بينما تنفست الأسواق المالية الصعداء إثر نجاة الحكومة الفرنسية من تصويت حجب الثقة الأسبوع الماضي، يجمع المحللون على أن هذه «الاستراحة السياسية» قصيرة الأجل. فالمشهد في فرنسا لم يعد يتعلق بإصلاح نظام تقاعد مثير للجدل، بل بتحقيق استقرار مالي عاجل في مواجهة مخاوف متصاعدة من أزمة دين، دفعت كبرى وكالات التصنيف العالمية إلى توجيه ضربات متتالية لأكبر اقتصاد في منطقة اليورو. بحسب ستاندرد آند بورز غلوبال وموديز

صدمة التصنيف

جاء قرار وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» بخفض التصنيف الائتماني لفرنسا كـ «تأكيد» لعمق الأزمة، مشيرة بشكل مباشر إلى أن الاضطراب السياسي يعيق السيطرة على المالية العامة. هذا التخفيض، الذي سبقه تخفيضات من وكالتي «فيتش» و«دي بي آر إس»، يضع فرنسا في مأزق، خصوصاً أن وكالة «موديز» تترقب لتحديث تصنيفها بنهاية الأسبوع.

كما وصلت تكاليف الاقتراض الفرنسية على سنداتها لأجل عشر سنوات إلى نحو 3.36 في المائة، وهو مستوى مقلق يقترب من مثيله في إيطاليا المثقلة بالديون.

عمليات بيع قسرية

حذر كبير الاقتصاديين والاستراتيجيين في «جيفريز»، موهيت كومار، من أن خفض التصنيف إلى ما دون مستوى (AA-) من وكالتين رئيسيتين سيؤدي على الأرجح إلى «عمليات بيع قسرية» من قبل المستثمرين المؤسسيين الحساسين للتصنيفات. فيما ذهب رئيس مكتب التدقيق العام، بيار موسكوفيتشي، إلى ما هو أبعد، محذراً من أن فرنسا قد تتجاوز مستويات ديون إيطاليا بحلول عام 2029، مؤكداً أن «فرنسا وحدها في هذا الوضع الذي وضعت نفسها فيه».

مهمة المستحيل الحكومية

في محاولة لتهدئة الأسواق والشركاء الأوروبيين، تسعى الحكومة الفرنسية، بقيادة رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو، إلى خفض عجز الموازنة إلى 4.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل، كخطوة أولى نحو العودة إلى سقف الاتحاد الأوروبي البالغ 3 في المائة. ولتحقيق ذلك، يخطط لوكورنو لتقليص المالية العامة بأكثر من 30 مليار يورو (35 مليار دولار)، وهو أكبر ضغط على الموازنة منذ أكثر من عقد.

وتفاصيل خطة التقشف تعتبر مؤلمة للاقتصاد الفرنسي لكنها ضرورية، حيث يتم خفض الإنفاق بقيمة 17 مليار يورو، مع تجميد المزايا الاجتماعية والمعاشات التقاعدية عند مستويات 2025 ورفعها بوتيرة أبطأ من التضخم حتى 2030. مع فرض ضرائب جديدة بقيمة 14 مليار يورو. أبرزها تمديد ضريبة مؤقتة على أعلى الدخول (تؤثر على 20 ألف دافع ضرائب). وتمديد ضريبة إضافية على الشركات الكبرى التي تتجاوز إيراداتها مليار يورو.

وفرض ضريبة ثروة بنسبة 2% على أصول الشركات القابضة غير المستخدمة تجارياً.

ثمن الاستقرار

لضمان نجاة الحكومة من مزيد من السخط السياسي، يتضمن المشروع تعليق إصلاح نظام التقاعد الذي اقترحه ماكرون سابقاً، وهو قرار قال عنه المفوض الاقتصادي الأوروبي فالديس دومبروفسكيس إنه يحمل «تكلفة باهظة».

ونجح ماكرون في البقاء في الإليزيه بفضل اتفاق تعليق إصلاحه الرئيسي (التقاعد)، ما نزع فتيل الأزمة الشعبية التي كادت تودي بحكومته. هذا التعليق سمح له بتفادي الدعوات المطالبة بالاستقالة أو إجراء انتخابات مبكرة، والتي كانت تسبب قلقاً عميقاً للأسواق والشركاء الأوروبيين. ولم يعد ماكرون يواجه معركة حول إصلاح التقاعد، بل معركة حول المصداقية المالية والبرلمانية. التحدي الأكبر أمامه الآن هو تمرير خطة التقشف الضخمة التي وضعها لوكورنو.

ويواجه لوكورنو، ومن خلفه ماكرون، برلماناً شديد الانقسام، حيث حذر النائب إروان بالانانت من أن المشرعين المعارضين قد يلجأون إلى «حرب عصابات برلمانية حقيقية» لعرقلة الخطة بـ «سيل من التعديلات».