تحت رعاية وبحضور الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، انطلقت مساء أول من أمس، فعاليات الدورة الثانية من مهرجان تنوير في صحراء مليحة بالشارقة، لتبدأ احتفالية ملهمة تتواصل على مدار ثلاثة أيام تجمع بين الفن والموسيقى والتراث والتواصل الإنساني.
وتحت شعار «ما تبحث عنه يبحث عنك» المستلهم من حكمة جلال الدين الرومي الخالدة، استقبل المهرجان ضيوفاً من مختلف أنحاء العالم لحضور حفلات موسيقية تحت النجوم، والاستمتاع بتجارب فنية وإبداعية ملهمة تتوزع عبر أربع مساحات أدائية غامرة.
وضمن أفق الصحراء الممتد في موقع الفاية التاريخي المدرج حديثاً ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، أكد حفل الافتتاح رؤية «تنوير» في جمع المواهب العالمية حول قيم الارتباط بالتراث والذاكرة الثقافية والإبداع الجماعي. وفي كلمتها الافتتاحية، قالت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، مؤسسة مهرجان تنوير: «نجتمع في صحراء مليحة لنتوقف ونتواصل ونجد السكينة بعيداً عن صخب العالم واضطرابه.
يقول لنا جلال الدين الرومي إنه عندما نصقل مرآة قلوبنا، نعيد اكتشاف النور الذي لطالما كان في داخلنا. أملي وإيماني أن يتيح تنوير لكل منا ذلك، لحظة من الصفاء والحضور والتجديد»، مشيرة إلى أن الفنون والموسيقى والثقافة تنقي العقول والقلوب. وكانت كلمة الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي في مهرجان «تنوير» مصحوبة بموسيقى خلفية لعازف السنطور العراقي أزهر كبة.
28
ويقدم المهرجان أكثر من 28 عرضاً أدائياً مؤثراً يحييها أكثر من 183 فناناً من 23 دولة، وذلك على أربع مساحات أدائية، تتمثل في المسرح الرئيسي، وشجرة الحياة، والقبة، والسوق.
ويتضمن برنامج المهرجان أيضاً 9 ورش عمل غنية بالمعرفة يشرف عليها مختصون عالميون، و11 تركيباً فنياً غامراً تحوّل الصحراء إلى معرض حي للتأمل والإبداع. كما يمكن للجمهور تجربة أطباق متنوعة عبر 17 مطعماً، و14 محلاً حرفياً في السوق، إضافة إلى 9 أنشطة تفاعلية تشمل مراقبة النجوم واستكشاف الصحراء والجولات الأثرية الإرشادية التي تعمق الارتباط بالمكان وسرديته.
فعاليات ليلة الافتتاح
احتضن المسرح الرئيسي، قلب المهرجان النابض، عروضاً تربط الأصالة بالمعاصرة، أتاحت للجمهور فضاء مشتركاً للإصغاء والتأمل، فقد شهدت ليلة الافتتاح عروضاً فنية متنوعة، تميزت بأعمال الإضاءة الخطية للفنان العالمي جوليان بريتون التي مزجت بين التقنية الحديثة والجماليات التراثية، بصحبة الموسيقيين أوليفر ميلشبرغ، ومحمد النوما. كما أحيت المغنية الفلسطينية آية خلف بعد ذلك فقرة غنائية لامست الروح، حيث استحضرت فيها الأغاني التراثية الأصيلة، ثم تألقت التقاليد الموسيقية الهندية بأداء نابض بالحياة قدمته فرقة روح النور.
بإشراف وإرشاد من أي. آر. رحمان، وتحت قيادة خديجة رحمن، أضافت الفرقة الغنائية النسائية المكونة من ست عضوات سيمفونية ساحرة ونبضاً من موسيقى البوب السينمائية والمعاصرة إلى الأمسية بأصواتهن المتنوعة. كما قدّم الملحن الشهير وصاحب الرؤية الموسيقية المبدعة أي. آر. رحمان، الحائز جائزتي أوسكار وغرامي، مجموعة من ألحانه التي جسّدت مزيجاً موسيقياً فريداً، أمتع فيها الجمهور بأداء رائع لمقطوعة «أجنحة الحب».
وعند مسرح شجرة الحياة، عزفت فرقة «ناس الغيوان» المغربية، التي تُعد من أبرز الفرق المؤثرة في المشهد الغنائي العربي وتلقب بـ«رولنج ستونز أفريقيا»، إيقاعاتها التراثية العريقة، محققة تجانساً موسيقياً نادراً مع أجواء الصحراء الساحرة، ما عمّق ارتباط الجمهور بالمكان وروحه الثقافية الأصيلة.
أما منطقة القبة المصممة لتكون حاضنة للتأمل والتجارب المشتركة، ففتحت أبوابها على عالم من الإبداع والدلالات العميقة، داعية الضيوف إلى الانخراط في رحلات اكتشاف ذاتية وجماعية، بينما ازدهر السوق، الواجهة المجتمعية للمهرجان، بالحرفيين ورواة القصص والموسيقيين.
تراكيب فنية غامرة
وعلى امتداد أيام مهرجان تنوير، سيتسنى للجمهور مشاهدة 11 تركيباً فنياً غامراً تحوّل الصحراء إلى معرض ديناميكي للتراث الثقافي والاتصال العميق بالطبيعة. تدمج هذه الأعمال بين الهندسة والمادة والسرد لربط الماضي والحاضر والمستقبل ضمن المشهد الطبيعي القديم لمليحة.
ويمتد المهرجان ليشمل المنظر الطبيعي والأثري في مليحة عبر جلسات مراقبة النجوم التي يشرف عليها خبراء، واستكشافات الصحراء، وجولات مركز مليحة الأثري والمواقع المحيطة. كما تضفي رحلات ركوب الخيل عبر المناظر الخلابة وسفاري صخرة الأحفور والتنقل بمركبة يونيموغ المخصصة، مزيجاً إضافياً يثري تجارب الضيوف عبر فضول المعرفة ومتعة الحركة، لتحوّل الطبيعة إلى فصل دراسي حي.
يرحب مهرجان تنوير 2025 بالجمهور الدولي ووسائل الإعلام لمشاهدة ريادة الشارقة الثقافية عن قرب، حيث يلتقي الشرق بالغرب، والأصالة بالابتكار، وتتحول آفاق الصحراء إلى مسرح لعروض تتحدث بلغة إنسانية واحدة.