يشهد المجتمع اليمني في الآونة الأخيرة تحولات نوعية مجتمعية ملحوظة لم يكن متعارفاً عليها سابقاً تعكس لاشك تحولات وطنية شاملة. فقد كثرت وتزايدت محلات بيع الملابس والأحذية المستعملة في اليمن خلال السنوات الماضية على نحو غير مسبوق حتى باتت منتشرة في جميع انحاء المدن والمحافظات الرئيسية بل والفرعية بعد ان كانت عبارة عن ظواهر محدودة او نادرة الوجود ومحصورة في نطاق ضيق. وتوسّع المحلات وتزايد الاقبال عليها ليس سوى مؤشر واضح الى ان قناعات الفرد اليمني تبدلت وتغير سلوكه الاستهلاكي داخل المجتمع اليمني الذي لم يعد يمانع في شراء او ارتداء الملابس والاحذية المستعملة التي كان يرفضها ويعافها ويتأفف منها في الماضي حتى ان الكثيرين باتوا لا يستنكفون من التصريح بأن ملابسهم هي «ملابس النبد» حسب التسمية الشائعة لها في اليمن. واصبح الكثيرون الان يتزاحمون في مشهد مألوف امام محلات بيع تلك الملابس والأحذية بسبب الظروف الاقتصادية التي يعيشونها والتحولات التي عصفت بالكثير منهم وتحديداً اولئك الذين كانوا يصنفون ضمن أفراد الطبقة الوسطى من الموظفين والمحامين والصحفيين والأطباء وغيرهم اذ أصبح الكثير منهم لا يتأفف من شراء وارتداء تلك الحاجيات المستعملة نتيجة لقساوة الأوضاع الاقتصادية وتدني المداخيل. ويسجل المتابعون لتزايد انتشار محلات بيع الملابس والأحذية في اليمن ملاحظات عدة على تبدل وتغير السلوك الاستهلاكي عند اليمنيين فقبل تردي الأوضاع الاقتصادية كانت تلك المحلات محدودة الانتشار وظلت على الدوام قبلة للأجانب خاصة من بلدان المعسكر الشرقي «البلدان الاشتراكية سابقاً» حيث كان مواطنو هذه البلدان الزبائن الرئيسيين لمحلات بيع هذه الملابس الى جانب قلة من اليمنيين من الفئات الفقيرة والمعدمة او من الطلاب الدارسين في البلدان الاشتراكية الذين كانوا يقصدون محلات بيع تلك الملابس المستعملة لشراء سراويل وجاكيتات الجينز وبعض الملابس النسائية بغية حملها كهدايا الى تلك البلدان وأحياناً كانوا يقومون بشراء المعاطف الصوفية التي تساعدهم على مواجهة صقيع تلك البلدان شديدة البرودة ورغم الاقبال على هذه الملابس من قبل شريحة الطلبة انذاك فالقليل منهم كان يشتريها لغرض لبسها وارتدائها اما غالبيتهم فكانوا يقبلون عليها ويختارون ما طاب لهم منها ليقوموا بغسلها وكيها وحملها كهدايا خاصة لصديقاتهم ومعارفهم او اصدقائهم في تلك البلدان الذين كانوا بدورهم يثمنونها تثميناً عالياً ويرون فيها الهدية المفضلة والمحببة الى نفوسهم. ويعزى عزوف اليمنيين عن شراء تلك الملابس والأحذية وارتدائها في الماضي الى الظروف المادية التي كانت سائدة حيث كانت البلاد الى حدود مطلع التسعينيات لم تكن تعاني بعد من الأزمات الاقتصادية والاحتلالات المالية التي أتت على الطبقة الوسطى وحولت الكثير من افرادها الى المستويات الدنيا والى ما دون خط الفقر ولعل تزايد وانتشار مثل هذه المحلات اليوم في مختلف مناطق البلاد وشوارعها الى درجة اصبحت تنافس وتزاحم بعضها بعضاً حتى في الشوارع التي كانت تصنف محلاتها بالمحلات الراقية وبيع الملابس الراقية كما هو الحال في حي «القاع» في العاصمة صنعاء اذ ان العديد من المحلات التي كانت تبيع الملابس الجديدة وتجاري احدث الموضات والماركات تحولت الى محلات لبيع الاحذية المستعملة التي يتزاحم عليها الناس على غير المألوف للبحث عن مبتغاهم. ويقول علي أحمد بائع أحذية مستعملة في الحي الحقيقة انه بعد ان تراجعت المبيعات قررت تدارك الموقف وحتى لا أعاني من اشهار افلاسي الى فتح هذا المحل لبيع الأحذية المستعملة والحمد لله السوق على ما يرام والناس اصبحوا يفضلون اليوم شراء هذه الأحذية لجودتها ومتانتها ما يجعلها تدوم طويلاً على عكس الأحذية الجديدة القادمة من الصين وتايوان وغيرها من البلدان الآسيوية فهي لا تعمر طويلاً وكثيراً ما تتمزق ويستغني عنها بعد شهرين او ثلاثة من استعمالها فيما الحذاء الذي أبيعه في المحل والذين يقولون عنه مستعمل ثمنه يقل كثيرا عن ذلك الحذاء وبنسبة تصل في بعض الأحيان الى ثلث قيمته واحياناً ربع او اقل ويدوم لسنوات لانه صناعة اوروبية متقنة ولماركات مشهورة عالمياً ومعروفة ولا يقبل علي أحمد ان يطلق على الأحذية التي يبيعها احذية مستعملة موضحاً أنهم يخطئون من يطلقون على بضاعتنا بضاعة مستعملة فكثير منها هي جديدة وانما انتهت موضتها ويتخلص منها اصحابها بعد البيع بالتخفيض لما استطاعوا بيعه والباقي يبيعونه الى البلدان الفقيرة وهو غير مستعمل على الاطلاق مضيفاً حتى ان الاحذية المستعملة التي يبيعها فاستعمالها هو استعمال محدود لان الناس هناك اغنياء والواحد لديه عدد كبير من الأحذية ولأنهم يكبرون بسرعة تضيق عليهم الاحذية وبالتالي يتخلصون منها وهي شبه جديدة .وفي محل غير بعيد يقول تاجر اخر: الناس اليوم لم يعودوا ينفرون من شراء الاحذية المستعملة كما كانت عليه الحال في الماضي بل مع طول التجربة واكتشاف متانة البضاعة والسلعة التي يشترونها ازداد اقبالهم موضحاً في هذا الصدد ان اكثر الاحذية المباعة في محلاته هي أحذية الاطفال والنساء اما أحذية الرجال والشباب فهي بطيئة الحركة وقليلون الذين يقبلون عليها مشيراً الى ان الصنادل المباعة لهذه الفئة هي اكثر من الأحذية لكنها تظل اقل بكثير عن تلك المباعة للنساء والاطفال. الملابس المستعملة هي الاخرى تشهد اقبالاً منقطع النظير بل وبوتيرة اكبر من الاحذية ويقول علي قاسم ان اقبال الناس على الملابس اكثر من اقبالهم على الأحذية مؤكداً ان ذلك يرجع الى ان بيع الملابس المستعملة في اليمن هي اكثر قدماً من الأحذية التي لم تدخل البلاد الا خلال الاربع او الخمس سنوات الاخيرة اما الملابس فهي موجودة منذ حوالي عشرين سنة اضافة الى انها لا تثير مخاوف واشمئزاز الزبائن منها نظراً لانها قابلة للغسل والكي ما يذهب عن الزبون الشكوك والوسواس بانتقال مرض له من ارتدائها بعد غسلها وكيها على عكس الاحذية التي يصعب غسلها وحتى ان غسلت تظل شكوك الشخص من تلوثها قائمة لاسيما ان الاحذية غالباً ما تتسبب بجرح مرتديها وبالتالي يكون هناك شك في تلوثها ولهذا يحاول البعض غسلها بالماء الساخن. ويبدو علي قاسم مرتاحاً لتسويق سلعه وبضاعته من الملابس مؤكداً في هذا الصدد ان الناس يشترون جميع أنواع الملابس التي يبيعها الداخلية والخارجية النسائية والرجالية وملابس الاطفال وجميعها تعرف رواجاً كبيراً دون استثناء مشيراً الى أنه يحرص على تلبية رغبات زبائنه من كل الشرائح والأعمار. وعن كيفية حصوله على بضاعته تلك يقول عبدالسلام غالب احد بائعي الملابس المستعملة هناك تجار جملة يقومون باستيرادها من الخارج من المانيا وفرنسا وبريطانيا ومن كل البلدان المتقدمة وحتى من اليابان وكوريا وهونغ كونغ وايضا من بلدان الخليج العربي التي يستوردون منها الأثواب المستعملة بمختلف انواعها وتجار التجزئة يشترونها بدورهم منهم على هيئة «نبد» كل نبدة لها سعرها الخاص فهناك نبدة خاصة بالملابس الداخلية واخرى خاصة بالمعاطف او بملابس الاطفال او النساء او مخصصة لنوع واحد وهو البنطلونات، والنبدة هذه تكون مغلفة ويتراوح سعرها ما بين خمسة الى خمسة عشر ألف ريال يمني تبعاً لنوع الملابس ومصدرها ودرجة تصنيفها وفي الاخير يلعب الحظ دوره في هذه العملية فقد تصادف ملابس جيدة جداً وبالتالي تحقق ارباحاً كبيرة واخرى تكون بين البين وهناك بعضها تحتوي على ملابس رديئة وبالية لكن عموماً نحن نحدد الأسعار على ضوء ما ندفعه ومن النادر ان تلحق بتاجر التجزئة خسارة واذا لحقت به وهي نادرة يعوضها من نبدة اخرى وهكذا. على ان اللافت للانتباه هو رواج بيع المعاطف التي يطلق عليها اليمنيون «الأكوات» والتي تباع اما منفردة مع البنطلون على هيئة بدلة كاملة وتعرف هذه الانواع اقبالاً محموماً الى درجة ان بائعيها دأبوا على عرضها دائماً امام أشهر المحلات التجارية في العاصمة صنعاء وكادت اسعار الكثير منها تقترب من أسعار مثيلاتها الجديدة والسبب حسب المروجين والعارضين لها ان النوعيات الجيدة منها قليلة جدا ولا تحتوي «النبدة» الواحدة من مثل هذه النوعيات الفاخرة لماركات شهيرة كـ «سان لوران، باكوربان، فان جلز، بيرجاردن» وغيرها سوى على ثلاثة او اربعة معاطف وبالتالي يعوضون برفع ثمنها انخفاض اثمنة الأنواع الاخرى التي تأتي في الحزمة نفسها.