القصص والحكاوى عن الرئيس السوداني الاسبق جعفر محمد نميري عديدة، ومن بينها ما قيل أنه لفت انظاره في مكتبه بالأمانة العامة لمجلس الوزراء زهرة توسطت المكتب وعند سؤاله افاد العاملون بالمكتب ان الأمين العام لمجلس، الوزراء قد جلب هذه الزهرة، إلا ان نميري غضب غضباً شديداً وانتقلت الغضبة إلى اسماع كل العاملين، وطلب النميري بحمل الزهرة إلى أعلى المبنى حيث قام بقذفها وتحطمت وتناثرت محدثة دوياً هائلاً. يومها قبع العاملون في مكاتبهم ولم يخرجوا الا بعد ان تأكدوا من مغادرة الرئيس للمبنى. وكانت غضبة الرئيس مردها ان الزهرة كانت بلاستيكية في مكتب رئيس أكبر دولة عربية زراعية تمتلك 200 مليون فدان أي ما يعادل 83 مليون هكتار من الأراضي الزراعية الخصبة والمستغل منها فقط 16%. ولكن قصة الزهور لم تبدأ في السودان مع نميري انما تعود إلى اوائل عام 1934 عندما انشئت جمعية فلاحة البساتين السودانية بواسطة عدد من كبار موظفي حكومة السودان من البريطانيين والسودانيين كفرع منتسب لجمعية فلاحة البساتين البريطانية. وقبل قيام الجمعية بشكل رسمي كانت تقام معارض للزهور الحولية والورد والاراولة بقصر الحاكم العام تحت اشراف ملاحظ الجناين المقيم بالقصر والذي كانت مهمته مقتصرة على الاشراف على حدائق القصر وذلك بدءاً من العام 1930. ثم انتقلت معارض الزهور بعد ذلك من القصر إلى كل من وزارتي الزراعة والقضائية ثم حديقة القرشي. أما اليوم فقد انتشرت وراجت تجارة الزهور في السودان وتم افتتاح العديد من محال بيع الزهور المقطوفة علاوة على المشاتل التي اخذت مواقعها حتى في الاحياء الشعبية التي يعاني مواطنوها شظف العيش وانقطاع الكهرباء وتلوث مياه الشرب. اجرت «البيان» تحقيقاً حول الزهور بالرغم من ان قصتها ليست بالجديدة فقد قام الدكتور منصور خالد بتصدير الزهور من السودان إلى هولندا سيدة الزهور في العالم وقد كان منصور خالد يزرع الزهور في مزرعته البالغة خمسة افدنة ويصدرها إلى بورصة الزهور في هولندا وكان ذلك في السبعينيات، كما قامت إدارة البساتين بوزارة الزراعة بتصدير الزهور على أمل ان يلج القطاع الخاص هذا المجال. السودانيون يعايشون الزهر في حقولهم وبساتينهم ولكنهم ما زالوا يحملون حافظات الاكل زرافات وجماعات إلى المرضى من ذويهم في المستشفيات... ولكن هل آن لهم ان يحملوا بدلاً عنها باقات الورود، كما ان البيت السوداني لا يخلو من الحيوانات بكل أنواعها وخاصة الاغنام التي تعيش على الاخضر ولو كانت زهرة. سألت «البيان» المختصين عن كل هذا وغيره حيث يقول الدكتور نادر محمد عوض، الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية لـ «البيان» ان التطور الواضح في مسألة الخضرة عموماً وأماكن بيع الزهور والمشاتل التي انتشرت قد نتجت لتطور طبيعي جاء نتيجة للمجهودات المختلفة سواء اكان للعمل الطوعي او الرسمي. ففي الجانب الرسمي هنالك مجهودات كبيرة تقوم بها الهيئة القومية للغابات في مجال التشجير والخضرة وهنالك برنامج للهيئة فيما يسمى «بروجنا الخضراء» وهذا البرنامج كان له الاثر الكبير في نشر الوعي البيئي بالخضرة والزهور والجماليات. كما ان المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية بالرغم من انه حديث العهد نسبياً مقارنة بالمؤسسات الطوعية فقد تأسس في بداية التسعينيات ولكن بذل مجهوداً أكبر في تكثيف التوعية البيئية بمفاهيم الخضرة والجماليات والدليل على ذلك اللافتات التابعة للمجلس التي انتشرت في كل شوارع العاصمة تدعو للخضرة بالاضافة إلى ورش العمل والسمنارات وأجهزة الإعلام. كما ان قيام وزارة جديدة للبيئة حديثاً مؤشر إلى ان الدولة التفتت إلى أهمية قيام وزارة للتصدي للتدهور البيئي. كما ان هذا يدل على ان هنالك وعي كامل وتفهم لأهمية البيئة التي صارت واحدة من القضايا الرئيسية على مستوى العالم. أما في جانب العمل الطوعي فقد كانت جمعية فلاحة البساتين السودانية أول جمعية طوعية في هذا المجال ولها مجهودات مقدرة اذ درجت على قيام معرض للزهور السنوي، كما دخلت في الفترة الأخيرة في مجالات الخضرة والبستنة حيث تقام معارض متخصصة سواء أكان للمانجو او اسماك الزينة، وأيضاً هنالك مجهودات ضخمة قامت بها الجمعية السودانية لحماية البيئة التي تأسست في فترة السبعينيات وتركز جهودها في نشر الوعي البيئي المتعلق بأهمية التشجير والنظافة إلى جانب الاصحاح البيئي. كما اقامت الجمعية عدة معارض وندوات لرفع الوعي البيئي بين المواطنين لأهمية الخضرة العلمية والجمالية والثقافية. وقد نتج عن كل هذا وعي متقدم لدى المواطن حول أهمية الخضرة. وأتوقع ان يحمل السوداني باقة ورد في كل المناسبات، وقد بدأت هذه المسألة فعلاً والدليل على ذلك انتشار محال بيع الزهور فمثلاً فان «تمارا» وهو محل لبيع الزهور بدأ نشاطه في الخرطوم «2» ولكنه الآن توسع وصار له فروع في مناطق شعبية مثل حي برى، فتوسع بيع الزهور في مناطق نعتبرها مناطق الدرجة الأولى إلى احياء شعبية توضح ان اقبال السوداني على شراء الزهور في ازدياد واتوقع ان يزداد اكثر خلال الفترة المقبلة. خاصة وان السودان مؤهل تماماً لزراعة الزهور للتصدير حيث يتميز بمناخات متباينة كما ان هنالك مناطق تصلح لزراعة الزهور مثل مناطق جبل مرة في دارفور ومنطقة اركويت بالبحر الأحمر التي توجد بها زهور ذات روائح نفاذة إلى جانب الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة في زراعة الزهور التي يمكن ان تباع بصورة تجارية. أما تربية الحيوانات في المنازل فما زالت هذه العادة موجودة في معظم اقاليم السودان ولكن مقارنة بالسابق نجدها قد انحصرت كثيراً نسبة للفهم المتقدم للمواطن وهذه الحيوانات بالرغم من انها مهمة للأسرة السودانية ولكن التوعية خاصة بالناحية الصحية جعلتهم يفرزون لها زرائب خارج المنازل الأمر الذي يتيح الفرصة الكافية للتحفيز وزراعة الزهور داخل المنازل وهذا يعزا إلى تأثير التوعية المكثفة التي انعكست ايجاباً في المفاهيم المواطن السوداني. وتقول الخبيرة البستانية نجلاء حسن لـ «البيان» ان لديها مزارع تنتج فيها الورود والزهور المقطوفة والتي توزعها على عدد من زبائنها في الفنادق الكبرى والمستشفيات وانها متعاقدة شخصياً مع هذه المحال لمدها بالزهور اسبوعياً، لم اقم بالتصدير إلى الخارج ولكن ليس لدى مانع من ان اساهم مع اية شركة تسعى للتصدير خاصة وان هذه الشركات لديها رأسمال كبير ونحن الزراعيون عموماً على استعداد للتكاتف مع المستثمرين والشركات، خاصة واننا في السودان لدينا مساحات شاسعة يمكن ان تزرع فيها الزهور للتصدير. أما ما نراه من انتشار محال بيع الزهور فإن هذا التحول يعود أساساً إلى طبيعة الارض الزراعية في السودان، لدينا النيلين الابيض والأزرق والايدي العاملة الرخيصة ولا ينقصنا إلا رأس المال. وحالياً هنالك توعية علمية واصحاح بيئة وكل هذه الأمور تساعد في تنشيط زراعة الزهور. كما ان جمعية فلاحة البساتين السودانية لها الدور الكبير في التوعية البستانية، كما انضم اليها مؤخراً مدرسة البساتين السودانية التي تقوم كل سنتين بتخريج اعداد من الطلبة والطالبات. وقد شاركت في عدة معارض للزهور بالداخل حيث انني اشترك سنوياً في معرض الزهور السنوي باسم مشتل «السنارية» التي امتلكها، كما سبق لي ان اشتركت باسم مشتل «اولياندر» وباسم كيبس العالمية وباسم مدرسة القوز الثانوية، وقد اشتركت في معارض كلية الفنون الجميلة، وفي معرض دور النشر، ولم اشارك خارجياً ولكن السودان مؤهل للاشتراك في معارض الزهور بالخارج وقد حقق زملاء لنا نجاحات في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما ان القطاع الخاص مؤهل تماماً للاسهام في زراعة الزهور وتصديرها وانا مثلا اعمل لوحدي ونحمد لوزارة الزراعة انها تعمل على تسهيل الاستثمار في هذا المجال. واعتبر وجود الزهور في البيت السوداني دلالة على الصحة والعافية والحضارة والنقاء والرفاهية كما انها راحة نفسية للأسرة وان الفترة التي نقضيها في المنزل حول الزهور تجعل الانسان هادئاً واتمنى ان تكون هنالك زهوراً واشجاراً مثمرة في كل بيت سوداني. وبالرغم من ان هنالك البعض الذين لا يميلون إلى تقديم الزهور لانهم لم يعوا بعد معنى الزهور، فهنالك اماكن كثيرة للزهور المقطوفة والتي يمكن تقديمها كباقة زهر بمناسبة عيد ميلاد او فرح او لانسان مريض في المستشفى بدلاً عن تقديم المأكولات اذ ان تقديم باقة ورد أو شتلة او تحفة هدية للمريض يعمل على رفع الروح المعنوية للمريض ويجعله يحس ان الدنيا ما زالت بخير وعندما تقدم لمريض وردة فانك تبث فيه الحياة وقد تكون الاصابة في عضو من اعضاء جسمه وبتقديم هذه الزهرة وكأنما اعيد له هذا العضو المصاب من جسمه. ان الطبيعة والارض البكر لا يمكن ان يكون فيها النبات فقط بل فيها النبات والانسان والحيوان وكل الكائنات الحية ومادامت الارض خضراء وبها الاعشاب فهذا مدعاة لوجود الحيوان، ولكن للانسان مكانه وللحيوان حظيرته وللزهور مكانها، فالحياة لا تعني بأي شكل من الاشكال اننا نحارب الاغنام مثلاً ولن نعيش دونها طالما كان هنالك نظام وتقول نجلاء ان مشتلها «السنارية» بحي العمارات يقوم بتنسيق الحدائق وتصميم النوافير والعصافير والديكور السوداني عامة، فتنسيق الحدائق يكون على عدة انماط منها الطراز العربي أو الافرنجي والذي يعكس الحياة البيئية. وعن الحدائق التي تعكس البيئة السودانية تقول ان المشتل قام بتنسيق حديقة الدكتور عمر محمود خالد في مدينة النيل بام درمان وبها حديقة في شكل بساط أخضر وتلال من الزهور إلى جانب تشييد قطتين «وهي مباني من القش». وعبر «البيان» اوجه الدعوة لاخوتي في دولة الامارات العربية المتحدة لزيارة السودان والوقوف على البيئة السودانية كما نتمنى ان نبادلهم الزيارات. والتقت «البيان» علي محمد ابراهيم الشبلي وهو اخصائي بساتين متقاعد بالمعاش والذي يقول «كنت مسئولاً عن قسم الزينة في إدارة البساتين وان اول نباتات زينة دخلت السودان نوع من زهور الجهنمية عام 1904م ادخلها جاكسون باشا في مدينة مروى بشمال السودان وقد جلبت من حديقة الاوقاف في مصر. ودخلت نباتات الزينة إلى السودان بصورة واسعة ومنظمة بعد انشاء حديقة القصر الجمهوري حيث تم استجلاب الكثير من نباتات الزينة من كيوقاردن في انجلترا. وتم تشييد المنازل الحكومية على النمط الانجليزي فهنالك الحديقة الامامية للمنزل وبها نباتات الزينة وهنالك الحديقة الخلفية للمنزل أو ما يعرف بحديقة المطبخ ويزرع بها الخضروات. وفي فترة الاستعمار قامت جمعية فلاحة البساتين السودانية، كما بدأ عدد من المثقفين السودانيين الاهتمام باشجار الزينة وبدأوا في تنجيل الميادين وزراعة نباتات الزينة، فيما احس الجميع ان وجود الحديقة في المنزل من الممكن ان يكون عاملاً لرفع القيمة الايجارية للمنزل، وصارت الحديقة جزءاً أساسياً من البيت. أما العمال الجناينية والذين تقاعدوا بالمعاش فقد كانوا وراء قيام المشاتل حيث صاروا يقومون بهذه المهمة كعمل جانبي خاصة في منطقة الجريف باعتبارها في الاصل ارض زراعية سابقة. وبفضل الوعي الذي حدث لربات البيوت واللاتي صار لهن اهتمام بالمشاتل انتشرت مشاتل الزينة في كل احياء الخرطوم. ان اسعار بعض اشجار الزينة خرافية ولكن هنالك من يقوم بشرائها وفي فترة من الفترات كانت هنالك محاولات لتسعير نباتات الزينة وهنالك الكثيرون من الذين رفضوا هذا الاتجاه باعتبار ان اشجار الزينة تمثل ذوقاً جمالياً والسعر الموضوع مقابل زهرة مثلاً لا يعلمه إلا المشتري نفسه والذي يقدر جمال هذه الزهرة. ولهذا وقف الكثيرون ضد شعير اشجار الزينة. ان امكانية زراعة وتصدير الزهور في السودان كبيرة فهناك المياه والتربة والمناخ ونباتات الزينة لها بورصة عالمية وازهار القطف بالذات ومن كبار منتجيها هولندا التي تعتبر الرائدة في هذا المجال. لقد زاد استهلاك نباتات الزينة في أوروبا منذ عام 1997 وحتى عام 2000م بنسبة 25% وتسعى أوروبا لتغطية العجز عبر الاستيراد من منتجي الزهور في كينيا وزيمبابوي وتنزانيا وايرلندا اللاتينية ففي تنزانيا مثلاً بعض الشركات التي تقوم بتصدير الاراولة ولها مزارع تقوم بتجهيز العقل فيما يتم تجذيرها في هولندا، والسودان مؤهل تماماً للقيام بهذا الدور خاصة في ظل وجود المياه والارض والمناخ الصالح. خاصة وان زراعة الزهور لم تعد مثل الزراعة التقليدية ويمكن اعتبارها صناعة لأنه بوجود البيوت البلاستيكية والزجاجية يمكن التحكم في درجة الحرارة والرطوبة وفي كمية الاضاءة المطلوبة لذا ما عادت متروكة للظروف الطبيعية بل أصبحت صناعة. والسودان مؤهل تماماً للدخول في هذا المجال اذا تم وضع حل جذري لمشاكل الكهرباء واذا صارت هنالك استثمارات معتبرة في هذا القطاع فالأسواق الأوروبية من السهل لها ان تستورد الزهور من السودان بدلاً من استيرادها في أمريكا اللاتينية من كولومبيا والاكوادور. ان تجربة كولومبيا في زراعة الزهور فريدة والكولومبيوي كانوا يعتمدون على زراعة البن ولكن المنتج الاساسي للبن في العالم هو البرازيل الذي يتحكم في اسعاره وقد تقتضي السوق العالمية بأن تقوم البرازيل بتخفيض اسعار البن الأمر الذي تتضرر منه دول مثل كولمبيا ضرراً بليغاً. وبدأت الحكومة الكولومبية منذ الستينيات في التفكير في زراعة محاصيل اخرى بدلاً عن البن بحيث تكون أولاً ذات عائد عالي من واحدة المساحة وفي نفس الوقت تستقطب اعداداً كبيرة من العمالة، وبهذه الطريقة اصطادوا عصفورين بحجر واحد حيث وجدوا العمل لاعداد كبيرة من المواطنين الذين كانوا من الممكن ان يكونوا عاطلين إلى جانب العائد الكبير وقد ساعدتهم في ذلك الظروف المناخية في كولومبيا التي تسمح لانتاج القرنفل والكولومبيون اليوم هم المنتجون الاساسيون لازهار القرنفل، والمصدرون الأساسيون لها إلى الولايات المتحدة وأوروبا. وهذه التجارة ليست محصورة على أزهار القطف بل تدخل فيها حتى تجارة النباتات الصغيرة والتي تستعمل داخل المنازل وبعض نباتات الظل والتي يتم استيرادها من الاكوادور في أمريكا اللاتينية إلى أوروبا حيث يتم تجربتها في المشاتل وهذا ما يمكن ان نقوم به نحن في السودان وليس هنالك سبب يحول دون ذلك وكل ما نحتاجه هو التخطيط والدعم من الدولة. ان للسودان تجربة سابقة في هذا المجال في السبعينيات وبمبادرة من مدير إدارة البساتين السابق ميرغني عبدالله ميرغني اطال الله عمره وتمثلت التجربة في زراعة ازهار القلادويولس والتي تكون نورات في شكل السنبلة للتصدير والتي كانت تزرع في مزارع بالجريف ويتم نقلها عبر ثلاث سفريات في الاسبوع تقريباً إلى بورصة الزهور في هولندا وكانت اسعارها مجزية ومرضية وكان الهدف التي تسعى إدارة البساتين لتحقيقها ان تضع هذه التجربة أمام القطاع الخاص، ولكن للأسف فإن القطاع الخاص وطيلة السنوات السابقة لم يدخل هذا المجال، خاصة وان هذا العمل لا يقوم به فرد بقدر ما هو عمل استثماري منظم وعلى الدولة استقطاب مستثمرين في هذا المجال، والزهور في الفترات السابقة كانت سريعة التلف، ولكن الوضع قد تغير وصارت هنالك سبل للنقل الجوي للزهور وصارت هنالك المخازن المبررة التي تحفظ فيها هذه الزهور من درجات حرارة معينة حتى تصل إلى مواقعها وصارت هنالك المخازن المبردة التي يمكن ان تنقل هذه الزهور من مواقع الانتاج إلى ميناء التصدير وعلى كل ليس هنالك ما يمنع قيام مثل هذه المزارع للزهور. ان مصنع سكر كنانة وهو اكبر استثمار عربي في السودان يعد الآن لمشروع لزراعة الزهور والحديث عن هذه التجربة سابق لأوانه لانه من المفترض ان يخطو المشروع بعض الخطوات ثم يتم بعد ذلك تقييم التجربة، ولكن كنانة اكبر جهة لها المقدرة بالقيام بزراعة الزهور بحكم الامكانيات ونوعية الادارة الموجودة بالشركة. والمشروع الذي تفكر فيه كنانة ليس محصوراً على الزهور بل كل المحاصيل البستانية. والتقت «البيان» نصر الدين ابراهيم شلقامي رئيس جمعية فلاحة البساتين، رئيس جمعية حماية المستهلك عضو جمعية حماية البيئة، الذي استهل حديثه منتقداً محال بيع الزهور البلاستيكية ويقول انها غير مستحبة على الاطلاق باعتبار انها لا تحتاج إلى عناية بل جامدة والفرق شاسع بين ان تتعامل مع زهرة حية وتهتم بسقايتها وتسميدها وتغذيتها تماماً كما تنظر إلى أطفالك ان كانوا قد تناولوا وجباتهم أم لا، والزهور البلاستيكية ليست لي قناعة بها على الاطلاق. وفي احدى السهرات حيث استضافني التلفزيون على الهواء مباشرة هالني ان العاملين في التلفزيون قد استعانوا باعداد من الزهور البلاستيكية وقلت للمذيع معلقاً على ذلك ان وجود الزهور البلاستيكية في مرفق تعليمي مثل التلفزيون يشوه الذوق العام للمواطن ونرجو ان تستعيضوا عن ذلك بزهور طبيعية والتي يمكن قطفها حتى من حدائق التلفزيون نفسه لكي تعطي انطباعاً جميلاً يسهم في ترقية الذوق لدى المواطن. ان جمعية فلاحة البساتين هي أول جمعية طوعية في السودان وكانت تقيم معرضاً سنوياً للزهور، وقد تطورت خلال العشرة اعوام الأخيرة وأصبحت تقيم معارض مختلفة طوال العام وأصبحت تقوم بدورات تدريبية لنشر الوعي البستاني ومن تقديم النصائح البيئية والندوات والمحاضرات حول التشجير والخضرة والوعي البستاني بصورة عامة. وتوسع عمل الجمعية وأصبحت شعبية بعد ان كانت صفوية، وصارت تضم عدداً كبيراً من الموظفين والعاملين والطلاب في كل المجالات وأصبحت للجمعية فروع في كل المدن حيث ان اكبر فرع بولاية الجزيرة في ود مدني، إلى جانب فروع اخرى في رفاعة وكوستى وكسلا وبورتسودان ونيالا. ان أهداف الجمعية تتمثل في العمل على الارتقاء بهواية فلاحة البساتين وذلك برفع مستواها وتحسين انتاجها الغذائي وخدماتها التجميلية والوقائية والتظليلية، إلى جانب نشر الوعي البستاني بين المواطنين عن طريق اقامة المعارض والندوات والمحاضرات التعليمية والتعريضية، وربط اواصر الصلة محلياً ودولياً بين هواة البستنة والمتخصصين افراداً وجماعات وتشجيع زراعة الخضروات والزهور وغرس اشجار الظل والفاكهة وذلك بتقديم المساعدات الفنية والمادية ومنح الجوائز والشهادات التقديرية، علاوة على تشجيع ورعاية الجمعيات المماثلة في جميع انحاء القطر وتقديم العون لها. يتمثل نشاط الجمعية في اقامة المعارض لمختلف المنتجات البستانية حيث يقام معرض الزهور السنوي ـ على مدى 59 عاماً ـ في اواخر فبراير من كل عام ومعرض زهور الخريف ـ ابتداءاً من عام 1993 ـ الاسبوع الأول من أكتوبر من كل عام، خلال كما قامت الجمعية بتنظيم مهرجان للمانجو على مدى عامين متتاليين ـ 1995 ـ 1996 ـ كان الأول من نوعه في البلاد، كذلك نظمت الجمعية معرضاً لطيور واسماك الزينة خلال العام 1994، بالاضافة إلى اقامة العديد من الندوات والمحاضرات والعروض المتخصصة كان أبرزها استضافة خبيرتان في فن تنسيق الزهور عن الطريقة اليابانية «ايكايانا» وذلك خلال العامين «1995 ـ 1997» بالتضامن مع السفارة اليابانية بالخرطوم والحديقة النباتية. كما ان هنالك خططاً مستقبلية للجمعية والتي بدأت في مزاولة نشاطها بدارها الجديدة وجاري عمل حديقة نموذجية ومشتل تعليمي بها، كما تسعى الجمعية لعمل معرض دائم بالخرطوم في موقع سياحي لعرض الابداعات والأنشطة ذات الصلة بالعمل البستاني، إلى جانب نقل بعض المعارض إلى الدول العربية بالتضامن مع المنظمة العربية للتنمية الزراعية، علاوة على الاستمرار في اقامة المعارض المتخصصة على نمط مهرجان المانجو والقيام بتبادل ثقافي وعلمي مع الجمعيات المماثلة اقليمياً ودولياً وتم بالفعل فتح قنوات مع عدة جمعيات.