دشنت «إتش إس بي سي» و«آي بي إم» بداية عصر تداول السندات بالحواسيب الكمومية، ليربح هذا الثنائي المرحلة الأولى من السباق المحتدم بين أكبر شركات وول ستريت على تطبيق هذه التقنية المتطورة في عملياتها اليومية.

واستخدمت «إتش إس بي سي» القابضة، معالج «هيرون» من «آي بي إم» في تحسين دقة التنبؤ بتداول السندات بسعر معين بنسبة 34%، بحسب بلومبرج.

وطبقت «إتش إس بي سي» و«آي بي إم» المعالجة الكمومية على مجموعة مجهولة من بيانات تداول السندات الأوروبية، ووجدا أنها يمكن أن تعزز كفاءة السوق بشكل كبير، بحسب بلومبرج.

ويمثل هذا الإنجاز قفزة هائلة، حيث إنها المرة الأولى التي يستخدم فيها أي بنك صفقات حقيقية على نطاق واسع لإثبات الميزة التي توفرها هذه التكنولوجيا الناشئة، التي كانت حتى الآن حكراً على الأبحاث الأكاديمية والشركات التقنية المتخصصة.

وتسعى شركات مثل «ألفابت» و«آي بي إم» و«مايكروسوفت» إلى غزوها من خلال استثمار مليارات الدولارات، رغم أن الطريق إلى التطبيقات العملية كان لا يزال يبدو طويلاً.

وقال فيليب إنتالورا، رئيس مجموعة التقنيات الكمومية في بنك «إتش إس بي سي»: «هذه هي لحظة سبوتنيك للحوسبة الكمومية»، في إشارة إلى الحدث المحوري الذي أشعل سباق الفضاء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة.

وأضاف: «ستخلق موجة من النشاط لأن الآخرين سيكثفون جهودهم لتسخير هذه التكنولوجيا».

كما تضمنت تجربة «إتش إس بي سي» دراسة كيفية استخدام الحوسبة الكمومية في أسواق التداول خارج البورصة، حيث يتم شراء وبيع الأصول بين طرفين دون وجود أي بورصة أو وسيط في المنتصف، وقال إنتالورا إنه رغم أن تجربتهم لم تكن صفقة حية، إلا أنها كانت إثباتاً عملياً على نطاق إنتاجي وواقعي.

وبينما كانت شركات التكنولوجيا في طليعة تطوير الحوسبة الكمومية، فإن عمالقة الخدمات المالية، بما في ذلك «جي بي مورجان تشيس» و«جولدمان ساكس جروب» و«سيتي جروب» و«إتش إس بي سي»، كانوا يستثمرون أيضاً في هذا المجال، وقد اجتذبتهم الفوائد المحتملة لها.

وتقول شركتا الاستشارات «ماكينزي» و«كي بي إم جي» إن هذه التقنية الجديدة يمكن أن تعزز قدرات البنوك بشكل كبير في إدارة المخاطر، وتحسين المحافظ الاستثمارية، والكشف عن الاحتيال، والتنبؤ بأسعار الأصول في مواجهة سيناريوهات السوق المختلفة.

وقال بحث جديد أجرته شركة «ماكينزي» في شهر يونيو إنه من المرجح أن ترتفع الإيرادات من الحوسبة الكمومية إلى 72 مليار دولار في عقد من الزمان، مقارنة بنحو 4 مليارات دولار في العام الماضي، مدفوعة بالتطورات في صناعات مثل الكيماويات وعلوم الحياة والتمويل.

وبالنسبة للبنوك ستجلب هذه التكنولوجيا مكاسب كبيرة مثل التنبؤ بالأسعار، حيث تحدث نسبة واحد في المئة فرقاً كبيراً، حسبما قال هينينغ سولر، الشريك في «ماكينزي»، والذي يقود من فرانكفورت الأبحاث العالمية للشركة في التقنيات الكمومية.

وقال ميكلوس ديتز، الشريك البارز والشريك الإداري لمكتب «ماكينزي» في فانكوفر: «إذا تمكن بنك واحد من البدء في استخدام الحوسبة الكمومية لتطوير برنامج، فإن الآخرين سيبدؤون في تطويره في اليوم التالي، ولن ينام الناس حتى يحصلوا عليها». وأضاف: «ستكون انفجاراً».

وفي إنجاز كبير كشفت شركة «جوجل» أواخر العام الماضي أن أحدث معالج كمومي لديها، «ويلو»، حل مشكلة في خمس دقائق لم تكن أجهزة الكمبيوتر العملاقة الأقوى في العالم قادرة على حلها حتى لو كانت تعمل عليها منذ بداية الكون.

وقال جوش فريلاند، الرئيس العالمي لتداول الائتمان الخوارزمي في «إتش إس بي سي»، إنه في مرحلة ما من التجربة، كان فريق مكون من 16 عالم فيزياء وخبراء في التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي «يعملون على مدار الساعة»، في محاولة لتكرار ما كان الكمبيوتر الكمومي قادراً على فعله.

وقال فريلاند: «إذا كان بإمكانك الحصول على نتيجة كهذه كل يوم، فسيكون ذلك أمراً عظيماً». وأضاف: «نحن نقضي اليوم كله في البحث عن تحسينات في خانة الآحاد، لأنه عندما تكرر ذلك آلاف المرات في اليوم، يمكن أن يحدث فرقاً حقيقياً».

وقد أعلنت بنوك أخرى أيضاً عن إنجازاتها الخاصة في الحوسبة الكمومية، على سبيل المثال قالت «جي بي مورجان» في مارس إنها أنتجت وصادقت على ما يسمى بالأرقام العشوائية الحقيقية باستخدام جهاز كمبيوتر كمومي في سابقة عالمية يأمل البنك أن تكون لها تطبيقات في التشفير، والأمن. ووفقاً لورقة بحثية نُشرت في مجلة «نيتشر» العلمية، فقد أنشأ الباحثون التسلسل باستخدام جهاز صنعته شركة «كوانتينيوم».

وفي العام الماضي قالت شركة «كي بي إم جي» في تقرير إن التكنولوجيا لا تزال في مرحلة النموذج الأولي المبكر، ولكنها قد تقترب من نقطة التحول.

وقال إنتالورا من «إتش إس بي سي»: «لدينا ثقة كبيرة بأننا على أعتاب حدود جديدة للحوسبة في الخدمات المالية، وإنها ليست شيئاً بعيداً في المستقبل».