تخيل محركاً اقتصادياً جديداً قادراً على ضخ تريليونات الدولارات في عروق الاقتصاد العالمي، محركاً ليس بالنفط ولا بالذهب، بل بالبيانات والخوارزميات. هذا المحرك هو الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI)، الرقم مذهل، حيث تشير التوقعات – وتحديداً تقرير بارز لشركة الاستشارات العالمية ماكينزي (McKinsey) – إلى أن هذه التكنولوجيا المبتكرة قد تضيف ما بين 2.6 تريليون و 4.4 تريليونات دولار سنوياً إلى الاقتصاد العالمي. هذا المبلغ يلامس تقريباً حجم الناتج المحلي الإجمالي لدولة بحجم المملكة المتحدة، ما يؤكد أن العالم أمام تحول اقتصادي هائل غير مسبوق.
من التوقعات إلى التطبيق
التقديرات التي قدمتها «ماكينزي» لا تأتي من فراغ بل تستند إلى تحليل عميق لـ 63 حالة استخدام محددة للذكاء الاصطناعي التوليدي، تغطي 16 وظيفة عمل مختلفة حول العالم. ويشير التقرير إلى أن القيمة المضافة لن تقتصر على قطاعات معينة، بل ستعم جميع الصناعات تقريباً، مع تركيز القيمة الأكبر في المجالات الحيوية.
تأثيرات القطاعات الكبرى
يبرز التقرير بعض القطاعات التي ستكون الأكثر استفادة من هذه الطفرة، أهمها القطاع المصرفي، ومن المتوقع أن يضيف الذكاء الاصطناعي التوليدي ما بين 200 إلى 340 مليار دولار قيمة إضافية سنوياً لهذا القطاع، أما قطاع التجزئة (البيع بالتجزئة) يمكن أن تتراوح القيمة المضافة له بين 240 و390 مليار دولار، من خلال تحسين إدارة المخزون وتخصيص تجارب التسوق.
زيادة الإنتاجية مفتاح المستقبل
القصة الحقيقية خلف التريليونات لا تتعلق فقط بالمنتجات الجديدة بل بزيادة الإنتاجية (Productivity Growth). تشير ماكينزي إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يسهم في نمو الإنتاجية العالمية بنسبة تتراوح بين 0.1 و0.6% سنوياً حتى عام 2040، وهذا يعني أن المهام التي كانت تستغرق ساعات طويلة يمكن أن تُنجز في دقائق، ما يحرر القوى العاملة للتركيز على المهام الأكثر تعقيداً وإبداعاً وقيمة استراتيجية.
تحدي العصر
في حين يثير الحديث عن الأتمتة مخاوف بشأن فقدان الوظائف، يقدم التقرير رؤية أكثر تفاؤلاً، فالذكاء الاصطناعي التوليدي لا يلغي الوظائف بالضرورة، بل يُعيد تشكيلها. إنه يسرّع أداء الموظفين أصحاب الدخل المرتفع (كالمهندسين والمحللين والمبدعين)، ويزيد من كفاءتهم ودقتهم. هذا التطور يضع على عاتق الشركات والأفراد تحدياً استراتيجياً لأن عليها الاستثمار في إعادة تدريب موظفيها وتطوير المهارات الجديدة (Upskilling) للعمل جنباً إلى جنب مع أدوات الذكاء الاصطناعي، والانتقال من مرحلة التجريب إلى التوسع الشامل.
وعلى الأفراد تبني ثقافة التعلم المستمر واكتساب المهارات التي لا يمكن أتمتتها بسهولة، مثل التفكير النقدي، والإبداع البشري، والذكاء العاطفي.
عصر ذهبي جديد
إن التوقعات الاقتصادية للذكاء الاصطناعي التوليدي ترسم ملامح عصر ذهبي جديد للتكنولوجيا والإنتاجية. إن القيمة المقدرة بـ 4.4 تريليونات دولار ليست مجرد رقم بل هي دعوة صريحة لقادة الأعمال والحكومات والموظفين، للاستعداد لقفزة نوعية في الاقتصاد العالمي. الاستثمار الحكيم، وإدارة المخاطر بعناية، وتطوير المهارات البشرية، هي العوامل التي ستحدد من سيحصد ثمار هذه الثورة التكنولوجية، التي تهز أركان الاقتصاد العالمي.
