بينما كانت «بوينغ» تعاني الأمرّين تحت وطأة الأزمات التي لاحقتها طوال العام الماضي، كانت منافستها الأوروبية «إيرباص» تمضي في تسريع وتيرة إنتاج الطائرات. ومع ذلك، حرص رئيسها التنفيذي غيوم فوري دوماً على تذكير فريقه بضرورة التحلي بالتواضع. وكان فوري يدرك تماماً أن الكفة قد تنقلب في أي لحظة في هذا القطاع الذي لا يعرف سوى عملاقين. وجاءت أحداث الأسبوع الماضي لتقرع جرس الإنذار داخل أروقة «إيرباص»، مذكرة الشركة بأنها ليست بمنأى عن أزمات الإنتاج التي لا تزال تعصف بقطاع الطيران في ظل نقص حاد في الإمدادات واليد العاملة، حتى بعد مرور سنوات على انحسار الجائحة.
ففي صباح الأربعاء، اضطرت «إيرباص» إلى التراجع عن هدفها السنوي لتسليم الطائرات، وهو المؤشر الذي دافعت طويلاً عن قدرتها على تحقيقه، رغم توالي إشارات الخطر. فقد تبين أن مورداً صغيراً في إسبانيا زودها بألواح طائرات غير مطابقة للمواصفات، ما أرغم الشركة على التراجع، وسلط الضوء على مدى ارتهان مصير هذا العملاق الصناعي، الذي تقدر قيمته السوقية بـ155 مليار يورو (181 مليار دولار)، إلى شبكة هشة ومبعثرة جغرافياً من صغار المصنعين.
لم تكن هذه الانتكاسة الوحيدة التي منيت بها «إيرباص» في الأيام الأخيرة. فمساء الجمعة، دعت الشركة الواقع مقرها في فرنسا إلى مراجعة برمجية عاجلة لأسطول يضم نحو 6000 طائرة من طراز «A320»، عقب اكتشاف خلل محتمل في تفاعل أنظمة الحاسوب مع أدوات التحكم بالطيران على متن طائراتها التي الأكثر مبيعاً.
وما كادت تمر ثلاثة أيام حتى أعلنت «إيرباص» عن مشكلة العيوب في جودة بعض الألواح المعدنية التي تشكل بدن الطائرة نفسها، ما استدعى إطلاق عملية تفتيش شاقة لأكثر من 600 طائرة، سواء تلك التي دخلت الخدمة أو لا تزال قيد التصنيع.
وزاد من وقع تعثر «إيرباص» أن «بوينغ» كانت تسجل في الوقت نفسه أفضل انتعاشة لأسهمها منذ أشهر، مدفوعة بموجة تفاؤل بشأن تعافيها المالي. فقد كشفت الشركة الأمريكية عن سلسلة توقعات إيجابية، من بينها زيادة مرتقبة في تسليمات طرازي 737 و787 خلال العام المقبل، وعودة منتظرة لتحقيق تدفقات نقدية إيجابية بعد سنوات من النزف المالي. وتلقف المستثمرون هذه الأنباء بحماسة، ما دفع بسهم «بوينغ» إلى الارتفاع بنسبة وصلت إلى 10%.
وتمكنت «بوينغ» من انتشال نفسها من أزمة مزمنة بدأت أواخر عام 2018 بتحطم طائرتين في غضون فترة وجيزة، ثم تفاقمت بفعل جائحة «كوفيد-19»، قبل أن تزداد حدة في مطلع 2024، حين أدت عيوب تصنيعية إلى حادث كاد ينتهي بكارثة جوية. وفي نهاية العام الماضي، تلقت الشركة ضربة جديدة نتيجة إضراب أنهك قدراتها وعلق الإنتاج لأسابيع. ومع ذلك، نجحت الشركة الأمريكية في قلب الصفحة تحت قيادة رئيسها التنفيذي الجديد كيلي أورتبرغ الذي أعاد إليها زخمها وأجرى تغييرات إدارية واسعة. وحظيت «بوينغ» أيضاً بدعم من البيت الأبيض، إذ استخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صفقات الطائرات كورقة ضغط في جولاته الخارجية وفي مفاوضاته التجارية حول الرسوم الجمركية.
من جانبها، تقر «إيرباص» بأن مبيعاتها لا تحظى بمستوى الدعم المؤثر نفسه الذي تحصل عليه «بوينغ» من ترامب. لكن هذا الأسبوع، سينضم فوري إلى الوفد المرافق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارة رسمية إلى الصين التي لطالما كانت من الزبائن الأوفياء لطائرات «إيرباص»، خاصة في ظل تصاعد التوتر بين بكين وواشنطن.
وعلى كل حال، لا يتوقع أن تصل تعثرات «إيرباص» الأخيرة إلى مستوى الانهيار الذي أصاب «بوينغ» العام الماضي. فقد سارعت الشركة إلى معالجة الخلل البرمجي خلال عطلة نهاية الأسبوع، ما ساعد في تقليص الاضطرابات إلى أدنى حد، كما أعربت عن ثقتها بأن معظم الألواح الخاضعة للتفتيش ستكون سليمة.
