استضاف معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025 أمسية موسيقية استثنائية قدّمها المايسترو اليمني محمد القحوم، في إطار مشروعه الموسيقي «السيمفونيات التراثية» الذي يسعى من خلاله إلى إعادة صياغة الذاكرة اليمنية بمنهج فني يجمع التراث المحلي بالبناء الموسيقي العالمي، وحضر الحفل جمهور غفير من عشاق الموسيقى اليمنية الأصيلة، وتفاعلوا بحماس مع الأغنيات التي قدمتها الأوركسترا على مدار ساعتين.

انطلقت الأمسية بلحظة دخول محمّلة بالروح الغنائية اليمنية الشعبية، إذ تجولت فرقة الإيقاع بين الجمهور بعزف «الهاجر» و«المراويس» على إيقاع الدان الحضرمي، مضيفة حميمية ودفئاً جعل الحضور يشعر كأن العرض ينبع من قلب المكان نفسه. ثم تصاعدت الألحان بوصول الناي والعود، مقدمين مقدمة سينمائية رقيقة مهدّت لبداية الغناء مع أغنية «شلون حال الربع» لأبو بكر سالم، بأداء الفنان حسين عثمان.

اعتمد الحفل على دمج الإيقاعات اليمنية الأصيلة مع بنية أوركسترالية متكاملة استخدمت فيها آلات غربية كالكمان والتشيلو والفلوت إلى جانب العود والناي والطبول، بهذا التزاوج بين الشرق والغرب، قدّم القحوم نموذجاً فنياً يحقق معادلته الأصعب؛ تراثاً لا ينفصل عن جذوره، لكنه يتنفس في فضاء عالمي.

الأمر الذي عزّز قيمة الأمسية هو اختيار المقطوعات بعناية لتعبّر عن التنوع الجغرافي الموسيقي لليمن، فقد حرص القحوم على أن تمثل كل أغنية منطقةً أو لوناً غنائياً يحمل ذاكرة خاصة، وجاءت الأغنيات الحضرمية في مقدمة المقطوعات، مثل «سر حبي فيك غامض» لأبو بكر سالم، وبعدها «لحظة لم تنس» من تأليف القحوم نفسه، و«نعيش البقّارة» من أغاني المزارعين القائمة على الإيقاع الحضرمي الذي يتسم بالثبات والعمق والنشاط، وقد منحتها الأوركسترا طابعاً رقيقاً؛ زاد من حضور الهوية الإيقاعية فيهما، وأدهش الحضور.

أما الأغنيات ذات الجذور التهامية والجنوبية مثل «ألا يا طير» و«رشّوا العطور» فقد حملت طابعاً احتفالياً نابضاً، وامتدت الرحلة إلى الأغنية الصنعانية ذات الإرث التاريخي الطويل من خلال أعمال مثل «متيم في الهوى» و«قال بن صالح» الذي أداها الفنان اليمني الشاب سالم فدعق، وهي ألوان تتسم بالزخارف اللحنية الدقيقة، وقد أعاد القحوم تقديمها بتركيب أوركسترالي أبرز جمالياتها المقامية. كذلك حضرت الأغاني الشمالية بطابعها الشجي مثل «ربوع الشمال» و«مضى عمري» بأداء عمر هادي، والتي كشفت عن عمق الحس العاطفي في غناء تلك المنطقة.

وتفاعل الجمهور مع الحفل، حيث ردد بعض العبارات الإيقاعية القصيرة وتمايل مع الإيقاعات الحضرمية والعدنية، ما حول الأمسية إلى مساحة تجمع بين الثقافة والتواصل العاطفي.