انهار سهم شركة «أمريكان بتكوين كورب» لتعدين العملات المشفرة، الثلاثاء، بشكل فوري، حيث تراجعت أسهم الشركة بنسبة 33 %، ثم بعدها بخمس دقائق تفاقمت الخسائر إلى 42 %، ثم تجاوزت 50 % بعد ذلك. كان المشهد مذهلاً، لدرجة أن شركة «أمريكان بتكوين» أصبحت بسرعة رمزاً ليس فقط لانهيار سوق العملات المشفرة في أواخر 2025، بل أيضاً لانهيار الكثير من المشاريع التي روجت لها عائلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عالم العملات المشفرة خلال العام الماضي.
وعلى الرغم من أن أسواق العملات المشفرة الأوسع نطاقاً شهدت تراجعاً خلال الشهرين الماضيين، كما هبطت العملة المشفرة الكبرى بتكوين بنحو 25% خلال هذه الفترة، إلا أن المشاريع المرتبطة بعائلة ترامب انخفضت بشكل أكبر بكثير.
كما أن شركة «وورلد ليبرتي فاينانشال»، التي أسسها الرئيس دونالد ترامب وأبناؤه، عانت من هبوط رمزها «WLFI» بنسبة 51 % من ذروته في أوائل سبتمبر، وهو انخفاض يفوق كلاً من بتكوين ومؤشر العملات المشفرة الأصغر.
لم تنحسر الخسائر داخل إمبراطورية ترامب المباشرة وحسب، حيث تراجعت أسهم شركة «آلت 5 سيجما»، التي روج لها أبناء ترامب، كذلك بنحو 75% نتيجة تصاعد عدد القضايا القانونية التي تواجهها، بينما هبطت عملات «الميم»، المسماة باسم الرئيس وزوجته ميلانيا، بنحو 90 % و99 % على التوالي من مستوياتها القياسية المسجلة في يناير.
أما شركة «أمريكان بتكوين»، التي شارك في تأسيسها إريك ترامب، فقد هبطت أسهمها الآن بنسبة 75 % عقب الانخفاض الكبير يوم الثلاثاء، وسجلت ارتفاعاً بنسبة 11 % في تداول ما قبل افتتاح السوق الأمريكية يوم الأربعاء.
ألقت هذه التحركات بظلال كبيرة على الثروات الضخمة في العملات المشفرة التي جمعتها العائلة الأولى في وقت سابق من العام، لكن لها أيضاً أهمية أوسع لكل من صناعة الأصول الرقمية وصورة الرئيس أمام الرأي العام.
وأسهم الدعم الذي قدمه دونالد ترامب في رفع قيمة مجموعة واسعة من الرموز المشفرة خلال الأشهر الأولى من ولايته الثانية، وجعل سعر بتكوين مؤشراً على نجاحه السياسي. أما الآن، فإن ما كان يُنظر إليه على أنه «ميزة ترامب» قد تحوّل فجأة إلى عبء، ما أزال إحدى الركائز الأساسية لدعم الأصول المشفرة، وكشف عن السرعة التي يمكن أن تنهار بها الثقة في الأسواق التي تتميز بالمخاطرة العالية، وحتى في الرئيس نفسه.
وقالت هيلاري ألين، الأستاذة بكلية واشنطن للقانون بالجامعة الأمريكية بالعاصمة: «أصبحت رئاسة ترامب سيفاً ذا حدين بالنسبة لمسألة المصداقية. وبدأ ترامب بإطلاق مشاريعه الخاصة في العملات المشفرة، التي فقد الكثير منها قيمته بسرعة كبيرة. وإذا كان الهدف هو تحقيق المصداقية عبر عائلة ترامب، فهذا لم يتحقق».
ولم ترد شركة «وورلد ليبرتي فاينانشال»، والشركة التي تقف خلف عملة «الميم» الخاصة بترامب، «فايت فايت فايت» فوراً على طلبات التعليق.
وبينما خفّف الرئيس أخيراً من ترويجه العلني للعملات المشفرة، لجأ إريك ترامب إلى وسائل التواصل الاجتماعي يوم الثلاثاء لإلقاء اللوم في الأداء السيئ لعملة «أمريكان بتكوين» على انتهاء فترة حظر البيع على أسهمها، بدلاً من أي ضعف أوسع نطاقاً. وكتب في منشور على منصة «إكس»: «أساسياتنا لا تضاهى تقريباً. أنا ملتزم بنسبة 100 % بريادة هذا القطاع».
بالتأكيد لا تعد التحركات الدراماتيكية في الأصول المرتبطة بعائلة ترامب جديدة على قطاع عُرف بتقلّباته الشديدة، فقد شهدت العملات الرقمية انخفاضات حادة في السابق قبل أن تعاود الارتفاع.
ويوم الثلاثاء، وبينما كانت «أمريكان بتكوين» تعاني، سجلت العملة المشفرة الأولى واحدة من أفضل جلساتها في الأسابيع الماضية، إذ ارتفعت بنحو 6 %، لكن في وقت سابق من العام الجاري، بدا أن احتضان ترامب للتكنولوجيا قد يكون كفيلاً بإخراج العملات المشفرة من دوامة الصعود والانهيار المستمرة، وتحويلها إلى جزء أكثر موثوقية ضمن النظام المالي. وعلى أقل تقدير، ظن كثير من مؤيدي العملات المشفرة أن لدى ترامب ما يكفي من النفوذ لضمان نجاح المشاريع التي يهتم بها أكثر من غيرها.
ولفترة من الوقت، بدا أن مختلف الحملات الترويجية المتبادلة تؤتي ثمارها، فقد سارع مناصرو الرئيس إلى شراء عملات ترامب المشفرة تعبيراً عن دعمهم، ما دفع بقيمتها إلى الارتفاع. وارتفعت أسهم «غريفون ديجيتال» بنسبة 173 % عندما أعلنت في مايو عن اندماجها مع «أمريكان بتكوين» التابعة لإريك ترامب. وفي أول يوم تداول بعد الاندماج في سبتمبر، ارتفعت أسهم «أمريكان بتكوين» بنسبة إضافية بلغت 16 %.
واستفادت هذه المشاريع جميعاً من السياسات والتغييرات التنظيمية التي روج لها ترامب، وعلى رأسها تشريع يهدف إلى دمج العملات المستقرة المرتبطة بالدولار الأمريكي ضمن النظام المالي السائد. لكن في النهاية تراكمت مؤشرات المتاعب مع مرور الوقت، فقد بدأت عملات «الميم» التي أُطلقت قبيل حفل التنصيب، وسط ترويج كبير من ترامب نفسه، بفقدان الزخم تدريجياً، مع لحظات انتعاش عرضية فقط، مثل الصعود المشهود في أبريل بعد أن عرض الرئيس الانضمام إلى عشاء مع بعض أكبر حاملي العملة.
جويل لي، الرئيس التنفيذي لمنصة إلكترونية لبيع السيارات الكهربائية، اشترى عملة «الميم» ليتمكن من حضور ذلك العشاء، لكنه باع حصته بعد ذلك بوقت قصير. وقد لاحظ تدهور الأوضاع بشكل خاص بعد أن أطلق ترامب جولة جديدة من الرسوم الجمركية ضد الصين في أكتوبر. قال «لي»: «بدأ الناس يدركون أن الواقع قد لا يطابق ما كانوا يتصورونه».
أما مايكل تربن، وهو مستثمر مخضرم في العملات المشفرة، فقال إن قرارات الرسوم الجمركية شكّلت تذكرة باردة بالواقع: «ترامب ينعش السوق تارة، ويربكها تارة أخرى».
لكن المشكلات تجاوزت تقلّبات الأسواق الأوسع، فقد اضطرت «أمريكان بتكوين» للتعامل مع تقرير يفيد بأن آلات التعدين التي تستخدمها، والمستوردة من شركة صينية، خضعت لتحقيق، باعتبارها تهديداً محتملاً للأمن القومي الأمريكي.
في غضون ذلك، واجهت شركة «آلت 5 سيجما»، وهي شركة مدرجة كانت تسعى لشراء إحدى العملات التي أصدرتها «ورلد ليبرتي فاينانشال»، موجة استقالات تنفيذية بعد إعلانها أن إحدى شركاتها التابعة خضعت لتحقيق جنائي في رواندا. ولم ترد شركة «آلت 5 سيجما» على طلبات التعليق بشأن التطورات الأخيرة.
ومنذ أكتوبر الماضي، قضى التراجع الحاد على أكثر من مليار دولار من الثروة التي حققتها عائلة ترامب من خلال مشاريعها في العملات المشفرة وغيرها من الأنشطة التجارية، ومع ذلك لا تزال العائلة تحتفظ بأرباح كبيرة، وفقاً لمؤشر «بلومبرغ للمليارديرات». أما المستثمرون الأفراد الذين اشتروا الأصول عندما كانت تُحلّق قرب ذروتها، فهم من يتحملون الخسائر الأشد إيلاماً.
كيفن هو، طالب يبلغ من العمر 22 عاماً في فانكوفر، كان يراهن على استمرار الصعود، لكنه شاهد محفظته من العملات المشفرة تنخفض بما يصل إلى 40 % بحلول منتصف نوفمبر، وقال: «ظننا أن دعم الرئيس للعملات المشفرة سيشكّل دعامة للسوق، لكن هذا لم يحدث. أما الأمور المتعلقة بعملات الميم، فقد نفرت الكثير من الناس».
