في مشهد طبيعي نادر يجمع بين الغموض والجمال والخطر، يواصل نهر "شاناي-تيمبيشكا" في أعماق غابات الأمازون البيروفية إثارة دهشة العلماء والسكان المحليين على حد سواء، إذ تصل درجة حرارة مياهه إلى أكثر من 90 درجة مئوية، وأحيانا تبلغ نقطة الغليان الكاملة، ما جعله يُعرف بـ"النهر الذي يحرق كل شيء".
النهر، الذي تعني تسميته بلغة السكان الأصليين "المغلي بحرارة الشمس"، يشكل ظاهرة طبيعية فريدة لوقوعه في منطقة "مايانتوياكو" التي تخلو تماما من أي نشاط بركاني، في وقت تُعزى فيه ظواهر مماثلة حول العالم عادةً إلى الحرارة البركانية كما هو الحال في آيسلندا أو يلوستون. هذا الغموض الجيولوجي يجعل من "شاناي-تيمبيشكا" أحد أكثر الأنهار إثارة للجدل في العالم، إذ يغلف البخار سطحه باستمرار في مشهد سريالي، وفقا لموقع sustainability-times.
ويحذر عالم الجيولوجيا أندريه روزو، الذي أجرى دراسات واسعة حول النهر، من خطورة مياهه قائلاً: "إذا وضعت يدك فيها، سترى حروقا من الدرجة الثانية أو الثالثة خلال ثوانٍ معدودة".
ويشير روزو إلى أن الحيوانات التي تسقط في النهر عن طريق الخطأ تفقد بصرها وقوتها بسرعة قبل أن تنفق من الداخل، ما يجعل هذه البيئة قاتلة لأي كائن حي يقترب منها دون حذر.
الحرارة الهائلة للنهر لا تهدد الكائنات فحسب، بل تُحدث كذلك تغييرات بيئية ملحوظة في الغابات المحيطة. فقد أظهرت الدراسات أن المناطق الأقرب إلى النهر تحتوي على نباتات أقل، وبعض الأنواع اختفت تماما. وتبدو الغابة المجاورة له أقرب إلى أراضٍ شجرية جافة، بعدد أقل من الأشجار الطويلة وغطاء نباتي أقل كثافة، بينما تغطي الأرض طبقة من الأوراق الجافة الهشة، ما يشير إلى تحول بيئي حاد في النظام الإيكولوجي المحلي.
ويصف رايلي فورتير، طالب الدكتوراه في جامعة ميامي الذي استكشف المنطقة عام 2022، الظروف المحيطة بالنهر بأنها "مختبر طبيعي" لدراسة آثار تغير المناخ، مشيرا إلى أن العمل الميداني هناك "يشبه العمل داخل ساونا" بسبب الحرارة والرطوبة الشديدتين. وتوفر هذه التغيرات مشهدا مصغرا لما قد تواجهه غابات الأمازون في المستقبل إذا استمرت درجات الحرارة العالمية في الارتفاع.
إلى جانب الأبحاث العلمية، يحيط بالنهر بعدٌ أسطوري عميق الجذور في ثقافة السكان الأصليين، الذين يعتقدون أن "شاناي-تيمبيشكا" من صنع روح أفعى عملاقة تُعرف بـ"ياكوماما" أو "أم المياه"، وهي كيان مقدس يتحكم في المياه الدافئة والباردة. ورغم أن العلماء يرجحون أن حرارة النهر ناتجة عن تسرب مياه الأمطار عميقا في باطن الأرض عبر الشقوق الجيولوجية حيث تسخن قبل أن تعود سريعا إلى السطح، فإن الأسطورة لا تزال حاضرة بقوة في الوعي المحلي.
ويؤكد العلماء أن دراسة "شاناي-تيمبيشكا" تمنحهم فرصة نادرة لفهم تأثيرات تغير المناخ على النظم البيئية، إذ تمثل بيئته القاسية نموذجا لما قد يحدث لغابات الأمازون مع استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري.
وبينما يواصل هذا النهر المغلي إثارة التساؤلات حول أصوله وتأثيراته، يبقى شاهدا حيا على تعقيد العمليات الطبيعية وهشاشة التوازن البيئي، ودليلا على أن أسرار الأمازون لم تُكتشف كلها بعد.
