بقدر ما للأجهزة الذكية من ضرورة في هذا العصر، تمثل الثغرات الأمنية فيها خطراً كبيراً، ليس على المستهلك الذي يقتنيها فحسب، بل على المستثمر الذي يفقد الثقة بالسوق التي لا تستطيع حمايته من الهجمات السيبرانية، لا سيما أن متوسط تكلفة خرق البيانات بمنطقة الشرق الأوسط بلغ 7.29 ملايين دولار للاختراق الواحد، وفقاً لتقرير شركة «IBM» لعام 2025، ما يهدد سوق إنترنت الأشياء البالغ حجمها مليارات الدولارات، ومرشحة للزيادة والتطور.
في المقابل، تقدّم الإمارات نموذجاً رائداً في تعزيز أمن الأجهزة الذكية، من خلال سياسات استباقية وتشريعات متطورة، ترسخ ثقة المستهلك والمستثمر، وتدعم مسيرة التحول الرقمي والاقتصاد الذكي في الدولة.
الخطر الأكبر
وحذر سوبو هالدر، الرئيس التنفيذي الشريك المؤسس لشركة «آب نوكس»، قائلاً: «الثغرات الأمنية في الأجهزة الذكية ليست مجرد خلل تقني عابر، بل هي خطر يؤثر مباشرة في ثقة الناس بهذه التكنولوجيا، فعندما يتعرض جهاز في البيت أو السيارة أو مكان العمل للاختراق، فإن المشكلة لا تقتصر على تسريب البيانات، بل تهز ثقة المستخدم بالمنظومة كلها».
وأضاف: «في منطقتنا، حيث تبلغ قيمة سوق إنترنت الأشياء مليارات الدولارات وتشهد نمواً سريعاً، يمكن لأي حادثة بارزة أن تبطئ من وتيرة اعتماد الناس على هذه الأجهزة، فالمستهلك إذا شعر بأن جهازه غير آمن، سيتردد في استخدامه أو التوسع في الاعتماد عليه، ما ينعكس على السوق بالكامل».
جاذبية السوق
ويضيف هالدر: «في الواقع، يشكل التحول الرقمي ومشاريع المدن الذكية جزءاً أساسياً من الرؤى الوطنية، إذ يصبح تأمين أجهزة إنترنت الأشياء أمراً لا غنى عنه، فالمستخدم، سواء كان فرداً أم مؤسسة، لن يتشجع على تبني هذه التقنيات ما لم يشعر بأن بياناته وأجهزته في مأمن. وكلما زادت الثقة زاد الإقبال، وتسارع انتشار هذه الحلول.
والخلاصة أنه في اقتصاد إنترنت الأشياء تقاس القيمة الحقيقية بالثقة، في حين يشكل الأمن الأساس المتين الذي تُبنى عليه هذه الثقة، ومن هنا فإن تعزيز أمن الأجهزة الذكية في الإمارات يزيد من جاذبية السوق ويقدم رسالة واضحة بأن الاستثمار هنا آمن ومستدام، حيث تتمتع الدولة بمكانة راسخة بوصفها مركزاً إقليمياً للابتكار واعتماد التقنيات الرقمية، غير أن ما يمنح هذه المكانة بُعداً أعمق هو قدرتها على دمج ممارسات قوية في مجال الأمن السيبراني ضمن منظومة إنترنت الأشياء والأجهزة الذكية، فهذه الخطوة لا تعكس فقط حجم السوق واتساعه، بل تقدم للمستثمرين رسالة واضحة بأن البيئة هنا آمنة ومستدامة في الوقت ذاته».
وأردف: «تزداد قيمة هذه الميزة عندما نقارنها بأسواق أخرى في المنطقة ما زالت درجة نضجها في مجال الأمن السيبراني متفاوتة، فالأمن السيبراني في الأجهزة الذكية يمنح المستثمرين الثقة بأن الابتكار في الإمارات ليس هشاً أو عابراً، بل هو قائم على أساس قوي وآمن، وهذا يخلق حلقة إيجابية متكاملة، فكلما كان الأمان أقوى زاد جذب الاستثمارات، وبالتالي كل استثمار جديد يساعد بدوره على دفع الابتكار إلى الأمام. إنها معادلة تؤكد أن الأمن ليس مجرد عامل مساعد، بل هو الركيزة التي يقوم عليها اقتصاد الابتكار».
ثقة المستهلك
أما أسامة الزعبي، نائب رئيس الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة «phosphorus» للأمن السيبراني، فقد أقر بأن الثغرات الأمنية في الأجهزة الذكية يمكن أن تُضعف ثقة المستهلك بشكل كبير، لا سيما أن منطقة الشرق الأوسط تحتل المرتبة الثانية عالمياً من حيث تكلفة الاختراقات بمعدل 7.29 ملايين دولار للاختراق الواحد، وفقاً لتقرير شركة «IBM» لعام 2025.
كما تؤثر الحوادث البارزة سلباً في ثقة المستخدمين بتقنيات إنترنت الأشياء، ما يبطئ نمو سوق يُتوقع أن تصل قيمته إلى مليارات الدولارات. وللحفاظ على ثقة المستهلكين ودعم توسّع السوق، لا بد من وجود أنظمة واضحة للحماية، والاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في الأمن، إضافة إلى إدارة مرنة وفعالة للأجهزة.
وعن أبرز الاختراقات التي رصدها مجلس الأمن السيبراني في الإمارات والمتعلقة بالأجهزة الذكية في المنازل، قال الزعبي: حذر المجلس من وجود ثغرات في أجهزة المنازل الذكية، مثل الكاميرات والطابعات وأجهزة التلفاز وأنظمة إدارة المباني. وغالباً ما تُترك هذه الأجهزة بكلمات مرور افتراضية، أو ببرامج قديمة غير محدَّثة، أو من دون متابعة كافية، ما يجعلها نقاط دخول سهلة للمهاجمين.
ولا يقتصر الأمر على اختراق الجهاز نفسه، بل قد تُستغل هذه الأجهزة كبوابات للوصول إلى شبكات أوسع، ما يزيد من المخاطر على العائلات والشركات على حد سواء. في المقابل، يُعد تعزيز الأمن السيبراني في الأجهزة الذكية ميزة واضحة لدولة الإمارات».
وأضاف: «مع تسارع مشاريع المدن الذكية والتحول الرقمي، يبحث المستثمرون عن بيئات آمنة ومستقرة. كما أن القوانين الاستباقية، واعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، وانخفاض تكاليف الاختراقات، تجعل الإمارات في موقع متقدم مقارنة ببقية دول المنطقة. وإظهار المرونة في أنظمة إنترنت الأشياء يعكس استدامة طويلة المدى، ما يجعل الدولة وجهة جاذبة للاستثمارات العالمية في مجال التكنولوجيا».
الحلقة الأضعف
ويحسم محمد إسماعيل، نائب الرئيس لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في «سيكوينس سيكيوريتي»، القضية قائلاً: «غالباً ما تشكل واجهات برمجة التطبيقات «APIs» الحلقة الأضعف، حيث تترك من دون حماية كافية أو إعداد دقيق.
ومع استغلال المهاجمين لهذه الثغرات، تبدأ ثقة المستهلك تتراجع تدريجياً، ما يؤدي إلى تباطؤ ملحوظ في تبني هذه التقنيات. ويظل مستقبل إنترنت الأشياء في المنطقة مرهوناً بمعالجة هذه الفجوات الأمنية قبل أن تتحول إلى مشكلات بنيوية تهدد تطور القطاع بأكمله».
ويضيف إسماعيل: «تزداد التحذيرات من مخاطر تهدد المنازل الذكية، أبرزها الوصول غير المؤمَّن، وانتحال الهوية، وسوء استغلال الذاكرة. ومن أكثر الثغرات شيوعاً امتناع المستخدمين عن تغيير أسماء الدخول وكلمات المرور الافتراضية، وهو ما يترك الأجهزة مكشوفة أمام محاولات الاختراق، ولهذا يحذر مجلس الأمن السيبراني الإماراتي من هذه الممارسات، فالمشكلة ليست تقنية فقط، بل إن الأجهزة غير المحمية جيداً قد تُستغل بسهولة للإضرار بالمستخدمين، لا سيما عند غياب أنظمة المراقبة أو التسجيل».
وتابع: «باتت الاستراتيجية الأمنية معياراً حاسماً لقياس مستوى النضج الرقمي في عالم اليوم، ولم يعد المستثمرون يكتفون بمجرد البحث عن الابتكار والإبداع، بل يسعون إلى الحصول على ضمانات راسخة بأن المنتجات والحلول التي يتم تطويرها مصممة وفقاً لأعلى معايير الأمان منذ البداية.
وليس بجديد أن الزخم التكنولوجي المتصاعد في الإمارات، الذي تدعمه توسعات شركات متخصصة في المنطقة، يجسد بوضوح كيف أن إرساء أسس قوية ومتينة للأمن السيبراني لم يعد مجرد خيار، بل ضرورة حتمية للمؤسسات التي تسعى إلى التنافس بفاعلية في استقطاب الاستثمارات ورؤوس الأموال».