات وحثها على تبني ضوابط الحوكمة وإرساء دعائمها على نحو تصاعدي وصولاً إلى التطبيق الإلزامي في مايو 2010 . حيث تم عقد 37 محاضرة وورشة عمل للشركات المدرجة والمعنية بتطبيق هذه الضوابط في أسواق الأوراق المالية خلال الفترة الإنتقالية من صدور القرار وحتى بداية التطبيق الإلزامي.
ونوه إلى ظهور بعض التحديات التي واجهت الشركات عند تطبيقها للحوكمة وتتمثل في الفصل بين الملكية والإدارة وتَحمُل الشركات للالتزامات المترتبة على تعزيز الشفافية والإفصاح وإيجاد هياكل جديدة داخل الشركة من لجان وغيره بالإضافة إلى بعض التكاليف المادية التي قد تترتب على ذلك ومنع تعارض المصالح في الأدوار المنوطة بمدققي الحسابات الخارجيين.
وقال : لقد أمكن التغلب على هذه التحديات بتعاون الشركات مع الهيئات الرقابية من خلال طلب المشورة والمساعدة ووجود الإرادة الحقيقية لتعزيز الحوكمة وتطبيق مفاهيمها، حيث تعمل تلك الهيئات الرقابية على ترسيخ قواعد الحوكمة ونشر الوعي لدى اكبر قاعدة ممكنة فيما يخص واجبات كبار المسؤولين في الشركات ومسؤولياتهم القانونية مما يمكنهم من القيام بواجباتهم بشكل صحيح وفق المعايير الدولية.
وأشار الطريفي إلى أنه على الصعيد العملي فقد قامت معظم الشركات بتوفيق أوضاعها لتحقيق النسب المطلوبة لتمثيل المستقلين وغير التنفيذيين في مجالس إدارة الشركات المدرجة، من خلال توفيق أوضاع أعضاء مجالس الإدارة ودخول أعضاء مستقلين .
