تتوق هونغ كونغ إلى تبني العملات الرقمية حيث ترحب محلات الصرافة الرقمية بالعملاء في مراكز التسوق في الوقت الذي ظهرت مئات من أجهزة الصراف الآلي للعملات الرقمية في شوارع المدينة المزدحمة.

وفي الأسبوع الماضي، كان إريك ترامب، نجل رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب والشخصية المركزية الآن في إمبراطورية العملات الرقمية للعائلة، حاضرًا في قمة "بيتكوين آسيا" بالمركز المالي العالمي.

لدى هونغ كونغ خطط طموحة للاستفادة من سوق الأصول الرقمية الذي تبلغ قيمته 3.8 تريليون دولار، من خلال تشريع جديد طُرح الشهر الماضي سيسمح للشركات المرخصة بإصدار العملات المستقرة (Stablecoins)، وهي نوع من العملات الرقمية المرتبطة بأصول من العالم الحقيقي مثل الدولار الأمريكي وفقا لتقرير "CNN".

وبما أن "الصين" قد حظرت تداول وتعدين العملات الرقمية في عام 2021، فإن نجاح نظام العملات المستقرة في "هونغ كونغ" ، باعتبارها أرض الاختبار الحقيقي للبلاد، فهذا قد يمهد الطريق لرمز رقمي مدعوم باليوان في الخارج وزيادة تبني هذه التكنولوجيا في النهاية.

أشاد الخبراء بهذا التنظيم باعتباره الأول من نوعه في آسيا، مما يضع المدينة على قدم المساواة تقريبًا مع قانون جينيوس الأمريكي (US Genius Act)، الذي حفز منذ ذلك الحين جنون العملات المستقرة.

لكن الحماس لحملة العملات المستقرة في المدينة قد خفّفه نهج تنظيمي حذر، مما منعها من تكرار النمو السريع الذي شهدته الولايات المتحدة.

وقد أعرب بعض المصدرين المحتملين عن إحباطهم من المتطلبات الصارمة للحكومة، مثل الاحتياطي النقدي الضخم والتحقق من هوية العملاء لمكافحة غسيل الأموال، مما يرفع تكاليف الامتثال، وفقًا لمصدرين في الصناعة مطلعين على المناقشات ذات الصلة.

وأضاف أحد المصادر أن عددًا قليلًا من هؤلاء المصدرين المحتملين الذين أبدوا اهتمامًا قويًا في وقت سابق، اتخذوا الآن موقف "الانتظار والترقب"، حيث يترددون في التقديم في الجولة الأولى من الترخيص.

وقال المصدر: "إنهم يريدون رؤية اللاعبين الأوائل يمرون بالعملية بنجاح قبل أن يتقدموا".

تضع هيئة النقد في هونغ كونغ (HKMA)، التي تعد بمثابة البنك المركزي الفعلي للمدينة، معيارًا عاليًا لمصدري العملات المستقرة، وقالت إنها ستقتصر التراخيص على "عدد قليل" من المتقدمين فقط في الجولة الأولى من الإصدار في أوائل العام المقبل.

كانت هونغ كونغ قد وضعت نصب عينيها استقطاب أعمال العملات الرقمية في عام 2022 مع أول بيان سياسي لها بشأن الأصول الرقمية. وأعلن تحديث في يونيو عن "التزامها بتأسيس هونغ كونغ كمركز عالمي رائد للأصول الرقمية".

بعيدًا عن محاولة تعزيز مكانتها كمركز مالي دولي، فإن اندفاع هونغ كونغ نحو العملات المستقرة يؤكد اهتمام الصين المتزايد بالقطاع. ويعكس تحسن خطاب بكين في الأشهر الأخيرة سعيها لتدويل اليوان وسط مخاوف من أن العملات المستقرة المدعومة بالدولار الأمريكي قد تعزز هيمنة الدولار. لكن ضوابط رأس المال الصارمة قد تمنعها من تبني هذه التكنولوجيا حتى الآن.

وقد أعربت عشرات الشركات بالفعل عن اهتمامها بالتقدم بطلب للحصول على تراخيص لإصدار العملات المستقرة، بما في ذلك بنوك وشركات تقنية كبرى مثل بنك الصين وعملاق التجارة الإلكترونية الصيني "جي دي.كوم" وشركة "آنت جروب" التابعة لـ "علي بابا".

وصف "يات سيو"، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة "أني موكا براندز" لألعاب الفيديو بتقنية "ويب 3"، نظام العملات المستقرة في هونغ كونغ بأنه الأكثر تقدمًا في آسيا.

وقال: "إنها تضعها في المقدمة على أي ولاية قضائية آسيوية أخرى تقريبًا، لأنه لا توجد ولاية قضائية آسيوية أخرى لديها قانون للعملات المستقرة يسمح لك بالترخيص من البنك المركزي". "سيكون هذا بمثابة مخطط للآخرين".

في الشهر الماضي، شكلت شركة "سيو" مشروعًا مشتركًا، "أنكوربوينت"، بالاشتراك مع بنك ستاندرد تشارترد وهونغ كونغ تيليكوم، للتقدم بطلب للحصول على ترخيص للعملة المستقرة. وقد شارك الثلاثي أيضًا في "المختبر التجريبي" للعملات المستقرة في المدينة الذي بدأ العام الماضي.

وأشار "سيو" إلى أن أحد القيود الرئيسية التي تفرضها قواعد العملات المستقرة هو اشتراط أن يدعم المصدرون رموزهم بالكامل بـ "سندات خزانة عالية السيولة". وتفرض هيئة النقد في هونغ كونغ على المصدرين الاحتفاظ بما لا يقل عن 25 مليون دولار هونغ كونغي (3.2 مليون دولار أمريكي) كرأس مال، مع الاحتفاظ بالاحتياطيات في أصول عالية الجودة في حسابات منفصلة ومتاحة للاسترداد الفوري.

يقول الخبراء إن هذه الإجراءات تساعد على ضمان الاستقرار وحماية حاملي العملات، ولكنها في الوقت نفسه تستبعد اللاعبين الأصغر حجمًا بشكل فعال.

قالت "إيسمي باو"، رئيسة أسواق رأس المال في شركة "سيرتيك" لأمن البلوكتشين، إن أكبر عقبة تواجه مصدري العملات المستقرة هي "الضمانات الصارمة" التي تساهم في ارتفاع تكلفة الدخول.

وأوضحت أن من أهم هذه الضمانات هي قواعد "اعرف عميلك" المصممة للحد من غسيل الأموال، والتي ترفع نفقات الامتثال بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، تتوقع هيئة النقد في هونغ كونغ أن يُجري مصدرو العملات المستقرة فحوصات هوية صارمة على العملاء للمعاملات التي تبلغ 8,000 دولار هونغ كونغي (1,027 دولارًا أمريكيًا) أو أكثر.

وقالت "باو": "مثل هذه الالتزامات تخلق معادلة صعبة: الحصول على ترخيص بموجب النظام الحالي قد يحد من الربحية على المدى القريب، وهو ما يفسر تضاؤل حماس السوق". وأضافت أن المعيار العالي للمصدرين، مع ذلك، ينتج نظامًا بيئيًا للعملات المستقرة أكثر مرونة وجدارة بالثقة.

ومع ذلك، أبدت نبرة متفائلة، متوقعة أن يتطور النظام التنظيمي. وقالت: "هيئة النقد في هونغ كونغ تتبنى موقفًا حذرًا عند الإطلاق. وإذا سارت عملية التنفيذ بسلاسة، فمن المرجح أن تتم معايرة المتطلبات في اتجاه أكثر جدوى تجاريًا بمرور الوقت".

لكن مع المتطلبات التي تشبه تلك المفروضة على البنوك، قال الخبراء إن المنظمين في هونغ كونغ من المرجح أن يمنحوا الدفعة الأولى من التراخيص للمؤسسات المالية القائمة. وهذا يعني أن الاستخدام الأولي سيكون على الأرجح محدودًا بالتعاملات بين الشركات (B2B) بدلاً من المستثمرين الأفراد.

وكتبت "جيني زينغ"، الخبيرة الاقتصادية في "مورغان ستانلي" لشؤون الصين، في تقرير صدر في يوليو: "يقتصر الدخول على المصدرين الكبار الذين يتمتعون برأس مال جيد وامتثال قوي ومرونة تشغيلية وحالات استخدام اقتصادية واضحة، مما يؤكد على المعيار العالي لهيئة النقد في هونغ كونغ لنماذج العملات المستقرة المستدامة والموجهة نحو المنفعة".

في قمة "بيتكوين آسيا" الأسبوع الماضي في هونغ كونغ، توافد أكثر من 17,000 مشارك محلي ودولي على محادثات الخبراء في الصناعة.

وعرضت الأكشاك تقنيات وخدمات تتراوح بين آلات تعدين العملات الرقمية وحلول خزانة البيتكوين ومنصات التداول والمحافظ الرقمية.

على الرغم من القيود التي تفرضها الصين على معظم أنشطة العملات الرقمية، إلا أن البلاد تتباهى بامتلاكها عددًا أكبر من مستخدمي العملات الرقمية مقارنة بالولايات المتحدة، حيث يوجد بها أكثر من 78 مليون مالك، وفقًا لتقديرات شركة الدفع الرقمي "تريبل إيه" لعام 2023.

وقال المستثمر والداعية للبيتكوين، "ديفيد بيلي"، لـ "كريستي لو ستاوت" من CNN: "الصين هي واحدة من أكبر مواقع تعدين البيتكوين في العالم. لديهم واحدة من أكبر قواعد المستخدمين للبيتكوين في العالم. ويمتلك مواطنوهم نسبة ضخمة من البيتكوين. إنهم قوة عظمى في البيتكوين".

يأتي التجمع السنوي للبيتكوين وسط تخفيف موقف بكين من العملات الرقمية والعملات المستقرة.

ففي المنتدى المالي الأبرز في الصين في يونيو، أبرز محافظ البنك المركزي، "بان غونغ شنغ"، دور العملات المستقرة في تسهيل المدفوعات عبر الحدود بوتيرة أسرع، قائلًا إنها "غيرت بشكل جوهري المشهد المالي التقليدي".

وقال "جيف ون"، المؤسس المشارك ورئيس قسم الأعمال في "هايك تكنولوجي"، وهي شركة تقنية مالية مقرها تايوان، إن جزءًا من هذا التحول يعكس اعتراف بكين بتأثير الدولار الأمريكي الرقمي المتزايد.

وأضاف: "بعد إقرار قانون جينيوس، توسع استخدام العملات المستقرة إلى ما وراء الحدود الأمريكية، مع تبني دول أخرى لآليات مماثلة تعزز، في الواقع، هيمنة الدولار الأمريكي".

ولتعزيز الوجود الرقمي للعملة الصينية، حثت "جي دي.كوم" و"آنت جروب" البنك المركزي الصيني على السماح بإطلاق عملات مستقرة مدعومة باليوان في هونغ كونغ لمواجهة هيمنة العملات الرقمية المرتبطة بالدولار الأمريكي، حسبما ذكرت وكالة "رويترز" في يونيو، نقلاً عن مصادر مجهولة.

ومع ذلك، قال الخبراء إن العملات المستقرة المدعومة باليوان من غير المرجح أن تظهر في أي وقت قريب، على الأقل ليس حتى تثبت العملات المرتبطة بدولار هونغ كونغ نجاحها.

وقال "بيلي": "أعتقد أنه عندما ينظرون إلى هونغ كونغ، يرون فرصة لتجربة بعض الأفكار التي قد يرغبون في جلبها إلى البر الرئيسي الصيني. وبالتالي، فإن هذا مجرد مختبر مثالي لتجربة بعض هذه التقنيات المتطورة".

في الوقت الحالي، يعتمد الكثير على كيفية إصدار الدفعة الأولى من التراخيص وكيفية طرح العملات المستقرة للتداول.

قال "إميل تشان"، الرئيس المشارك في مجموعة "هونغ كونغ للتمويل الرقمي"، إن التحدي الأوسع لطموحات المدينة كمركز للعملات الرقمية هو الثقافة المحافظة لصناعتها المالية بسبب نجاحها الطويل الأمد.

وأشار "تشان"، الذي يقوم أيضًا بتدريس المديرين التنفيذيين في جامعات المدينة، إلى أن عددًا قليلًا من هؤلاء المحترفين لديهم خبرة عملية مع المحافظ الرقمية للعملات الرقمية. وقال إن إرث هونغ كونغ كرائدة في التمويل التقليدي "يقيدنا من فتح عقولنا واحتضان منتجات جديدة".