يدفع ارتفاع الأسهم الصينية منذ بداية العام المستثمرين إلى توقع تفوق أداء أسهم البر الرئيس الصيني على نظيره الأمريكي، ما يشير إلى أن التقييمات الجذابة تتغلب على فكرة الاستثنائية الأمريكية، حسب موقع «سي إن بي سي».
وخلال الأسبوع الماضي، تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى منطقة التصحيح للمرة الأولى منذ 2023. في المقابل، حقق مؤشر MSCI الصين مكاسب بنسبة 19% منذ بداية العام، حتى 9 مارس، وفقاً لـ«جولدمان ساكس»، مسجلاً أفضل بداية له في عام في تاريخه.
وتشير هذه التقلبات إلى تحول سريع عما كان عليه الوضع قبل بضعة أشهر فقط، عندما اعتقد عديد من المستثمرين أن الولايات المتحدة في وضع فريد يسمح لها بتجاوز العواصف الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالدول الأخرى، فيما كانت الأسهم الصينية تعاني من تراجع ناشئ عن مخاوف تنظيمية ومخاوف بشأن صحة الاقتصاد الصيني.
تقييمات جذابة
وقال جيمس سوليفان، رئيس قسم أبحاث الأسهم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في جي بي مورجان، إن التقييمات جذابة للغاية مقارنة بنظيراتها العالمية في أسواق مثل الصين، حيث لا يزال تركيز المستثمرين منخفضاً للغاية. يتداول مؤشر MSCI للصين عند 13.38 ضعف أرباحه السنوية المتوقعة، وفقاً لشركة «فاكتسيت»، وهذا مقارنة بمؤشر «إس آند بي 500»، الذي يتداول عند 20.72 ضعف أرباحه السنوية المتوقعة.
وقال مايكل جايد، ناشر تقرير «ذا ليد-لاج ريبورت»: «أعتقد بأن أداء سوق الصين سيتفوق على أداء السوق الأمريكي خلال السنوات الأربع المقبلة، ولا أعتقد بأن لذلك علاقة بترامب. أعتقد بأن الأمر كله يتعلق بالتقييم الابتدائي»، وأرجع موقفه المتفائل إلى حد كبير إلى «نقص الاستثمار الهائل» في الصين.
لم تكن الصين، من منظور استثماري، مجرد أموال راكدة لفترة طويلة، بل أصبحت أيضاً مصدر قلق ومخاطر للمستشارين الماليين لمجرد التفكير في رهان معاكس لعملائهم الذين يستثمرون في الصناديق الصينية. وإلى جانب انخفاض التقييمات، هناك عوامل أخرى تغذي زخم الصعود في الأسواق الصينية. قال هاريس إن أسهم الفئة «أ» الصينية شهدت انخفاضاً حاداً لبعض الوقت، بينما شهدت الأسهم الأمريكية انتعاشاً قوياً على مدار السنوات الست الماضية تقريباً.
وأضاف مايكل جايد: «بالطبع، ستظهر التقييمات المتوسطة فرقاً كهذا». وأكد: «أنا لست قلقاً بشأن التقييم كثيراً. إنه مهم، لكنه ليس العامل الحاسم. الأهم هو وجود زخم أكبر بكثير في السوق الصينية»، مضيفاً إن التحفيز الحكومي الصيني قد انعكس على الاقتصاد والأسواق.
تصنيفات
وفي تقرير صدر الأسبوع الماضي، رفعت سيتي للأبحاث تصنيف الصين إلى «زيادة وزن»، بينما خفضت تصنيف الأسهم الأمريكية إلى «محايد» بعد أن كانت «زيادة وزن» منذ أكتوبر 2023، متوقعة المزيد من البيانات السلبية من اقتصاد البلاد. رغم ذلك، أكدت سيتي أن توقعاتها المحايدة هي رؤية تمتد من ثلاثة إلى ستة أشهر، مؤكدةً أن الولايات المتحدة ستظل من رواد الذكاء الاصطناعي، حتى لو كانت مشتركة مع الصين. وكتب استراتيجيو البنك الاستثماري، بقيادة ديرك ويلر: «في الصورة الأكبر، نشك في أن فقاعة الذكاء الاصطناعي قد انفجرت تماماً». لقد تغير الكثير منذ ذلك الحين.
أثارت سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية تكهنات بتباطؤ اقتصادي في أكبر اقتصاد في العالم. في غضون ذلك، ازداد التفاؤل في الصين بشأن قدرات الذكاء الاصطناعي منذ طرح شركة «ديب سيك» نموذج R1 في وقت سابق من العام.
وقال ريتشارد هاريس، الرئيس التنفيذي لشركة «بورت شلتر إنفستمنت مانجمنت» إن الولايات المتحدة «شهدت فترة جيدة، وقد شارفت هذه الفترة على الانتهاء لأن سياسات ترامب معادية للاقتصاد. في المقابل لقد مرت الصين بفترة سيئة للغاية، لكن يبدو أنها بدأت تتعافى».
وأضاف هاريس: «أسميها التحول الكبير. من الواضح أنه على مدار السنوات الخمس إلى السبع الماضية، كانت الأسواق الأمريكية مهيمنة. لقد حققت الشركات السبع الرائعة نجاحاً باهراً... لكن يبدو من الصعب إدراك أن هناك المزيد من النجاحات التي تنتظرنا».
ومؤشر ناسداك المركب، الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا، يمر أيضاً بمنطقة تصحيح، متأثراً بموجة بيع لأسهم «العمالقة السبعة»، بسبب مخاوف الركود والحرب التجارية. وتضم «العمالقة السبعة» شركات ألفابت، وأمازون، وآبل، وميتا، ومايكروسوفت، وإنفيديا، وتيسلا.
لم تكن الصين، من منظور استثماري، مجرد أموال راكدة لفترة طويلة، بل أصبحت أيضاً مصدر قلق ومخاطر للمستشارين الماليين.
الاستثناءات
وقال كريس وود، الرئيس العالمي لاستراتيجية الأسهم في جيفريز هونغ كونغ جلوبال: بلغت القيمة السوقية للأسهم الأمريكية، مقارنة بالقيمة السوقية للأسهم العالمية، ذروة تاريخية نهاية العام الماضي وسط الحديث السائد آنذاك عن «الاستثنائية الأمريكية».
في السياق نفسه، يعتقد كين وونغ، المتخصص في محافظ الأسهم الآسيوية في إيست سبرينغ للاستثمارات، أن تداول «الاستثنائية الأمريكية» انتهى في وقت سابق من العام الجاري. قال وونغ إنه من المتوقع أن يؤدي التشديد المالي المتوقع وحرب التعريفات الجمركية التي يفرضها ترامب إلى تباطؤ النمو الاقتصادي الأمريكي إلى أقل من 2% هذا العام، مقارنة بتوقعات الإجماع البالغة 2.2%.
وشهدت الولايات المتحدة نمواً حقيقياً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.8% في عام 2024 مقارنة بعام 2023. وقد ازدادت حدة الدين والعجز في أمريكا خلال الشهر الأول من تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه، ومنذ ذلك الحين، أعطى الأولوية لمعالجة القضايا المالية للحكومة.
تراجعات الأسهم الأمريكية
وقال كين وونغ إن الركود التضخمي يمثل خطراً رئيساً في الولايات المتحدة، حيث قد تؤدي حرب التعريفات الجمركية إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي إلى حد الركود مع زيادة التضخم في الوقت نفسه.
وهذا قد يعني أن تراجعات الأسهم الأمريكية قد لا تتوقف. وكتب دويتشه بنك في مذكرة نشرت في عطلة نهاية الأسبوع: نرى أن عمليات بيع الأسهم الأمريكية لا تزال مستمرة مع احتمال استمرار تأثير حالة عدم اليقين بشأن السياسة التجارية، على الأقل حتى 2 أبريل، ونتوقع كذلك استمرار تفكك مراكز الاستثمار.
وقال بينكي تشادا، كبير الاستراتيجيين في البنك: إن تراجع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى أدنى مستوى له في الحرب التجارية الأخيرة، سيدفعه إلى 5250 نقطة. وسيمثل هذا انخفاضاً بأكثر من 7% عن إغلاق يوم الإثنين عند 5675.12 نقطة.
أسهم التكنولوجيا
من ناحية أخرى، شهدت أسهم التكنولوجيا الصينية ارتفاعاً قوياً منذ انطلاقة ديب سيك. كما أبدت الحكومة الصينية دعمها لقطاع التكنولوجيا لديها، مع خطط لزيادة التمويل.
وارتفع مؤشر هانغ سنغ للتكنولوجيا، الذي يتتبع بعضاً من أكبر شركات التكنولوجيا الصينية المدرجة في هونغ كونغ، بأكثر من 30% منذ بداية العام، وفقاً لبيانات بورصة لندن للأوراق المالية.
وقال وود: ينبغي للمستثمرين البحث عن بيع الأسهم عند ارتفاعها في أمريكا وشراء الأسهم عند تصحيحها في أوروبا والصين، حيث توجد أكبر مؤشرات إلى تحسن العوامل الأساسية. ومن المؤكد أن وتيرة انتعاش الصين قد تنذر بتصحيح قريب، وفقاً لمحللين في بنك أوف أمريكا.
وكتب محللون في بنك أوف أمريكا في تقرير نشر يوم الإثنين أن أداء مؤشري HSCEI/MSCI الصينيين اتسم في الأشهر السبعة عشر الماضية بتقاربه مع مساره قبل عقد من الزمن، ما يُثير قلقنا من اقترابنا من تصحيح قريب. ويعتقد محللو البنك بأن هناك «تشابهاً جوهرياً» بين الدورة الحالية والدورة التي سبقتها قبل عشر سنوات من حيث سياسات التحفيز والإصلاحات في البلاد، وإعادة التوازن الاقتصادي، والتقدم التكنولوجي.
