قال عارف أميري، الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي، إنه على مدار أكثر من 20 عاماً، ظلّ مركز دبي المالي العالمي الركيزة الرئيسية في تشكيل ملامح المستقبل المالي الإقليمي، حيث واصل المركز مسيرته الاستثنائية التي حقق خلالها قفزات نوعية ليغدو منصة عالمية ورافداً استراتيجياً في خريطة التحوّل الاقتصادي الذكي لإمارة دبي.

وأضاف أميري خلال مقابلة خاصة مع «البيان»، بالتزامن مع ختام الدورة الأولى من «برنامج دبي للخبراء الماليين»، الذي رسّخ مكانة دبي مركزاً مالياً عالمياً، أن المركز يمتلك سجلاً حافلاً بالنجاحات ورؤية استشرافية أسهم من خلالها بترسيخ مكانة الإمارة وجهة مالية عالمية، مع تركيزه الدؤوب على تمكين الكوادر الإماراتية وصقل مهاراتها القيادية لدعم مسيرة النمو المتناغمة مع الطموحات الوطنية.

وأفاد أميري بأنه خلال العقد الماضي، نجحنا - بالتعاون مع قادة استثنائيين - في ترسيخ مكانة مركز دبي المالي العالمي كأبرز مركز مالي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، عبر استقطاب أكثر من 8000 مؤسسة رائدة، وتوفير بيئة عمل ديناميكية لأكثر من 48800 متخصص مالي.

وتالياً نص الحوار:

اختتم مركز دبي المالي العالمي ومركز محمد بن راشد لإعداد القادة مؤخراً الدورة الأولى من «برنامج دبي للخبراء الماليين»، ما أهمية هذا الإنجاز للمركز ودبي؟

يمثّل هذا الإنجاز محطة استراتيجية نوعية تتجاوز أبعادها مركز دبي المالي العالمي لترسم ملامح جديدة لقطاع الخدمات المالية بدبي، فـ«برنامج دبي للخبراء الماليين» يُعدّ أولى المبادرات المتكاملة المُصمّمة خصيصاً لصقل الكفاءات الإماراتية وتمكينها بالأدوات والمهارات القيادية والعقلية الابتكارية بما يضمن لها قيادة تحوّلات القطاع المالي مستقبلاً.

خلال رحلة استثنائية استمرت ستة أشهر، اجتاز المشاركون مساراً تعليمياً غير مسبوق، بدأ بتدريب تنفيذي مُتخصّص في جامعة أكسفورد، ثم انتقل إلى ورش عمل متقدمة مع نخبة من الخبراء الدوليين، ليختتم برحلة استكشافية في وادي السيليكون، حيث اطلعوا على تجارب 39 من القادة العالميين، واستلهموا منها حلولاً مبتكرة قابلة للتطبيق تسهم بدفع عجلة النمو الاقتصادي في دبي وتعزيز مكانتها وجهة عالمية لاقتصاد المستقبل.

هذا البرنامج ليس مجرد مبادرة تدريبية، بل هو تجسيد عملي لرؤية سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الأول لحاكم دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية، رئيس مركز دبي المالي العالمي، في جعل الكفاءات الوطنية عماد التحوّل الاستراتيجي، وضماناً لاستدامة مسيرة دبي لأن تصبح من أفضل أربعة مراكز مالية عالمية، وبما يتماشى مع مستهدفات أجندة دبي الاقتصادية (D33).

كيف يرتبط هذا البرنامج بتطلعات دبي الاقتصادية والاستراتيجية الشاملة؟

يمثل قطاع الخدمات المالية ركيزة محورية نحو تحقيق مستهدفات أجندة دبي الاقتصادية (D33)، التي تضع القطاع المالي في صدارة أولوياتها كمحفّز رئيسي للنمو الشامل، فدورنا يتجاوز إدارة الميزانيات العمومية إلى بناء منظومة اقتصادية ذكية تدعم ريادة الأعمال، وتستقطب الاستثمارات العالمية، وتُرسي أسس الازدهار المستدام، ولا شك أن تحقيق الهدف المتمثل بأن تكون دبي ضمن المراكز المالية العالمية الأربعة الأولى، يقتضي بالضرورة توفر مؤسسات متقدّمة وقوى بشرية عالمية المستوى.

من هنا، يأتي «برنامج دبي للخبراء الماليين» كإحدى الأدوات الاستراتيجية لتمكين جيل من الكوادر الوطنية القادرة على قيادة دفة التحوُّل المالي، فنحن لا ندرب الخبراء لشغل الوظائف، بل نؤهل صنّاع التغيير القادرين على تصميم نماذج عمل تستشرف المستقبل وتحول التحديات إلى فرص استثمارية، وضمان استمرارية إمارة دبي وجهة رائدة في خريطة الاقتصاد العالمي.

حظيت تجربة وادي السيليكون التي تضمنها البرنامج بنقاش واسع، ما أهمية هذا التواصل الدولي؟

صُمّمت زيارة وادي السيلكون لتكون جسراً معرفياً يربط المشتركين بأحدث التطورات التقنية، حيث أتاحت اللقاءات مع قادة شركات كـ«إنفيديا» ومشاريع الذكاء الاصطناعي المتطورة المدعومة من شركة «a16z»، مثل «ديكاجون» و«ستارلينك»، فرصة فريدة لاستكشاف آليات عمل منظومات الابتكار المتقدّمة عن كثب.

الميزة الأهم هنا ليست في «الزيارة» بحد ذاتها، بل في تحويل المعرفة النظرية إلى تطبيق عملي، وهو ما تجلى في إعادة عدد من المشاركين تصوّر مشاريعهم، والمُبادرة لاستحداث شراكات نوعية مع الكيانات العالمية التي اطلعوا على تجاربها، وهو ما يُبرز الأثر التحويليّ لهذا الحوار المعرفي الدولي.

هل يمكنكم مشاركتنا ببعض الأمثلة على مشاريع التخرج التي نفذتها الدفعة الأولى من البرنامج؟

تميّزت مشاريع الدفعة الأولى بتنوّعها الوظيفي وارتباطها المباشر بتحقيق الرؤية الاستراتيجية لدبي، من أبرز الأمثلة مشروع رائد لإنشاء «مركز لوجستي عالمي» يهدف إلى ترسيخ مكانة دبي مركزاً عالمياً لإدارة سلاسل التوريد والتخزين وإعادة التصدير.

كما شملت المشاريع مبادرة نوعية تحت اسم «برنامج دبي للتمكين»، والتي تعتمد على آليات تمويل مبتكرة لتحويل المستفيدين من الرعاية الاجتماعية إلى شركاء فاعلين في النسيج الاقتصادي المحلي.

واقترح أحد المشاركين تصوراً متكاملاً لـ«مبادرة وطنية للأمن السيبراني»، بينما تميز مشروع «منصة التوائم الرقمية» والذي طوّره مشاركون من سلطة دبي للمناطق الاقتصادية المتكاملة، ومركز دبي للأمن الاقتصادي، بالقدرة على محاكاة السيناريوهات الاقتصادية المستقبلية وتمكين صُنّاع القرار من إدارة التحديات بفعالية استثنائية.

هذه المشاريع ليست مجرد أفكار طموحة، بل نماذج عمل قابلة للتنفيذ تُجسّد قدرة الكوادر الوطنية على تحويل الرؤى العالمية إلى إضافات ملموسة تعزّز موقع دبي في الخريطة الاقتصادية العالمية.

وجّهت كلمة للمشاركين شخصياً في الورشة الختامية، ما الرسالة التي أردت إيصالها لهم؟

خاطبتهم كـشركاء في رسم ملامح اقتصاد المستقبل، مؤكداً أن المرحلة القادمة تتطلّب منهم الانتقال من ذهنية التعلّم إلى ساحة الفعل، فـالخبرات الأكاديمية التي حصلوا عليها من جامعة أكسفورد، والرؤى الاستشرافية التي تم استقاؤها من حواراتهم مع القادة العالميين، والإنجازات التي قدّموها خلال البرنامج، يجب أن تتحوّل إلى أدوات عمل يومية تُسخّر لخدمة مسيرة التطوير في مؤسساتهم.

أردت أن يدركوا أن قيادة التحوّل المالي باتت بين أيديهم، وأن كل خطوة يخطونها بوعي وإبداع تقربنا من تحقيق الهدف المتمثل بأن تصبح دبي ضمن المراكز المالية العالمية الكبرى، فالشجاعة في اتخاذ القرارات، والجرأة في طرح المبادرات غير التقليدية، هما الوقود الذي سيدفع باقتصادنا نحو آفاقٍ غير مسبوقة.

مستقبلاً، ما هي المرحلة المقبلة لهذا البرنامج؟

إن رحلتنا ستتواصل دون توقّف، وسنُتوج إنجازات الدفعة الأولى بحفل تخريج رسمي يحتضنه مركز دبي التجاري العالمي خلال فعاليات «ملتقى محمد بن راشد للقادة 2025»، نُكرم فيه المشاركين عبر منصّة وطنيّة مُلهمة.

وفي سياق التوسع الاستراتيجي، نتحضّر حاليّاً لإطلاق النسخة الثانية من «برنامج دبي للخبراء الماليين» في يناير 2026، مع تركيز خاص على تعزيز النجاحات المحققة عبر اجتذاب الكفاءات الإماراتية الواعدة، وتمهيد الطريق أمام جيل جديد من القادة القادرين على توجيه التحوّلات النوعية في القطاع المالي، بما يواكب التسارع العالمي ويُعزّز موقع دبي الريادي.

أخيراً، كرئيس تنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي لأكثر من عقد من الزمان، كيف ترى مساهمتك الشخصية في مسيرة دبي لتصبح كياناً مالياً عالمياً؟

هذه الحقبة التاريخية كانت امتيازاً يرافقه التزام عميق بتحقيق الرؤية الاستراتيجية، فخلال العقد الماضي، نجحنا -بالتعاون مع قادة استثنائيين- في ترسيخ مكانة مركز دبي المالي العالمي كأبرز مركز مالي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، عبر استقطاب أكثر من 8000 مؤسسة رائدة، وتوفير بيئة عملٍ ديناميكيةٍ لأكثر من 48800 مُتخصّص ماليّ.

شغفي الأكبر يتمحور حول تطوير وصقل المواهب وإطلاق طاقات الكفاءات الوطنية، ولدي إيمان راسخ بأنّ الفصول القادمة من مسيرة دبي ستكتب بأيدي كفاءات إماراتية تتحدى المألوف، وطموحها أن تضع معايير جديدة، ومن خلال مبادرات استثنائية كـ«برنامج دبي للخبراء الماليين»، نعمل على تزويد الجيل الناشئ بـأدوات القيادة الفكرية والشبكات الاستراتيجية والثقة العميقة لتُمكنه من رسم ملامح المستقبل المالي.

فالهدف ليس فقط الوصول إلى المراكز الأربعة الأولى عالميّاً، بل صناعة نموذج استثنائي يُعيد تعريف معايير التميّز في القطاع المالي العالمي. لذا، فإن مهمّتي اليوم تتمثل في تسهيل وصول الكوادر المواطنة إلى أحدث الأدوات والمعارف العالمية، ودعم تحويل الأفكار الرائدة إلى مشاريع ملموسة تسهم في النمو الاقتصادي، وإزالة العقبات لتمكينهم من الإسهام الفعّال في صناعة إرث دبي المالي.