تكشف حادثة اعتقال 317 فنياً ومهندساً كورياً جنوبياً في موقع بناء مصنع بطاريات هيونداي – إل جي في ولاية جورجيا الأمريكية عن أزمة أعمق تتجاوز مجرد مخالفة عمالية، فهي نتيجة مباشرة لقصور النظام الأميركي في توفير آلية منظمة وقابلة للتنبؤ تتيح للشركات الأجنبية الاستعانة بعمالتها الماهرة في الوقت المناسب.

وذكر مسؤول في وزارة الخارجية الكورية الجنوبية أن الرئيس ترامب أوقف عملية الترحيل مؤقتاً للاستماع إلى موقف سيول بشأن ما إذا كان ينبغي أن يبقى الكوريون المحتجزون في الولايات المتحدة لمواصلة العمل وتدريب العمال الأميركيين، أم أن عليهم العودة إلى بلادهم أولاً.

وردت كوريا الجنوبية بأن مواطنيها المحتجزين مرهقون وأن من الأفضل إعادتهم إلى ديارهم أولاً ثم السماح لهم بالعودة إلى الولايات المتحدة إذا رغبوا في العمل لاحقاً، وهو موقف احترمته واشنطن، بحسب المسؤول.

يُعد مصنع بطاريات هيونداي – إل جي، واحداً من أكثر من 20 مصنعاً رئيسياً تبنيها شركات كورية جنوبية حالياً في الولايات المتحدة، وتشمل هذه المواقع مصانع بطاريات أخرى في جورجيا وعدة ولايات أخرى، ومصنعاً لأشباه الموصلات في تكساس، ومشروعاً لبناء السفن في فيلادلفيا – وهو قطاع لطالما سلط الرئيس ترامب الضوء عليه عند الحديث عن التعاون مع كوريا الجنوبية.

اصطدمت الشركات الكورية، التي ضخت مليارات الدولارات في هذه المشاريع بناءً على تشجيع من ترامب، بنظام تأشيرات معقد ومحدود الحصص؛ إذ لا يحصل سوى 2% من المتقدمين الكوريين على تأشيرة «إتش-1بي»، بينما تحظى دول أخرى مثل سنغافورة وأستراليا بحصص مخصصة ضمن اتفاقيات التجارة الحرة. أمام هذا الاختناق، لم تجد الشركات الكورية خياراً سوى استخدام إعفاءات الدخول المخصصة للسفر القصير – وهو حل مؤقت تغاضت عنه إدارة بايدن – حتى لا تتعطل مشاريعها. وعندما ألغت إدارة ترامب هذا التغاضي فجأة في يناير الماضي، تحولت هذه الممارسة إلى مخالفة قانونية فجّرت الأزمة، ما أدى إلى المداهمة الشهيرة التي استهدفت نحو 475 عاملاً، جميعهم تقريباً أُطلق سراحهم لاحقاً.

وقالت السلطات الأميركية إن بعض العمال الكوريين عبروا الحدود بشكل غير قانوني، بينما دخل آخرون بشكل قانوني لكن تأشيراتهم منتهية الصلاحية أو دخلوا بموجب إعفاءات تمنعهم من العمل. لكن مسؤولين وخبراء من كوريا الجنوبية اتهموا واشنطن بالفشل في الاستجابة لمطلبهم الطويل الأمد بتحسين نظام التأشيرات لاستيعاب العمال الكوريين المهرة، في الوقت الذي ترغب فيه الولايات المتحدة نفسها بأن توسّع كوريا استثماراتها الصناعية داخل أراضيها.

وبذلك، كان هؤلاء العمال ضحايا فراغ تشريعي ونقص تنسيق بين أهداف السياسة الصناعية الأميركية ونظام الهجرة القائم. ومن ثمّ، فإن الحل الجذري لهذه الأزمة - وفق مسؤولين كوريين وأمريكيين - يقتضي إصلاحاً عاجلاً لنظام التأشيرات وتضمين بنود جديدة في اتفاقية التجارة الحرة الأميركية – الكورية تضمن استمرار تدفق العمالة الماهرة اللازمة لحماية هذه الاستثمارات الحيوية.

في المحصلة، نظام التأشيرات الأميركي الحالي يشكل عائقاً جوهرياً أمام مشروع ترامب لإحياء التصنيع في الولايات المتحدة. فبينما يروّج الرئيس الأميركي لعودة المصانع واستقطاب استثمارات أجنبية بمئات المليارات من الدولارات – مثل مصانع البطاريات ومشاريع أشباه الموصلات الكورية – يبقى النظام القانوني لاستقدام العمالة الماهرة متخلفاً عن هذا الطموح، ما يخلق حالة من عدم اليقين تهدد التزامات استثمارية كبرى تقدّر (في حالة كوريا الجنوبية فقط) بين 150 و350 مليار دولار.

وبالتالي، نظام التأشيرات الحالي يقوّض أهداف ترامب نفسه: فهو يريد المصانع والتقنيات، لكنه لا يوفّر المسار القانوني السلس لاستقدام الفنيين والمهندسين الذين يركّبون هذه المصانع ويشغّلونها. النتيجة أن الشركات الكورية (وغيرها) قد تتردد في ضخ المزيد من الأموال في مشاريع أميركية إذا لم يتم إصلاح النظام، وهو ما قد يحرم ترمب من واحد من أعمدة خطابه الاقتصادي والسياسي حول “إعادة التصنيع إلى أميركا”.