في كل عصر، يثير اختفاء بعض الأشخاص جدلا وتساؤلات لا تنتهي، خصوصا حين تختفي أسرارهم دون أي أثر. عبر التاريخ، سجلت العديد من حالات الاختفاء التي تحولت إلى ألغاز غامضة لم تُحل بعد، بعضها أصبح أساطير يرويها الناس.
تعود أقدم الحالات المسجلة في أمريكا إلى عام 1587، حين حاول أكثر من مئة مستوطن إنجليزي الاستقرار على جزيرة روانوك قرب سواحل كارولاينا الشمالية. غادر حاكم المستعمرة جون وايت إلى إنجلترا لجلب الإمدادات، لكنه لم يتمكن من العودة إلا بعد ثلاث سنوات بسبب الحرب. عند عودته، كانت المستعمرة قد اختفت تماما، ولم يُعثر سوى على كلمة "Croatoan" محفورة على عمود خشبي. هل قُتل المستوطنون على يد قبيلة محلية تحمل الاسم نفسه؟ أم حاولوا العودة إلى الوطن بمفردهم؟ الغموض لا يزال قائما.
وفي حالة مشابهة، اختفى الطفل كايرون هورمان البالغ سبع سنوات من مدرسته في بورتلاند، أوريغون في الولايات المتحدة الأمريكية، عام 2010 بعد معرض علمي. أثارت القضية اهتماما إعلاميا واسعا بسبب أحداث غريبة، أبرزها فشل زوجة أبيه مرتين في اختبار كشف الكذب، وشكوك حول محاولتها للتخلص من زوجها، رغم مرور سنوات، لم يُعثر على كايرون، ولا تزال القضية لغزا محيرا، وفقا لموقع Espresso.
أما جيمي هوفا، زعيم اتحاد Teamsters الشهير في الولايات المتحدة، فقد اختفى بشكل غامض في 30 يوليو 1975، أثناء ذهابه للقاء مع شخصيات من عالم الجريمة المنظمة في ديترويت، ميشيغان. رغم محاولات البحث والتحقيقات المكثفة، لم يُعثر على جثته قط، وأُعلن رسميا عن وفاته في عام 1982. يُرجح أن اختفاءه كان نتيجة صراعاته مع المافيا الأمريكية، وأصبح اختفاؤه رمزا للغموض المرتبط بالجريمة المنظمة في الولايات المتحدة.
كذلك، اختفت الطفلة البريطانية مادلين مككان عام 2007 أثناء عطلة عائلتها في البرتغال، ما أثار تكهنات حول سبب تركها وأشقائها التوأم بمفردهم، وجرى الشك بالوالدين لفترة، لكن مادلين لا تزال مفقودة حتى اليوم.
أما في سماء الحروب، ففي 16 مارس 1962، اختفت طائرة تابعة لشركة Flying Tiger Line من طراز Lockheed L‑1049H Super Constellation، تحمل 107 أشخاص، بينهم 93 جنديا أمريكيا، أثناء رحلتها من جزيرة غوام باتجاه الفلبين. أُبلغ عن فقدان الاتصال بالطائرة بعد تحليقها فوق المحيط الهادئ، ورُصد ما بدا كـ «انفجار في الجو» من قبل ناقلة نفط مدنية، على الرغم من أكبر عملية بحث جوي وبحري حتى ذلك الوقت، لم يُعثر على أي حطام أو ركاب، السبب الدقيق للحادث لم يُعرف، لتظل الرحلة واحدة من أكبر الألغاز في تاريخ الطيران العسكري والمدني الأمريكي.
في 5 ديسمبر 1945، اختفت الرحلة 19، وهي مجموعة من خمس طائرات تدريب تابعة للبحرية الأمريكية من نوع Grumman TBM Avenger، خلال مهمة تدريبية فوق مثلث برمودا. انطلقت الطائرات من قاعدة فورت لودرديل الجوية في فلوريدا، وكان على متنها 14 طيارا، معظمهم مبتدئون.
أثناء الرحلة، فقد الطيارون اتجاههم بسبب ظروف جوية صعبة وأخطاء في الملاحة، مما أدى إلى انحرافهم عن مسارهم. آخر الاتصالات أشارت إلى نفاد الوقود واحتمالية الهبوط في البحر، ولكن لم يُعثر على أي من الطائرات أو الطاقم.
لاحقا، تحطمت طائرة إنقاذ أثناء محاولة البحث عنهم، ما زاد الحادث غموضا وأدى إلى ارتباطه بأسطورة مثلث برمودا. يظل حادث الرحلة 19 أحد أشهر حوادث الطيران البحري الغامضة في التاريخ.
وعلى متن السفن والطائرات، بقيت حوادث مثل اختفاء السفينة "ماري سيليست" عام 1872 التي عُثر عليها بلا طاقم، وحالة اختفاء الطيارة الشهيرة أميليا إيرهارت عام 1937 أثناء عبورها المحيط الهادئ، من أكثر الألغاز المحيرة.
حتى العصر الحديث، لم يسلم العالم من الغموض، كما حدث مع رحلة ماليزيا الجوية MH370 عام 2014، التي اختفت وعلى متنها 239 شخصا، ولم يُكشف السبب وراء اختفائها بالكامل، على الرغم من العثور على بعض الحطام في المحيط الهندي.
من مثلث برمودا إلى المحيط الهادئ، ومن حالات الأطفال المفقودين إلى اختفاء الطائرات، تظل هذه الحوادث شاهدة على أن الغموض قادر على تحدي البحث البشري، لتبقى بعض الألغاز من أكثر الأمور إثارة للرعب والفضول في التاريخ.
