تداعب عقول كثيرين من شابات وشباب الدولة المواطنين فكرة ابتكار وإدارة مشاريعهم الخاصة. بعضهم غامر لتحقيق طموحاته وأحلامه، وخاض غمار التجربة، وواجه مشكلات ومعوقات وصعوبات تجسيد فكرته على ارض الواقع، لكنه حقق النجاح المرجو، وبعضهم اخفق لكنه صمم على متابعة الرحلة، فيما فشل البعض الآخر ونأى بنفسه عن الغوص في غمارها.
المهندس منذر درويش واحد من هؤلاء الشباب المواطن الطموح. كانت له تجربته التي تكللت بالنجاح وأسفرت عن تأسيسه شركة «أم دي للتصميم الداخلي». خاض منذر تجربته حالماً بأن يصبح واحداً من مشاهير التصميم الداخلي في العالم. وهو في طريقه إلى ذلك كما يقول وتحت رعاية مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب.يشرع منذر بالحديث عن مشروعه الخاص من المحطة الأجمل في هذه التجربة. وتحديداً يوم وقف على المنصة في حفل تكريم الفائزين بجائزة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب إلى جانب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وتسلم من صاحب السمو جائزتي أفضل رجل اعمال ناشئ وأفضل مشروع في قطاع التصميم والديكور الداخلي.لا ينسى منذر تلك اللحظات التي كان له فيها كبير الشرف في الوقوف إلى جانب صاحب السمو حاملا بين يديه جائزتين تعنيان له الكثير الكثير، كما يقول، تحفزانه اليوم لإنشاء إمبراطورية للتصميم الداخلي في دبي التي لا تعرف المستحيل، ولأن يصبح أول مصمم للديكور الداخلي من دبي يحمل شهرة عالميةً لتكون دبي مثلها مثل أي مدينة عالمية لديها مصممها الشهير للديكورات الداخلية.
تخرّج منذر من كلية دبي الجامعية منذ خمسة أعوام. وفي شهر يونيو من العام 2005 أسس شركته الخاصة «أم دي للتصميم الداخلي» برعاية من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم لدعم مشاريع الشباب، ومستفيداً من أعمال العائلة التي تأسست قبل نحو 25 عاماً ومن خبرة والده التي تزيد على 32 عاماً في المجال.
أراد ان تكون له شركته وتجربته فخرج بشركته من رحم شركة العائلة وأستقل عنها ولم يتّكل عليها ولم ينافسها بل زاد عليها فتوسعت أعمال العائلة التي تضم مصنعاً للستائر والجبس والأثاث وورشات للأصباغ والرسم إلى قطاع الهندسة الداخلية.
تمكن المهندس الإماراتي الشاب على مدى الأعوام القليلة الماضية التي تلت مرحلة التخرج وتأسيس الشركة من إثبات نفسه في مجال الهندسة الداخلية وبترك لمساته الفنية في البيوت الإماراتية وعدد من فلل مشروع محمد بن راشد للإسكان، كما أبدع في هندسة قصر رئيس جمهورية تتارستان الذي صمم على الطريقة الإماراتية.
يقوم توجه «أم دي للتصميم الداخلي» على تغيير فلسفة التصميم الداخلي من الألف إلى الياء كما يقول منذر، وعبر الدخول إلى السوق بأسعار وجودة تنافسيتين بكل معنى الكلمة. وقدم منذر انطلاقاً من شركته 405 تصميمات داخلية مقسمة إلى اقتصادية ومتوسطة وفخمة لمشروع فلل برنامج محمد بن راشد للإسكان في دبي. وأعتمد مفهوم الدفع بالتقسيط والسداد خلال 15 عاماً، والذي يعد الأول من نوعه في منطقة الخليج، رغبة منه في تسهيل عملية تصميم وتأثيث المساكن العائلية أمام الشباب الإماراتي.
أراد منذر التركيز على تقديم خدمات «ام دي للتصميم الداخلي» للمشاريع السكنية، لكن اعماله لاقت استحسانا كبيرا من المؤسسات الحكومية ودفعته إلى تنويع أنشطة الشركة.
وزارة العمل.. وإكمال الجميل
يلفت منذر إلى الدعم المادي والمعنوي الكبيرين اللذين يحصل عليهما أعضاء مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب من جميع الدوائر الحكومية المحلية. ويشير إلى انه تلقى دعماً مادياً كبيرا من ديوان سمو الحاكم ومن إدارة الجنسية والإقامة من خلال تنفيذه لعدد من مشاريعهما.
كما يلفت إلى الدعم المعنوي الذي يلقاه من مؤسسات أخرى كوزارة العمل التي أعفت أعضاء مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب من الضمان المصرفي ووضعت منشآتهم ضمن الفئة «أ»، متمنياً على وزارة العمل أن تكمل جميلها وتعطي أعضاء المؤسسة صفة خاصة وتسهيلات في عملية استصدار التأشيرات للعمالة وإعادة النظر في مسألة سكن العمال.
ويشير منذر في هذا الصدد إلى مدينة دبي الصناعية التي وفّرت أسرّة للعمال بمبالغ مقبولة وبمعدل 250 درهماً في الشهر، وذهبت جميعها للشركات المحلية العملاقة التي تتعامل بالمليارات، فيما تنتظر شركته الناشئة التي تحتاج إلى الدعم على لائحة الانتظار منذ ما يزيد على 9 شهور.
يقدّر منذر بشكل كبير اهتمام المؤسسات الحكومية بأبناء الدولة وتحفيزهم على النشاط. ويقول إن أشخاصا محددين دعموا شركته بمجرد إعطائهم الفرصة لها لتثبت نفسها في السوق، فجعلوها تقف وتنطلق.
ويخص منذر بالذكر شخصيات في ديوان سمو الحاكم وإدارة الجنسية والإقامة لم يكن لهم لا صالح ولا نصيب في دعم شركته وإنما تطبيقاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بتحقيق الأهداف الوطنية العليا في التنمية والتطوير وبناء الإنسان.
ويذكر منذر كل من العميد محمد المري، مدير إدارة الجنسية والإقامة، والعقيد عبيد بن سرور، نائب مدير إدارة الجنسية والإقامة، والمهندس راشد المطوع، مدير مؤسسة محمد بن راشد للإسكان، وخلفان حارب، مدير ديوان سمو الحاكم، والمهندس إبراهيم الريّس، مدير إدارة المشاريع في ديوان سمو الحاكم، كما خص بالشكر شركة إعمار العقارية التي تتيح له تنفيذ بعض مشاريعها.
في المقابل يقول منذر انه واجه صعوبات شتى في بداية طريقه، كان أبرزها عدم ثقة بعض المسؤولين في عدد من الدوائر الحكومية بقدرات الشباب المواطن على أساس أنهم أصحاب مشروعات صغيرة وشركات ناشئة.
200% نمو الطلب
يتوقع منذر أن يرتفع الطلب على خدمات شركات الديكور والتصميم الداخلي في أسواق الدولة بنسبة 200% مشيرا إلى ان هندسة الديكور متشعبة ومرغوبة ومطلوبة في ظل حاجة العقار إلى التصميم والتأثيث، مؤكداً ان التجربة دليل برهان. كما يشير منذر إلى التضارب الكبير الحاصل في الأسعار، معللاً ذلك باجتياح المنتجات والحلول الصينية السوق ومن الدرجة العاشرة.
يميل منذر بتصميماته إلى الأجواء الإماراتية. ويقول ان احد عوامل نجاحه الأساسية في مجال التصميم الداخلي انه مهندس مواطن، استناداً إلى القول المأثور «أهل مكة أدرى بشعابها»، فهو أكثر استيعاباً للذوق الإماراتي وخصوصية المجتمع من غيره كما يرى.
وان البيوت الإماراتية لا يمكن أن تصمم وفقا للتصميم الأوروبي أو المصري أو اللبناني أو السوري، لأن البيوت الإماراتية تخصص مجلساً للرجال وآخر للنساء، ولا بد أن يكون المجلس بعيداً عن غرفة الطعام، كما ان البيوت الإماراتية تقسّم وفق خصوصية معينة، عدا عن ان المواطن الإماراتي يميل إلى الألوان الصحراوية كالبني والأصفر ومشتقاته ولون البيج، مع إدخال الخشب في التصميم.
ويؤكد منذر أن الديكور لا يرتبط بموضة معينة أو يخضع لتسعيرة معينة، حيث لكل تصميم قيمته الخاصة والتي تتراوح ما بين الفخمة والاقتصادية أو المتوسطة. ويقول انه صمم قصوراً بمواصفات خيالية، وان صاحب احد القصور طلب تركيب رخام معين وصلت قيمته إلى 3 ملايين درهم.
كما طلب إحضار مفروشات قصره من علامة «مازراتي» التجارية الإيطالية الشهيرة والتلفزيونات من بريطانيا. وفي مشروع آخر طُلب منه تنفيذ جداريه طولها 9 أمتار، فاضطر منذر إلى الاستعانة بفنان ليرسم على الجدار، واستغرق إنجاز اللوحة 7 شهور ووصلت تكلفتها إلى 400 ألف درهم.
يشجع منذر الإنتاج المحلي على مختلف الصعد، لكنه يشير إلى أن معظم المنتجات المتوفرة في الأسواق مهما اختلفت علامتها التجارية، تصنّع في دول شرق آسيا، حتى ان 80% منها تصنع في الصين، لأن تكلفة العامل لدينا أو في أوروبا تعادل خمسة أضعاف أجرة العامل في تلك البلاد، ما يعني برأيه أن بلد التصنيع ليس مهماً فقد يكون المنتج مصنوعا في الصين أو في إيطاليا أو ألمانيا وفاخراً أيضاً.
الجناحي.. أخ كبير
يداوم منذر في عمله ما بين 16ـ 18 ساعة يومياً، ولا ينام أكثر من 5 ساعات، معتبرا ذلك ضريبة يدفعها لتحقيق طموحه بأن يغدو من مشاهير التصميم الداخلي في العالم وليصبح صاحب إمبراطورية التصميم الداخلي في دبي. يشيد منذر بالدور الكبير الذي تلعبه مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب في نجاح مشاريع الشباب والشابات المواطنين من خلال الدعم المعنوي والمادي والتسهيلات والإعفاءات المقدمة لأعضاء المؤسسة في دوائر الدولة.
فضلاً عن متابعة عبد الباسط الجناحي، المدير التنفيذي في المؤسسة بشكل شخصي لتفاصيل مشاريع أعضاء المؤسسة وفي ساعات متأخرة من الليل، مشيرا إلى ان الجناحي كان يزوره مرات عدة في المشاريع التي كان ينفذها عند الثانية بعد منصف الليل كأخ كبير باذلاً قصارى جهده لتقديم أفضل متابعة للشباب الأعضاء في المؤسسة.
مساندة ودعم لأعضاء مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب
قال علي الشعفار، مدير برنامج المشتريات الحكومية في مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب في تصريحات سابقة له بمناسبة نجاح شركة «أم دي للتصميم الداخلي» المتخصصة بأعمال الديكور والتصميم الداخلي، في تنفيذ أول مشروع لها خارج الإمارات، أن المؤسسة تعمل على تقديم كل المساندة والدعم للشركات المدرجة تحت عضويتها.
كما تعمل على تشجيع إدارات هذه الشركات لتحقيق المزيد من النمو والتطور وتوسيع نطاق عملها والانطلاق بها من السوق المحلية إلى الإقليمية والعالمية. وتحرص على توفير تشكيلة واسعة من الخدمات والاستشارات بهدف توسيع آفاق نجاح الشركات وتعزيز قدراتها التنافسية. وأضاف: «إن تكريم حاكم مقاطعة نورلات بجمهورية تتارستان لشركة «أم دي للتصميم الداخلي» يعد ثمرة عمل متواصل ومستمر، وجهد كبير بذلته إدارة الشركة التي تمتاز بإرادة صلبة وطموح كبير ساهم في تحقيق هذا الإنجاز المتميز».
الرجل يهندس البيت لتسكنه المرأة
يشير المهندس منذر درويش، مدير عام شركة «أم دي للتصميم الداخلي» إلى تفوق عدد الرجال على النساء في هذه المهنة ويرى أن هندسة الديكور تتطلب متابعة المشروع حتى ساعات متأخرة من الليل أحياناً وهذا الجهد يتلاءم مع بنية الرجل أكثر من المرأة، على رغم وجود بعض المهندسات اللواتي يعملن بشكل أفضل من أعمال الرجال أحياناً.
ويقول منذر انه تخرج من كلية دبي الجامعية منذ خمسة أعوام، وكان الطالب الوحيد بين خمس مهندسات، لم تمارس أي منهن المهنة، مشيرا إلى ان أكثر من 80% من عملائه نساء، وهو يعتقد أن الهندسة الداخلية مهنة الرجال إلى حد بعيد، قائلاً: «مثلما تطبخ المرأة ليتذوق الرجل، فإن الرجل يهندس البيت لتسكنه المرأة».
«أم دي» نحو العالمية
نجحت شركة «أم دي للتصميم الداخلي»، عضو مؤسسة محمد ين راشد لدعم مشاريع الشباب، والمتخصصة بأعمال الديكور والتصميم الداخلي، في تنفيذ أول مشروع لها خارج الإمارات، حيث أنشأت التصاميم المعمارية لمشروع إسطبلات الخيول في احد أكبر مزارع تربية الخيول في جمهورية تتارستان، إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية، كما أشرفت على تنفيذ الأجنحة الخاصة باستقبال كبار الشخصيات ضمن المشروع.
من جهته أكد منذر في تلك المناسبة بأن شركته تعمل وفق أفضل معايير الجودة المعروفة عالمياً لتحقيق أهداف وتطلعات مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب المتمثلة في توجيه التطور والنمو في قطاع الاعمال الصغيرة والمتوسطة وترجمة شعار التميز والتفوق.
48% حصة الإمارات من واردات التصميمات الداخلية في المنطقة
أدى الطلب غير المسبوق على احدث الأفكار والابتكارات في مجال التصميمات الداخلية والمفروشات وأغطية الأرضيات والجدران والمنسوجات ومعدات الإضاءة اللازمة للشقق والفلل السكنية، الذي يتواكب مع نشاط محموم يشهده قطاع البناء والإنشاءات، إلى استحواذ الإمارات على نسبة تزيد على 48% من واردات التصميمات الداخلية بالمنطقة، ووفقاً للقيمة النسبية، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا أصبحت الآن قريبة جداً من أن تتساوى مع الأسواق الناضجة والراسخة مثل أسواق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان. حيث تزيد قيمة واردات هذه الصناعة للمنطقة حالياً على 1ر4 مليارات دولار.
ومع توسع قطاع البناء والتشييد بالمنطقة، ومع تحول الهند إلى أسرع أسواق التصميمات الداخلية نمواً، تلعب دبي دور محور في هذا القطاع من خلال معرض «التصميمات الداخلية المنزلية» الذي ينظم سنوياً في مركز دبي التجاري العالمي، ويجمع مطوري المشروعات والمشترين من القطاعين العام والخاص والموردين والوكلاء والموزعين والمصنعين وتجار التجزئة.
دبي ـ ضياء عبد العال
