كثيرة هي الأوقات التي تمر على الإنسان فيغلب عليه الحزن والغضب والهم، وربما تكون الأسباب قوية تدعو فعلا لهذا الحزن وهذا الغضب، أو أنها من الضعف بحيث يؤدي تركها وتراكمها وعدم معالجتها بسرعة إلى تقويتها وزيادتها لتكون عامل وهن وضعف لصاحبها.
وقد حذر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من الركون إلى الحزن أو الغضب، لما يجره كل منهما على صاحبه من الأمراض النفسية والعضوية، وإبعاده عن الحياة الصحية السليمة، ومن يطلع على القرآن الكريم وعلى نصوص السنة النبوية وأقوال الحكماء والأطباء يرى تحذيرات من الاستسلام للهموم.
ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر». ويقول الله سبحانه وتعالى: «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء». سورة الأنعام 125. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «أوصني» فردّد، قال: «لا تغضب». رواه البخاري .
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء: «اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا»، وقد حذر السلف الصالح رضوان الله عليهم من هذا الخلق، فيقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أول الغضب جنون، وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب»، ويقول عروة بن الزبير رضي الله عنهما: «مكتوبٌ في الحِكم: يا داود إياك وشدة الغضب؛ فإن شدة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم».
ومن الصفات التي امتدح الله بها عباده المؤمنين في القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى: «الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين». آل عمران: 134.
ويقول الباحث حسن يوسف شهاب الدين أستاذ فيزياء: لقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب بقوله: (لا تغضب) وليس المقصود بالغضب هنا الغضب العادي أي الحالة العابرة، وإنما الغضب المتكرر الذي يتعدى الحد المقبول، لأنه يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بشرايين القلب واحتمال الإصابة بأزمات قلبية قاتلة، وخلل في جهاز المناعة.
ويؤكد العلماء أن الاضطرابات النفسية والاجتماعية المزمنة تؤثر على مناعة الجسد ومقاومته للأمراض، وأن الضغوط النفسية قد تسهم في نشوء أمراض عضوية كالسكر والسرطان وأمراض القلب والجلطات والشيخوخة والهرم والنسيان وضعف الذاكرة.
ولعلاج هذه الحالة فإن التفكر والتدبر في الخلق من أهم الوسائل المعالجة، وقد أمرنا الله سبحانه، فقال عز وجل: (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار){191} سورة آل عمران.