جعل الله سبحانه وتعالى التفكير كالفريضة ودعا إليه وأثنى على أصحابه في آياته الكريمة، فقال سبحانه: «إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار». آل عمران: 190 ـ 191.

والتفكير والتأمل سمتان أكرم الله سبحانه وتعالى بهما الإنسان دون غيره من الكائنات الحية، كما أكرمه بمعطيات وملكات كثيرة لا تعد ولا تحصى.. وإذا كان التفكير نعمة كبرى فذلك لما ينتج عنه من فوائد على الإنسان المفكر أو المتأمل وعلى غيره ممن ينتفعون بنتيجة هذا التفكير من ابتكارات واختراعات، تصب في خدمة البشرية ومدنيتها وتقدمها، لا في تدميرها وتلويثها.

وإذا كان التفكير سمة الإنسان العالم وغير العالم، فالعالم يفكر لكي يثبت نظرية أو يخترع شيئا أو يضيف إليه، ولكن غير العالم عندما يفكر فالفائدة التي تعود عليه أثبتتها إحدى الدراسات الحديثة في أن خلو الإنسان بنفسه كي يتأمل عالمه الداخلي ويحاسب نفسه على أخطائها يزيده صقلاً وصفاء لروحه ونفسه، ويمكن أن تعالجه من بعض الأمراض.

وأما العلماء فيرون أن من فوائد الخلوة تجنب آفات اللسان وعثراته، والزهد في الدنيا، والتخلق بالأخلاق الحميدة، وحفظ البصر وتجنب النظر إلى ما حرم الله تعالى، كما أن التفرغ للذكر فيه تهذيب للأخلاق.

وهذه الفوائد تعيد الاعتبار إلى عبادة التفكر والاعتبار، فليست العبادة مقتصرة على الصلاة والصيام والذكر فقط، بل إن ذكر الله سبحانه يمكن أن يكون في التفكير في خلقه وفي عظمة هذا الخلق، وإعطاء النفس فرصة الابتعاد ولو جزئيا عن هموم العمل ودوران الحياة فيستعيد الإنسان حيويته للعمل.

وإذا استعرضنا بعضا من الآيات التي تدعو إلى التفكير وإلى التأمل في عظمة الخالق نجد قول الله سبحانه وتعالى: «قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون»، وقوله تعالى: «هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ». لقمان - 11.

والتفكر في خلق الله تعالى يجعل الإنسان يقف على حقيقة متانة الخَلْق والتدبير المحكم في كل مفردات الكون وأجزائه، وإن النظرة السليمة ليست نظرتنا عند ظواهر الأشياء، بل التي تحملنا إلى معرفة الخالق عز وجل الذي أنشأه وأبدع له النظام الذي يسير عليه.

وعلى كل واحد أن يجعل له وقتا لهذا التفكير مثلما يجعل له وقتا للقراءة الحرة أو قراءة القرآن، ولكن عليه أن يبلغ زوجته بأنه سيقضي مدة معينة من الوقت للتفكير، وعليها في وقت التفكير أن لا تزعجه فيه ولا تخرجه منه لأنه عبادة كالصلاة.

tantawi2006@hotmail.com