جاءتني ابنتي قبل أربعة أيام تطلب مني مبلغا من المال لتساهم به مع زميلاتها في المدرسة لشراء هدايا أثناء زيارتها لدار رعاية المسنين، وكانت من قبل قد طلبت مني مبلغا آخر للذهاب إلى معرض الكتاب لشراء بعض القواميس الانجليزية وبعض الكتب، وأحببت أن أداعبها بقولي إنه لا يمر يوم إلا إذا كانت لك طلبات وكلها أو معظمها لا تخرج عن وضع يدي في جيبي.
وتذكرت وقتها أننا كنا طلابا وكنا نرهق آباءنا وأمهاتنا بالطلبات المدرسية، صحيح أنها كانت طلبات أبسط ما تكون مقارنة بطلبات طلبة الوقت الحالي، إلا أنها كانت طلبات مرهقة ومجحفة بسمات ذلك الزمان، وقلت في نفسي «كما تدين تدان، فكنت لا تصبر على طلباتك، وهاهم أولادك لا يصبرون على طلباتهم والكل يشرب من نفس الكأس»!
وبعد زيارتها لدار المسنين أردت أن أتعرف على ما دار هناك وما حدث خلال الزيارة، فمثل هذه الزيارات لا تخلو من قصص وعبر وحكايات واقعية، وجدتها منفعلة وتكاد تبكي وهي تحكي لي ولوالدتها عن ما رأته وشاهدته هي وزميلاتها ومدرساتها عن قصص البعض، منها واحدة من المسنين أمسكت بيد زميلة لها.
وقالت لها: أريد ابني، وأخرى جاءت إلى الدار لتعالج من مرض ألم بها لأنه ليس لها أبناء كبار ولها ابنة واحدة صغيرة لا تتعدى سن الثانية عشرة ولم تجد إلا الدار مكانا مناسبا للعلاج، فالقائمون عليها يبذلون جهودا كبيرة من أجل راحتهم وتقديم العلاج لهم وكل ما يحتاجون إليه.
وروت لي ابنتي قصة حكتها مسؤولة بالدار عن مسن جاء إلى الدار بسبب مشكلة بينه وبين ابنه وزوجته، رافضا الذهاب إلى البيت، ولكن المسؤولين اتصلوا بالابن وأقنعوه بأهمية مصالحة والده والبر به، فلاشيء يعدل في الدنيا بعد عبادة الله سبحانه وتعالى بر الوالدين والنظر إلى وجهيهما واستعطافهم وخفض الجناح لهما وطلب الدعاء منهما لينير هذا الدعاء طريق حياتهم.
وكم سمعنا من العلماء والدعاة الكثير من القصص الواقعية التي تكون فيها زوجة الابن سببا في المشاكل التي تحدث بينه وبين والده أو والدته، فيختار جانب الزوجة فيُغضب منه والديه، ولو يعلم ما يجنيه من وراء فعلته لما فكر في الزواج أصلا إذا كانت النتيجة هي زعل الوالدين أو حزنهم!! فحزن الوالد أو الوالدة طريقه معروف وهو عدم دخول الجنة ولا أريد أن أقول دخول النار، أما زعل الزوجة فمقدور عليه، وبمرور الوقت والصبر ستحل المشكلة مع الزوجة.
ولا ننسى قول الله سبحانه وتعالى: «وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا) البقرة 83، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر. ثلاثا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وجلس وكان متكئا، فقال ألا وقول الزور. قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته يسكت (البخاري). وأقول هل بعد كلام الله عز وجل وكلام رسوله كلام!
