كشفت شركة مايكروسوفت عملاق التكنولوجيا العالمي، عن طموحات جدية في التعامل مع الطاقة النظيفة، من خلال الصناعة النووية لتوليد الطاقة باستخدام محركات الذكاء الاصطناعي، ونشأ المشروع خلال اجتماع عقده اتحاد إعادة تشغيل الفحم في مكاتب مايكروسوفت بدبلن عام 2022.

وحدد خمسون ممثلاً صناعياً من القطاع النووي المتقدم، مسألة الحصول على التصاريح، باعتبارها العقبة الأساسية أمام توسيع نطاق النشر النووي من مفاعل واحد لكل عقد في الدول الغربية، إلى 2500 مفاعل مطلوبة عالمياً لتحل محل توليد الطاقة بالفحم. وتواجه مشاريع الطاقة النووية متطلبات تنظيمية معقدة، بشكل خاص بسبب الاعتبارات المتعلقة بالسلامة.

وهو الأمر الذي وجدت مايكروسوفت حلاً له من خلال برمجية الذكاء الاصطناعي، القادر على حل مشكلة التصاريح وبيروقراطية الإجراءات التخليصية لتلك المشاريع النووية.

ويمكن للجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي معالجة مجموعات بيانات تنظيمية ضخمة، وإنتاج محتوى بالتنسيقات المطلوبة من قبل سلطات الترخيص المختلفة.

التحديات الأساسية

ويرى مارك تيبينج مدير الطاقة البحرية العالمية في مؤسسة لويدز ريجستر، وهي جمعية تصنيف تقدم خدمات الضمان الفني، أن هذه المبادرة تعالج التحديات الأساسية في الصناعة.

ويقول: «إننا نعمل معاً على معالجة أحد أكبر التحديات في نشر التكنولوجيا النووية، وهو التنقل عبر عمليات الترخيص المعقدة والبطيئة والمكلفة».

حاول فريق مايكروسوفت في البداية حل تحديات الحصول على التصاريح، باستخدام أساليب البرمجة التقليدية، قبل اكتشاف أن الأساليب التقليدية لا يمكنها التعامل مع تعقيد وتنوع المتطلبات التنظيمية.

مشكلة مستعصية

كونور كيلي، أحد أعضاء الفريق المشارك في المشروع، يشرح عملية الانتقال إلى حلول الذكاء الاصطناعي. يقول: «بدأنا في البداية بمحاولة الاستغناء عن جيل الذكاء الاصطناعي... مجرد برمجة برمجية عادية. كانت مشكلة مستعصية».

وقد حدث هذا الاختراق عندما أدرك المهندسون أن الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي، يمكنه استخراج المعلومات بشكل ديناميكي، من مجموعات بيانات متنوعة، وإنشاء محتوى يطابق التنسيقات المحددة التي تطلبها الهيئات التنظيمية عبر مختلف الولايات القضائية.

ويعالج نظام مايكروسوفت تحديات التصاريح، من خلال إنشاء المستندات تلقائياً، وإمكانات الاستعلام وعمليات المراجعة قبل الإرسال.

الطلبات التنظيمية

يستخدم المكون الآلي الذكاء الاصطناعي التوليدي لصياغة الطلبات التنظيمية من بيانات المشروع التاريخية والمتطلبات الحالية.

ويتضمن النظام واجهة Copilot، وهي تقنية المساعد الذكي من Microsoft، والتي توفر لمهندسي التصاريح إمكانية الوصول إلى مجموعات البيانات التنظيمية الكاملة، من خلال استعلامات اللغة الطبيعية. ويعمل هذا المكون داخل مستأجري سحابة Azure الخاصة بالشركات، لمنع المعلومات الحساسة من مغادرة شبكات الشركة.

فيما تعمل قدرات المراجعة قبل التقديم على تحليل مسودات المستندات، لتحديد المعلومات المفقودة قبل التقديم التنظيمي الرسمي، ما يقلل من التأخير الذي يحدث عندما تطلب السلطات بيانات إضافية.

شركات صناعة الطاقة

أظهر المشروع تحسناً في الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 25 % و75 % في تصاريح سير العمل، عبر العديد من شركات صناعة الطاقة.

وتمثل هذه المكاسب توفيراً كبيراً في الوقت والتكاليف، في صناعة يمكن أن تؤدي التأخيرات التنظيمية فيها إلى تأجيل المشاريع لسنوات.

ويؤكد إد إيسي المدير الأول لقيمة الأعمال في مايكروسوفت، كيف تطور المشروع من العمل التجريبي إلى المبادرة الاستراتيجية: «من المذهل أن نرى أن ما بدأ كمشروع جانبي، قاد مايكروسوفت إلى المجال النووي».

وقد دفعت هذه المبادرة إلى تشكيل فريق عمل مشترك بين الشركات بشأن الذكاء الاصطناعي، للحصول على التصاريح، بدعم من كبار المسؤولين التنفيذيين في مايكروسوفت، بما في ذلك كبير مسؤولي الاستدامة، ميلاني ناكاجاوا، والرئيس براد سميث.

الطاقة المتجددة

وفي حين ركزت مايكروسوفت في البداية على التصاريح النووية، فقد قامت بتوسيع نظام الذكاء الاصطناعي، لتغطية الطاقة المتجددة والتعدين، وغيرها من قطاعات الطاقة النظيفة.

ويعمل الفريق حالياً داخل قسم الطاقة والموارد MCAPS، التابع لشركة Microsoft، حيث يقوم بتطوير التطبيقات الخاصة بمشاريع التعدين وطاقة الرياح البحرية.

ويصف كونور إمكانية تطبيق التكنولوجيا على نطاق أوسع، بما يتجاوز تركيزها النووي الأصلي: «كان هذا المشروع يهدف إلى تحقيق إمكانية تطبيق أوسع بكثير - ليس فقط وثيقة الترخيص النووي المحددة هذه، ولكن في جميع أنحاء مجال التصاريح النووية، وفي تصاريح طاقة الرياح، وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة»، كما يقول.

أدوات الامتثال التنظيمي

يعكس هذا التوسع الطلب المتزايد على أدوات الامتثال التنظيمي المدعومة بالذكاء الاصطناعي في قطاعات الطاقة، التي تواجه تحديات مماثلة في الحصول على التصاريح.

تتطلب مزارع الرياح ومنشآت الطاقة الشمسية وعمليات التعدين، توثيقات بيئية وسلامة مكثفة، قبل الحصول على موافقة البناء.

تتعاون مايكروسوفت مع الجهات التنظيمية لتحسين قدراتها على المعالجة، بما يضمن ألا تُثقل سرعة تقديم الطلبات من قِبل القطاع العام، كاهل قدرات المراجعة في القطاع العام. ويهدف هذا التنسيق إلى تحسين كفاءة النظام بكامله، بدلاً من مجرد نقل الاختناقات من القطاع إلى الحكومة.

ويختتم كونور قائلاً: «كان هذا المشروع يهدف إلى تحقيق إمكانية تطبيق أوسع نطاقاً - ليس فقط في وثيقة التصاريح النووية المحددة هذه، ولكن في جميع أنحاء مجال التصاريح النووية، وفي تصاريح طاقة الرياح، وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة».