في إنجاز علمي فريد من نوعه، تجاوزت تجربة التطور طويلة المدى (LTEE) التي يقودها العالم ريتشارد لينسكي 80 ألف جيل من البكتيريا، لتصبح أطول تجربة تطور في العالم من حيث عدد الأجيال، مع تحقيق السلالات أعلى مستوى لياقة على الإطلاق.
بدأت التجربة في 24 فبراير 1988، حين قام لينسكي بتلقيح 12 قارورة بمستعمرات متطابقة من بكتيريا الإشريكية القولونية غير الممرضة (E. coli)، وفقا لما نشره موقع iflscience.
ومنذ ذلك الحين، يتم نقل 1% من نسل كل مجموعة يوميا إلى محلول سكري مخفف جديد، في عملية متواصلة مستمرة على مدى عقود، باستثناء فترة قصيرة توقف فيها العمل بسبب قيود جائحة كوفيد-19.
وتهدف التجربة لدراسة عملية التطور في المختبر على مدى طويل، وهو ما يصعب تحقيقه في الطبيعة نظرا للمدة الزمنية الكبيرة التي تتطلبها التغيرات التطورية، ومن خلال هذه العملية، يستطيع الباحثون مقارنة البكتيريا الحالية بأسلافها، وملاحظة تأثير الانتقاء الطبيعي والتكيف عبر الأجيال.
يشرح لينسكي: "هذه العينات تتيح 'السفر عبر الزمن بطريقة علمية. يمكننا منافسة الخطوط المتطورة ضد أسلافها وقياس نتائج التكيف عبر الانتقاء الطبيعي، وهو نفس العملية التي اكتشفها داروين لتفسير تكيف الكائنات مع بيئتها".
ومن أبرز نتائج التجربة، زيادة اللياقة باستمرار حتى في بيئة ثابتة، رغم أن معدل هذه الزيادة يتباطأ مع مرور الوقت.
وأظهرت الدراسات أن النمو التدريجي للبكتيريا يحدث على شكل خطوات متتابعة ناجمة عن الطفرات المفيدة الأكثر تأثيرا، بينما تُنافس الطفرات الأقل فائدة، وهو ما يعرف بالتداخل العشري.
كما كشفت التجربة عن اختلاف معدلات الطفرات بين الخطوط المختلفة، حيث تطورت ست مجموعات لتصبح "مبالغا في الطفرات" بحلول الجيل الـ50,000.
وأوضح لينسكي أن معظم نسل هذه المجموعات لا يزال خاليا من الطفرات الضارة، ما يؤكد قدرة البكتيريا على التكيف بفعالية عالية.
ويعتبر العلماء أن هذه التجربة تقدم دليلا واضحا على قدرة الانتقاء الطبيعي على تحسين كفاءة الكائنات الحية، مع منحهم فرصة لدراسة أسئلة لم يكن من الممكن الإجابة عنها بمجرد مراقبة الطبيعة، مثل سرعة التكيف والمسارات التطورية المختلفة بين المجموعات المتشابهة.
وتستمر التجربة حتى اليوم، بلا خطط لإنهائها، لتفتح نافذة غير مسبوقة على دراسة التطور في المختبر، مقدمة نموذجا حيا لكيفية تغير الكائنات الحية عبر آلاف الأجيال، وما يمكن أن تعلّمه للبشر عن القوة الكامنة في الانتقاء الطبيعي والتكيف البيئي.
