القارة السمراء، التي تملك أكثر من 30 % من احتياطيات المعادن النادرة، تتخذ خطوات استراتيجية لاستعادة القيمة المضافة من باطن أرضها، فهل تنجح في بناء منظومة تكرير تنهي عقوداً من التصدير الخام؟
كنوز تحت الأرض
تزخر القارة الأفريقية بكنوز تحت الأرض لا تُقدّر بثمن، من الذهب والنحاس، وصولاً إلى المعادن الأرضية النادرة، مثل الليثيوم والكوبالت والغرافيت، وهي مواد تُشكل العصب الحيوي لتقنيات تحول الطاقة العالمية، من بطاريات السيارات الكهربائية إلى توربينات الرياح والألواح الشمسية.
ولعقود طويلة، اقتصر دور أفريقيا على كونها مجرد «مُصدِّر للخام»، تبيع ثرواتها بأبخس الأثمان، ثم تستوردها لاحقاً كمنتجات نهائية مُصنّعة بأضعاف السعر. لكن هذا المشهد بدأ يتغير. فمع تزايد الطلب العالمي على هذه «المعادن الخضراء»، تتبنى الحكومات الأفريقية سياسات صارمة، لتعزيز الفرز والإثراء والتكرير المحلي، بهدف ترسيخ سلاسل قيمة إقليمية خاصة بها.
مشكلة دائمة
على الرغم من الإجماع على أهمية هذه الخطوة، إلا أن التحدي لا يكمن في استخراج المعادن من الأرض. إذ يشير المؤسس المشارك ورئيس مجلس إدارة شركة مينكس (Minexx)، منصور همايون، إلى أن السؤال الأهم هو «كيف نبني منظومة متكاملة للمعالجة؟».
إن عملية تكرير المعادن الأرضية النادرة، هي عملية معقدة ومكلفة، وتتطلب بنية تحتية تكنولوجية، ومؤسسات متقدمة، لا تزال تفتقر إليها العديد من الدول الأفريقية. قطاع المعادن النادرة في أفريقيا لا يمتلك حالياً مؤسسات كافية لتوفير هذا الفرز المتطور، وهو ما أبقى الدول الغربية والصين مهيمنة على سوق التكرير والتصنيع النهائي.
تشكيل ميزان القوى الاقتصادي
تسعى العديد من الدول الأفريقية، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا ورواندا ونيجيريا وأنغولا، إلى تحويل هذه الثروة الطبيعية إلى قفزات تنموية حقيقية. إن الانتقال من مجرد التعدين إلى التصنيع، يفتح الباب أمام القيمة المضافة المحلية: زيادة الإيرادات السنوية من الصادرات بشكل كبير (قد تتجاوز 10 مليارات دولار، وفقاً لبعض التقديرات)، وتوجيه هذه الأموال نحو تعزيز الموارد المالية للدول. وتوفير الآلاف من الوظائف عالية القيمة لمواطني القارة، بدلاً من الاكتفاء بالوظائف ذات الأجر المنخفض في مواقع التعدين.
وتعمل على ترسيخ التنمية الإقليمية، وإقامة مشروعات صناعية متكاملة، مثل المبادرة المشتركة بين الكونغو وزامبيا لإنشاء «منطقة اقتصادية خاصة» لتصنيع مكونات بطاريات السيارات الكهربائية محلياً.
دور التكنولوجيا
تُعدّ الشفافية وتطبيق المعايير الدولية، جزءاً لا يتجزأ من بناء هذه المنظومة. تعمل شركات مثل «مينكس» على تطبيق معايير الامتثال التنظيمي، وإمكانية التتبع في عمليات التعدين الحرفي في مناطق صعبة التشغيل (مثل شمالي نيجيريا ورواندا والكونغو)، لضمان أن تكون هذه المعادن مستخرجة بشكل أخلاقي ومسؤول.
ويساعد هذا الجهد في التخلص من الممارسات الضارة، مثل الاستعمال المفرط للزئبق في تعدين الذهب الحرفي، وبالتالي، حماية الأفراد والبيئة.
