تحولت دبي إلى وجهة لصناع ونجوم السينما الهندية من أجل ترويج أعمالهم السينمائية الجديدة، في حين أن أبوظبي احتضنت هذا العام حفل توزيع جوائز الأكاديمية الدولية للفيلم الهندي (آيفا) السينمائية، إلى جانب احتضانها تصوير العديد من الإنتاجات الهندية، وذلك بفضل ما تمتلكه الإمارات من مزايا تخدم السينما الهندية وطموحاتها المستقبلية.
مئة عام ونيف هو عمر السينما الهندية، لم تصب بأمراض الشيخوخة، وإنما حافظت على عودها قوياً وشاباً، حيث ماكينتها لا تتوقف عن الحركة أبداً وإنتاج الحكايات، وتطل علينا سنوياً بأكثر من ألفي عمل بلغات وحبكات وألوان مختلفة، استطاعت أن تبهر أهل الهند ونحن معهم أيضاً، واستطاعت إيقاعنا في «شباك هواها»، حتى عرفنا أسماء أبطالها وحفظنا أغنياتها، واستعراضاتها أيضاً، التي تشبه تماماً «رقصات وألوان مهرجان هولي فاغوا، الذي يحتفي بميلاد الربيع في بلاد الهند ونيبال وبنغلاديش وسيرلانكا وباكستان، وكلها بلاد توسعت فيها بوليوود، وتجاوزت حدودها نحو العالم، ومنها الإمارات التي احتضنت خلال السنوات الأخيرة تصوير مشاهد مجموعة كبيرة من الأعمال الهندية، وهو ما تبينه إحصائيات لجنة دبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي، التي تشير إلى استضافة دبي خلال 2021، أعمال تصوير 5 مشاريع هندية، تجاوز حجم ميزانياتها حاجز 5 ملايين درهم.
وفي السياق نفسه، باتت منطقة الشرق الأوسط تشكل ما بين 35 – 38% من إجمالي الإيرادات العالمية للأفلام الهندية في الخارج، مقارنة بـ7 % فقط في عام 2004، لتغدو المنطقة السوق رقم 1 بالنسبة للأفلام الهندية في الخارج، وذلك وفق تقارير تداولتها وسائل الإعلام في نوفمبر 2020، والتي أشارت فيها إلى أنه تم عرض الأفلام التي صورت في الإمارات في دور السينما بأكثر من 90 دولة، من بينها الأمريكيتان، والمملكة المتحدة، وأوروبا، والمنطقة الأسترالية الآسيوية، وبلدان الشرق الأوسط.
«إمبراطورية بصرية» وصف ينطبق تماماً على السينما الهندية، التي تمتاز بضخامة صناعتها، لدرجة باتت فيها أي صناعة مماثلة تتمنى أن تحظى بنصف حجمها، وأن تظل في الوقت ذاته حافظة لقوتها وجاذبيتها وما تتضمنه من بريق ساحر.
وعلى مدار السنوات استطاعت «الإمبراطورية البصرية» اختراق الواقع الهندي نحو جغرافيات عربية، ومعها الإمارات التي تحولت بين لحظة وضحاها إلى أحد الفروع الثرية لهذه الصناعة، التي راكمت مع مرور الوقت أفلاماً وبرامج ومسلسلات لا تزال تسكن في الذاكرة، مستفيدة مما تمتلكه من صالات عرض وشركات إنتاج واستوديوهات تصوير، وإعلام متخصص في الشأن السينمائي مكنها من تمرير منجزها السينمائي، ليبدو إن اقتحام بوليوود التي تنتج أفلاماً تنطق بأكثر من 50 لغة محلية أهمها: الهندية، والتاميل، والمالايالام، والبنغالي، والأوردو، والبنجابي، والمليبارية، والتيلوغو وغيرها، مخيّلة العالم أجمع لم يحدث صدفة، ولم يكن عشوائياً، وإنما نتيجة مباشرة لتنبه شركات الإنتاج للدور المهمّ الذي تقوم به هذه السينما في العالم، ولعل ذلك ما يبرر تصريحات الممثلة الهندية ديبيكا بادكون، التي نطقت بها أثناء تواجدها في الجناح الهندي المشارك بالدورة الـ 75 لمهرجان كان السينمائي 2022، حيث قالت: «الهند على أعتاب العظمة، هذه مجرد البداية، أمامنا الكثير لنقطعه كبلد، أشعر بالفخر حقاً كهندية، ولوجودي هنا ولأمثل البلد»، مضيفة: «لدينا المواهب، أعتقد حقاً أنه سيأتي يوم لن تضطر فيه الهند إلى أن تكون في كان، بل كان ستكون في الهند».
أبواب وحضور
الإمارات لم تكن بمنأى عن المنجز السينمائي الهندي، ففي لحظة من الزمن تحولت إلى جزء من السرد الروائي لحكايات أفلام بوليوود، خصوصا بعد أن فتحت دبي وأبوظبي أبواب مواقعها لتصوير الأفلام الهندية، لتزيد هذه الأعمال من قوة وحضور دبي وأبوظبي على خريطة السينما العالمية، بفضل نوعية التسهيلات التي تقدمها لهذه الأفلام، وبكونها تشكل موطئ قدم لشركات الإنتاج السينمائي الهندي، فضلاً عن كونها أصبحت موطناً لنجوم بوليوود، الذين أقاموا ولا يزالون فيها، وكذلك مقراً لحفل توزيع جوائز الأكاديمية الدولية للفيلم الهندي (آيفا) السينمائية، الذي أقيم هذا العام على مسرح اتحاد أرينا بجزيرة ياس في أبوظبي.
العارفون بشؤون الفن السابع، وعشاق الأفلام، يدركون أن التواجد الكثيف لأعمال بوليوود في الإمارات ليس غريباً، وإنما هو نتيجة طبيعية لما راكمته خلال السنوات الماضية، من حضور في أروقة الصالات المحلية، وعلى الشاشات الصغيرة، مستفيدة من انفتاح الإمارات على ثقافات الدنيا ومن بينها الهند، الأمر الذي جعل منها سوقاً خصبة لاستقطاب إنتاجات بوليوود، ليس عرضها فقط وإنما تصويرها أيضاً.
اتساع رقعة تعلق نجوم بوليوود في دبي بشكل خاص والإمارات عموماً، إنما يفتح العيون على حجم اتساع دائرة عروض أعمال بوليوود في صالات الإمارات ذات الخمس نجوم، الأمر الذي يثير سؤالاً عن الأسباب التي جعلت من الإمارات سوقاً خصبة، ترغب فيها شركات توزيع الأفلام الهندية، وكذلك استوديوهات بوليوود، وهو ما يبرره الناقد والمخرج السينمائي حمد الريامي، بقوله إن «السينما الهندية عريقة، وعمرها مديد»، موضحاً أن السينما الهندية انتشرت بشكل واسع في العالم بشكل عام ومنطقة الخليج ومصر والمغرب وبيروت بشكل خاص خلال الفترة الممتدة من الأربعينيات وحتى الستينيات، والتي وصفها بقوله «الفترة الذهبية».
ويقول الريامي الذي يعترف بأنه أحد صناع الأفلام الذين تأثروا إيجاباً بإنتاجها المختلف: «تأثرنا في الإمارات بالسينما الهندية، بدأ بعد توسع اهتمام مجموعة من صالات السينما المحلية بتقديم عروض مكثفة للأفلام الهندية، مثل سينما ألدورادو في أبوظبي، وهناك صالات أخرى انتشرت في بقية إمارات الدولة، وفضلاً عن ذلك فقد ساهمت القنوات التلفزيونية المحلية، بتوسيع دائرة انتشار الفيلم الهندي محلياً، وذلك من خلال قيامها في فترة الثمانينيات وبشكل أسبوعي بعرض فيلم هندي، وهو ما أحدث تزاوجاً بين ثقافتنا المحلية والثقافة الهندية».
هل الإمارات سوق مهمة بالنسبة للسينما الهندية؟
سؤال يطرح نفسه دوماً، كلما فتح الحديث عن بوليوود، وبحسب وجهة نظر الريامي، فإن دبي وأبوظبي تحديداً تمثلان سوقاً مهمة لبوليوود. ويقول: «السوق الإماراتي يلعب دوراً مهماً في السينما الهندية، وهو يعد من الأسواق الأولى التي يصلها الفيلم الهندي، وفي أحيان كثيرة، تعرض الإنتاجات الجديدة في الصالات المحلية قبل عرضها في الهند نفسها، بسبب اختلاف نهاية الأسبوع بين الإمارات والهند»، ويضيف الريامي: «السوق الإماراتية مهمة جداً لموزعي الأفلام الهندية، لما تحمله من قوة شرائية عالية، وتوسع مستمر في عدد صالات السينما وحداثتها، الأمر الذي يجعلها وجهة مهمة لهم، تلعب دوراً مهماً في رفع إيرادات شباك التذاكر، وبالتالي ترفع من نسبة أرباح الأفلام، بالنظر إلى حجم محبي الأفلام الهندية الموجود على أرض الإمارات»، مؤكداً في الوقت ذاته، أن الكثير من صناع الأفلام الإماراتية تأثروا إيجاباً بإنتاجات بوليوود.
مشاريع مصورة
السينما والإعلام المرئي والمسموع والمطبوع، والموسيقى، والفيديو تمثل إحدى الأعمدة الرئيسية التي يقوم عليها الاقتصاد الإبداعي في دبي، التي فتحت أبوابها أمام تصوير إنتاجات بوليوود، وفي هذا السياق، تشير إحصائيات لجنة دبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي، إلى أن استضافة دبي خلال العام الماضي، أعمال تصوير 5 مشاريع هندية، تجاوز حجم ميزانياتها حاجز 5 ملايين درهم، بينما استغرق تصويرها نحو 33 يوماً. لكن بوليوود لم تقصد دبي فقط لتصوير أعمالها وعرضها في صالاتها المحلية وحسب، وإنما عملت على ترويجها أيضاً بين جنبات الإمارة، ففي فبراير 2021، احتفل الممثل الهندي كيتشا سوديب، بإتمامه ربع قرن من هيمنته على صناعة السينما الناطقة باللغة الكاندية، آنذاك اختار واجهة برج خليفة، لعرض مشاهد كليب فيلمه «فيكرانت رونا» (Vikrant Rona) للمخرج أنوب بهانداري، حينها كتب عبر حسابه على انستغرام: «إذا كنت كبيراً، فاذهب مع الأكبر»، ورغم أنها المرة الأولى التي تشهد فيها واجهة برج خليفة عرضاً لمشاهد «تريللر» فيلم هندي، إلا أن منطقة البرج الأطول في العالم، سبق لها أن تحولت إلى مسرح لأحداث أفلام هندية كثيرة، ففي ظلاله صورت مشاهد الفيلم الهندي «ويلكم باك» من بطولة الممثل ابرهام أنيل كابور، وكذلك فيلم «لاكشمي» الذي لعب بطولته أكشاي كومار، حيث أطلق حينها لجمهوره عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحدياً خاصاً لأداء أغنية «برج خليفة» التي لعبت دور البطولة في فيلم «لاكشمي»، وفي جنبات المنطقة ذاتها، مر شاروخان أيضاً، حيث وضع نجمته على أرض «وسط مدينة دبي»، وصور مشاهد عدة من أفلامه هناك، ومن قبلها كان قد اختار شاروخان ورفاقه وعلى رأسهم المخرجة فرح خان، أروقة فندق اتلانتس ومحيطه لتصوير «هابي نيو يير»، ليكون واحداً من أبرز الأعمال الهندية التي استضافت دبي تصوير مشاهدها، حيث شكلت دبي آنذاك «جزءاً من السرد الروائي للفيلم»، وفق تصريحات مخرجته فرح خان التي أدلت بها إبان إطلاق الفيلم في 2013.
علاقة وثيقة
كثر هم نجوم بوليوود الذين يرتبطون بعلاقة وثيقة مع دبي، من بينهم شاروخان الذي صور فيها على الأقل 4 أعمال، من بينها «رئيس» و«زيرو»، ولا يكف شاروخان في كل مرة عن الاحتفاء بعلاقته مع دبي، التي تعود وصفها بـ«بيته الثاني»، حيث يعيش فيها وأطفاله الذين كبروا وتربوا في أحضانها، والأمر كذلك ينسحب على زميله سلمان خان، وكذلك أنيل كابور، وشيلبا شيتي، وأشوريا راي، وأيضاً ابيشيك باتشان، وسانجاي دوت، وكاناك باندي، وغيرهم.
الخبراء في الإنتاج السينمائي والدرامي، ومعهم الفنيون والمخرجون وحتى كتبة السيناريوهات، يدركون جيداً، كيف تستطيع دبي تغيير جلدها، ويعرفون تماماً مدى قدرتها على توفير مواقع مختلفة، تتوافق مع نوعية المشاهد المطلوبة، مواقع قادرة على استيعاب حركة الكاميرات ودورانها، ولها قدرة على ارتداء أي ثوب يختارونه، إن كان هندياً أم عربياً أم غير ذلك، بدليل مجموعة مشاهد فيلم «مهمة مستحيلة: بروتوكول الشبح» لتوم كروز، والتي صورت في بهو فندق زعبيل سراي بنخلة جميرا، التي ارتدت حلة هندية، ليبدو المكان وكأنه جزءاً من مدينة مومباي التي تعد المدينة الأكثر إنتاجاً للأفلام في الهند، فهي موطن بوليوود الأصلي، ونصيبها من كعكة الأفلام الهندية عادة تكون الأعلى، حيث لا تقل عن 350 عملاً سنوياً، بينما تعد مدينة راموجي للسينما في حيدر أباد، أكبر استوديو للسينما في العالم، حيث يوجد فيها على الأقل 40 بلاتوه داخلياً و200 بلاتوه خارجي، ويعمل فيها أكثر من 7000 شخص.
