بدوي مصنوع من شمس الضحى.. موهبته في فن الكوميديا كايقاع المطر الملون بقوس قزح.. مازالت بصيرته تضيء له دورب الفن والحياة بعد ان فقد بصره، كما ان ضحكته العالية والمجلجلة لم تفقده بعد روح الشباب والمرح وروحه المشعة وخفة الظل.. هاهي تملأ المكان والأركان... صمت عشرين عاما عن المسرح والدراما لكنه ظل وفيا للشعر، فبعد الاضواء المبهرة وجد نفسه وحيدا قابعا في عالم النسيان.. لقد كان كلاسيكي النزعة لأنه فنان بالفطرة لذلك تجرأ وتمرد على بدويته فعاش حضورا فنيا لافتا وحقق نجوميته مبكرا في الوقت الذي مازال الآخرون يحلمون.. وينتظرون! هذا هو.. سلطان الشاعر «الشحفان» واسمه الحقيقي سلطان حمد علي الشامسي رغم ما أحل به ظل بحسه الصادق وموهبته الحقيقية المسكون دائما بهاجس الشعر والقادر دائما على التحليق والطيران ومازال قلبه متوهجا بالافكار والاشعار التي تتناغم عادة مع قضايا بيئته. قدم أول مسرحية محلية بعنوان «الأم» مع راشد الرضة وضاعن جمعة وآخرون أوائل الستينيات من القرن العشرين، ونالت اعجاب الناس والحكام في امارتي عجمان والشارقة، ثم تبعها بعمل اجتماعي آخر يسمى: جشع الآباء عن قضية زواج الاماراتية (الفقيرة آنذاك) بالكويتي الغني. وفي العام 1969 قدم مع ضاعن جمعة وعبيد صندل وعبدالله المطوع وجابر نغموش وسعيد بوميان والمصري سيد بدران أول دراما تلفزيونية بعنوان «سوالف بوحمود» ثم واصل هذه الرحلة بنجاح متصاعد حتى حقق النجومية الكاملة في أشهر دراما اماراتية وخليجية العام 1979 بعنوان «الشحفان». «البيان» زارته في منزله بعجمان حيث دار هذا الحوار: ـ كيف كانت النشأة الأولى والتكوين والتعليم والبدايات؟ وما هي الدوافع التي جعلتك تقتحم مجال الفن في وقت مبكر لم يكن أحد بالامارات يحلم فيه غير بالبزنس؟ ـ ولدت في عجمان في أوائل الاربعينيات تقريبا، ولم أدخل أية مدرسة، لكنني عملت في البحر مثل أغلبية سكان هذا البلد الطيب، كنت ربان سفينة صيد كبيرة تمكث في البحر عدة أيام أو أسبوع على الأقل ثم تأتي محملة بالاسماك من كل الاصناف والاشكال، أي انني خريج جامعة الحياة وتعلمت من الزمن، وعندما كانت الكويت تنعم بالبترول كنا نحن هنا لانزال فقراء نغوص ونصطاد اللؤلؤ والاسماك، ولذلك ذهب الكثير من الاماراتيين للعمل في الكويت ثم السعودية والبحرين، خصوصا بعد ان قامت اليابان بتصنيع اللؤلؤ وقضاء هذا اللؤلؤ الصناعي على حرفتنا، لكن مع بداية ظهور النفط في الكويت تحديدا أخذت العلاقات الاجتماعية بين دول الخليج تأخذ شكلا جديدا خصوصا مع انشاء تلفزيون الكويت والذي يعتبر البداية لأي فن خليجي حديث! وكانت الدوافع الحقيقة وراء دخولي عالم الفن هي نقد السلوكيات وطرح القضايا الاجتماعية القديمة والجديدة بشكل كوميدي ساخر. ـ حدثنا عن بعض هذه القضايا الاجتماعية التي شغلت الناس في هذه المرحلة كنماذج للأعمال المسرحية والتلفزيونية التي قدمتها آنذاك؟ ـ بالنسبة لمسرحية «الأم» كانت تعالج قضية زواج الأبناء والبنات بواسطة أمهاتهم وكان من العيب، بل من المستحيل ان يرى الرجل المرأة قبل الزواج، مما نتج عنه ازدياد كبير في حالات الطلاق، كما كانت تحدث مفارقات كثيرة مضحكة استخدمتها في العروض الكوميدية الساخرة، كما ان بعض الكويتيين كانوا يأتون للامارات للزواج، فقد ظهر النفط عندهم وصاروا أغنياء، بينما نحن نعمل في الصيد والأعمال اليدوية ومازلنا فقراء، فكان الآباء يبيعون بناتهم باسم هذا الزواج، فقدمت مسرحية «جشع الآباء». وفي تلك الفترة انتشرت ظاهرة شرب الخمر والادمان الى الحد الذي كان رب الأسرة احيانا يبيع «البنكه» المروحة أو فراش البيت والمكيف ليشتري الخمر، فقدمت أول سباعية تلفزيونية على شاشة تلفزيون الكويت في منطقة القصيص بدبي بعنوان «سوالف بو حمود» وتواصل تقديم الأعمال مثل «طريق الندم» و«الشقيقان» و«العقل زين» وغيرها.. الى ان قدمت المسلسل الشهير «شحفان». ـ قبل «الشحفان» أود ان أسألك عن كيفية التأليف والاخراج.. فمن كان يؤلف ومن كان يخرج مثل هذه الأعمال؟ ـ في البداية كما في مسرحية «الأم» كنا جميعا أنا وحمد بن محمد بوشهاب وربيع بن ياقوت الشاعر وراشد حمد الرضة نقوم معاً بالتأليف، وكذلك الاخراج والتمثيل، كل منّا يأتي بفكرة أو بجملة الى ان نتفق على الشكل النهائي للنص وكيف يتم تمثيله ثم في مرحلة لاحقة بدأت أنا في التأليف وحدي حيث جاء وافدنا المخرج المصري السيد بدران منذ سباعية «سوالف بوحمود» حيث تخصصت في التأليف والتمثيل، وقام هو بالاخراج، ثم جاء بعده أحمد منقوش مع مسلسل «الغوص» على شاشة تلفزيون أبوظبي الى ان كتبت مسلسل «الشحفان» وقام منقوش ايضا باخراجه في العام 1979 وبداية الثمانينيات. ـ ما فكرة هذا العمل وكيف قمت بالتأليف لعمل درامي طويل وشاق وصلت حلقاته الى الثلاثين حلقة؟ ـ لا أكذب عليك، لقد حفزني صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حفظه الله عندما طلب مني ضرورة وجود مثل هذه الدراما الرمضانية في ذاك العام، وكما تعرف فإن مفردة «الشحفان» بالعامية الاماراتية تعني الشحيح أو البخيل الذي اذا جاءه الموت فلا يفكر الا بالمال، ولقد اعتمدت في هذا المسلسل على كتاب الجاحظ «البخلاء» ونقلت عنه الكثير من نماذج البخيل المضحكة. وكان الكويتي صقر الرشود يعمل معنا كمساعد مخرج في هذا العمل الذي لاقى الكثير جدا من النجاح والشهرة ليس في الامارات فقط، بل ذاع صيته ووصلت شهرته الى السعودية والبحرين والكويت وبعض الدول العربية، وكان كبار الضيوف للامارات في هذا الوقت يطلبون مشاهدة شحفان.. وأجمل ما في العمل ان صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تدخل شخصيا لوضع النهاية، إذ طلب مني ان تضم الحلقات الخمس الأخيرة مشاهد من البدو بالزي المعروف في البر يرتدون الخناجر ويأتون بالخيول والجمال والخيم وكل مظاهر الحياة البدوية، ومكثت أفكر كيف ذلك والشحمان من سكان المدن وليس القرى، فصنعت له شخصية جديدة هي ابن العم الذي يعيش في البر ويأتي لزيارته ولاقت هذه النهاية القبول والاستحسان من صاحب السمو، وطلب مشاهدة المسلسل العديد من الشيوخ والأمراء في دول المنطقة. ـ كيف كانت علاقتك الفنية بصقر الرشود وهو من الرموز في المسرح الكويتي ولماذا لم تقدم معه عملاً مسرحياً في الامارات؟ ـ يتنهد «بو راشد» ويترحّم على الرشود قائلا: شوف طال عمرك.. لقد كان القضاء والقدر في الحادث المروري الذي توفي فيه صقر الرشود أسرع مني ومنه، ولقد صارحني أكثر من مرة بأن لديه خطة لاعدادي فنياً ومسرحياً بالتحديد لينافس بي عبدالحسين عبدالرضا الذي كان نجمه ساطعا في الكويت آنذاك، وبعد هذا الحادث بفترة وجيزة قد لا تصل الى العام ونصف العام تقريبا يشاء السميع العليم ان أتعرض أنا أيضا في رمضان من العام 1980 لحادث مروري أفقدني بصري وأقعدني في بيتي طوال أكثر من عشرين عاما حتى الآن.. انها ارادة الله ولا راد لمشيئته. ـ طوال هذه الفترة كيف كانت أوقاتك؟ ومن هم اصدقاؤك؟ ومع من تتحدث وماذا تسمع وتتابع وأنت فنان لابد لك من اهتمامات ما..؟ يبتسم ابتسامة الشحفان ثم لا يلبث ان يضحك بصوت عال ويقهقه قائلا: ـ لا أحد.. لا أحد.. ويكررها مرارا لا أحد يسأل عني لا من المسئولين ولا من الفنانين الذين كانوا يأتون اليّ أفواجاً في السابق طلبا للأدوار الدرامية أو المسرحية.. قل لهم طال عمرك الشحفان لايزال قادرا على العطاء.. نعم لديّ العديد من الآراء والافكار لو تم تنفيذها أو أنتجتها أي محطة تلفزيون لحققت النجاح مثل شحفان! ـ مثل ماذا هذه القضايا والأفكار؟ ـ مثل زمن الغوص والنفط ومثل المخدرات والكثير من الموضوعات التي لو تم معالجتها دراميا لصارت في الامارات نهضة فنية مزدهرة مثل ما كان الشحفان! ـ ولماذا لا يزورك أحد؟ وماذا تريد ان تقول لهم؟ ـ أرجوك أن تكتب عني ان الوظيفة مسئولية وخدمة للوطن والمواطن، ولقد تعرضت مؤخرا ومنذ أسبوعين لموقف مؤسف مع نائب مدير جوازات عجمان السيد محمد علوان الذي مارس معي نوعا من السلوك غير السوي، فقد كانت لي معاملة عندهم لاحضار شغالة واكتشفت بأن جواز سفري منته فعاملني بعنجهية وتكبر ورفض الموافقة على الطلب رغم ظروفي الصحية الصعبة وكبر سني، وكان يجب ان يراعي اسمي وتاريخي الفني لأن انتهاء الجواز ليس بجريمة في حق المواطن، لكن في المقابل أنا أدين بالفضل للمرحوم حمد بوهليبة وعائلته والذي تعرفت عليه صدفة في ديوان الحاكم فكان هو وأسرته معي من أكرم وأنبل الناس، ولذلك فإن الناس أجناس منهم من يقدر الظروف ويتعامل بالحسنى مع البشر ومنهم من يتكبر ويتعامل معهم من فوق مثل صاحبنا هذا! ـ لكن أنت كشاعر غنائي.. هل توقفت عن التغريد؟ وما هي أشهر أغانيك؟ ـ الشعر زادي وزوادي وغنى لي الكثيرون وأهمهم بن روغة وأهل الامارات والخليج لا ينسون لي «آه من ظبي لقيته» و«حي من لاقيت من بعد العصر» و«صافي الخدين وجناته حمر» والكثير من الاغاني والقصائد التي كتبتها على شكل حوار «بين الماضي والحاضر».. «بين البعير وسيارة الجيب».. و«بين القطة وأنا».. وغيرها من أشعار! ـ أخيرا ماذا عن حياتك الخاصة؟ ـ أنا بخير والحمد لله، وقد أنجبت 20 من الابناء والبنات توفي منهم ثلاثة وبقي لي 17 ولدا وبنتا من 4 زوجات، لكني انتهز الفرصة لأبلغ الجيل الجديد ان للفن قيمة كبيرة، وطريق الفن طويل وشاق، فهو يؤثر في المجتمع وفي الملايين من الناس، لذلك يجب ان تهتم به الدولة وبالفنانين. حوار: مسعد النجار