شهد سوق العمل الأميركي «حالة توازن غريبة» على حد تعبيرجيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأسبوع الماضي. فبينما تراجع الطلب على العمالة، ظل معدل البطالة مستقراً بفضل التباطؤ المفاجئ في نمو المعروض من القوى العاملة.

السبب الرئيس لهذا التباطؤ هو التحول الحاد في معدلات الهجرة، من واحدة من أكبر موجات الوافدين في تاريخ الولايات المتحدة إلى شبه توقف كامل. ويرى اقتصاديون أن لذلك تبعات دقيقة وطويلة الأمد وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال تحدثت فيه مع عدد من الخبراء.

يتوقع بعض الخبراء أن تكون الهجرة الصافية إلى أمريكا هذا العام سلبية لأول مرة منذ عقود، نتيجة التوقف شبه التام لعبور الحدود غير النظامي، وزيادة وتيرة الترحيل، والمناخ السياسي المتشدد تجاه الأجانب.

هذا الوضع يمنح فائدة قصيرة المدى، كما أشار باول: فتباطؤ الطلب على العمل لا يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع معدل البطالة، الذي يبلغ حاليا 4.2% وهو مستوى منخفض تاريخياً. لكن على المدى الطويل، سيحد ذلك من إمكانيات النمو الاقتصادي، ويزيد من العجز في الموازنة.

من 2010 إلى 2019، دخل إلى الولايات المتحدة سنوياً 917 ألف شخص، في المتوسط، بحسب مكتب الموازنة في الكونغرس. ارتفع الرقم إلى 3.3 مليون في 2023 و2.7 مليون في 2024، وهو من أكبر التدفقات في التاريخ الأميركي.

لكن ورقة حديثة لمعهد «أميركان إنتربرايز» المحافظ توقعت أن تنخفض الهجرة الصافية إلى سالب 205 آلاف شخص هذا العام، بهامش خطأ ربع مليون تقريبًا. وعزت ذلك إلى تراجع الهجرة غير النظامية وارتفاع معدلات الخروج بما بين 675 ألفا و1.02 مليون فوق المعتاد، بسبب عمليات الترحيل المتزايدة والمغادرة الطوعية استجابة لسياسات إدارة ترامب.

آخر مرة وصلت فيها الهجرة الصافية إلى هذا المستوى المنخفض كانت في ستينيات القرن الماضي، لكن حينها كان جيل «الطفرة السكانية» يدخل سوق العمل ويعزز الاقتصاد. أما الآن، فإن هذا الجيل يتقاعد، ما يجعل سوق العمل أكثر اعتمادًا على المهاجرين.

يقول خبراء إن المهاجرين يشكلون بالفعل الغالبية الكبرى من نمو السكان والقوى العاملة. ووفقًا لتقديرات تورستن سلوك، كبير اقتصاديي «أبولو»، فإن الاقتصاد الأميركي مع صفر هجرة صافية لن يتمكن من إضافة أكثر من 24 ألف وظيفة شهرياً بشكل مستدام، مقارنة بمتوسط 155 ألف وظيفة بين 2015 و2024.

لكن «غولدمان ساكس» يتوقع أن تستقر الهجرة الصافية عند نحو 500 ألف سنوياً، مشيرا إلى صعوبة توسيع عمليات الترحيل بشكل أكبر.

المشكلة أن التدفقات الفعلية من المهاجرين والمغادرين يصعب قياسها بدقة آنية. فالولايات المتحدة لا تحتفظ بسجلات شاملة للمغادرين، كما توقفت إدارة ترامب عن نشر بيانات منتظمة حول الترحيل. فيما قد يدخل المهاجرون غير النظاميين ويغادرون دون أن يُسجَّل ذلك إحصائيًا.

وقد صدرت تقديرات تفيد بتحول الهجرة الصافية إلى السالب بالفعل، مثل تقرير مركز «بيو» للأبحاث. ففي بيان صحفي يوم 14 أغسطس، قالت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نوم إن 1.6 مليون مهاجر غير نظامي غادروا البلاد في أول 200 يوم من توليها المنصب، مشيرة إلى أن الرقم «من مصادرنا الخاصة»، دون توضيح. لكن البيان تضمن رسماً بيانياً منقولاً من مركز دراسات الهجرة، وهو مجموعة مناهضة للهجرة قدّرت بدورها أن 1.6 مليون مهاجر غادروا منذ يناير.

مع ذلك، فإن استمرار التراجع ليس سابقة. فقد تقلص عدد المهاجرين بين 1930 و1970 بعد أن هدأت موجة الهجرة الأوروبية الكبرى. الفرق الآن أن معدلات الخصوبة الأميركية عند مستويات منخفضة قياسية، وقد توقّع مكتب الموازنة أن تتجاوز الوفيات عدد الولادات بحلول 2033، أي قبل سبع سنوات مما كان مقدرا سابقا.

وبدون هجرة صافية إيجابية، سيبدأ عدد السكان بالتراجع، ما سيزيد الضغط على المالية العامة ويخفض الطلب في قطاعات مثل الإسكان.