قبل ثلاث سنوات، شهدت بلدة هادئة في تشيلي انهياراً مفاجئاً للأرض، حيث فتحت حفرة عملاقة فجوة ضخمة أرعبت السكان وأوقفت حياتهم اليومية. لم يكن زلزالاً ولا خيالاً، بل نتيجة النشاط المكثف في منجم النحاس القريب، الذي استنزف طبقات المياه الجوفية وجعل الأرض غير مستقرة. اليوم، لا تزال الحفرة قائمة، لتصبح رمزاً للكوارث البيئية والانهيارات الأرضية وللتحديات التي تواجه المجتمعات في مواجهة التعدين غير المنضبط.

في صباح ذلك اليوم، ، ظنّ سكان بلدة تييرا أماريلا الصغيرة في شمال تشيلي أن ما شعروا به في صباح ذلك اليوم كان مجرد زلزالٍ عابر، وهو أمر مألوف في بلدٍ يقع على واحدة من أكثر الصفائح التكتونية نشاطاً في العالم، لكن ما حدث بعد ذلك تجاوز كل التوقعات، الأرض لم تهتز فقط، بل انفتحت بالكامل وابتلعت جزءاً منها، مخلّفة وراءها حفرةً عملاقةً أصبحت رمزاً للخطر والصمت والإهمال.

الحفرة ظهرت فجأة في الصحراء القاحلة قرب منجم النحاس "ألكاباروسا" الذي تديره شركة مينيرا أوخوس ديل سالادو التابعة لمجموعة لوندين للتعدين. لم تدمر الحفرة أي منازل مباشرة، لكنها ظهرت على مقربة من عيادة طبية وحضانة للأطفال ، على مسافة أمتار قليلة فقط. كان هذا كافياً ليهزّ الإحساس بالأمان لدى سكان البلدة البالغ عددهم بضعة آلاف فقط.

تقول رودي ألفارو، وهي من سكان المنطقة وتقع منزلها على بُعد 800 متر من موقع الانهيار: "منذ ظهور الحفرة، لم نعرف الراحة. كل اهتزاز أو صوت في الليل يعيد إلينا الخوف من جديد".

ومع مرور الوقت، لم يكن الخطر الوحيد هو الحفرة نفسها، بل الأثر النفسي والاجتماعي العميق الذي خلّفته. الأطفال أظهروا علامات توتر، بعض الأسر توقفت عن صيانة منازلها، وكأنها تنتظر المصير نفسه. في كل مرة تهتز فيها الأرض، يتطاير الغبار من فوهة الحفرة، ويعود الذعر القديم الذي لم يختفِ أبدًا.

ورغم أن الحفرة لم تحصد أرواحا، إلا أنها جمّدت المدينة بأكملها. توقفت الاستثمارات، وتباطأت المشاريع، وأصبحت تييرا أماريلا بلدةً يخيّم عليها القلق، حيث فقد الناس ثقتهم بالأرض تحت أقدامهم، وبالمؤسسات التي وعدتهم بالحماية، وفقاً لـ "dailygalaxy ".

السر المدفون تحت الأرض

بعد أسابيع من التحقيقات، كشفت السلطات أن السبب لم يكن زلزالا، بل نشاطاً تعدينياً مفرطًا تحت الأرض. عمليات استخراج النحاس استنزفت طبقة المياه الجوفية التي كانت تعمل كدِعامة طبيعية للصخور فوقها. ومع جفاف تلك الطبقة، فقدت الأرض توازنها، فانهارت فجأة، تاركة وراءها تجويفاً دائرياً مثالي الشكل، لكنه قاتل البنية الجيولوجية للمنطقة.

في عام 2025، وبعد ثلاث سنوات من الحادثة، أصدرت المحكمة التشيلية حكما يؤكد أن الضرر الذي لحق بالمياه الجوفية لا يمكن إصلاحه بالكامل، وأمرت الشركة المالكة بالبدء في ردم الحفرة وتعزيز شبكة المياه وحماية المناطق السكنية القريبة.

لكن كما قال رودريغو سايز، المدير الإقليمي للموارد المائية: "المشكلة أكبر من حفرة. لقد زعزع الانهيار نظاما بيئيا هشا، وإعادة التوازن ستتطلب عقودًا من العمل والرقابة".

حفرة في الأرض.. وثقة مفقودة

لم يقف السكان مكتوفي الأيدي. نظموا احتجاجات وقدموا شكاوى، لكن التحرك الرسمي تأخر لسنوات. استمرت الحفرة في الاتساع، وبدأ الغضب الشعبي يتزايد مع كل تقرير جديد عن تقصير الجهات المسؤولة.

وفي عام 2025 فقط، أقرت المحكمة بضرورة اتخاذ إجراءات صارمة ضد الشركة وتعويض السكان. بالنسبة لأهالي تييرا أماريلا، جاء القرار متأخرا جدا. لقد شعروا أن الحكومة لم تسمعهم إلا بعدما أصبح الخطر واقعا لا يمكن إنكاره.

اليوم، وبعد مرور ثلاث سنوات، لا تزال الحفرة قائمة وأصبحت رمزاً لسياسات التعدين غير المنضبطة، ولعلاقة الإنسان المعقدة مع الموارد الطبيعية التي يستهلكها بلا توقف. وبينما تتحدث التقارير عن خطط للردم وإعادة التأهيل، يرى السكان أن الضرر الحقيقي ليس في الأرض، بل في الثقة التي انهارت معها.