كشف فريق من علماء الآثار الجيولوجية أن معبد الكرنك في مدينة الأقصر بصعيد مصر بُني على جزيرة نهرية مفقودة نحتتها قنوات النيل منذ أكثر من 4500 عام. هذا الاكتشاف لا يعيد فقط كتابة الجدول الزمني لبناء المعبد، بل يشير أيضا إلى أن اختيار الموقع قد استند إلى اعتبارات لاهوتية، مرتبطة بأعمق الأساطير الكونية للمصريين القدماء.

الدراسة، التي نشرت في مجلة Antiquity الصادرة عن جامعة كامبريدج وبدعم ميداني من جامعة ساوثهامبتون، اعتمدت على مسح تفصيلي للرواسب الأساسية وتقنيات تأريخ جديدة، وأظهرت أن الموقع كان مأهولاً بالفعل حوالي عام 2300 قبل الميلاد، أي خلال المملكة القديمة، وليس المملكة الوسطى كما كان يُعتقد سابقًا.

يقع معبد الكرنك على بُعد نحو 500 متر شرق نهر النيل الحديث في قلب مدينة الأقصر (طيبة القديمة) في صعيد مصر ، وكان لفترات طويلة العاصمة الدينية لمصر الفرعونية.

يعد الموقع من أكبر الهياكل الدينية التي شُيّدت على الإطلاق، ويحظى بتقدير عالمي حسب قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

استخدم الباحثون 61 عينة من الرواسب لإعادة بناء ديناميكيات نهر النيل على مدى آلاف السنين، واستفادوا من تقنيات التأريخ بالتحفيز البصري (OSL) وتحليل الخزف الطبقي لتحديد تاريخ الأرض المرتفعة على أنها مصطبة نهرية مستقرة منذ حوالي عام 2520 قبل الميلاد.

شكلت هذه الأرض المرتفعة الطبيعية منصة مناسبة للبشر، وهو ما تؤكده القطع الخزفية التي تعود إلى أواخر المملكة القديمة، وتدل على استيطان مبكر ومستدام.

وأوضح الدكتور بن بينينجتون، عالم الآثار الجيولوجية بجامعة ساوثهامبتون: "إنها المنطقة الوحيدة المعروفة ذات الأراضي المرتفعة المحاطة بالمياه في المنطقة.

ويشير هذا إلى أن اختيار الموقع لم يكن عشوائيا، بل ارتبط بالأساطير الدينية التي تصور ظهور الأرض اليابسة من المياه، كما ورد في نصوص الأهرام المصرية.

كشفت الدراسة أيضا عن وجود قناة رئيسية للنيل شرق المعبد، كان يُعتقد سابقًا أنها فرع ثانوي. وأظهرت عينات الرواسب وجود حواجز وسدود وأدوات فخارية تعود للعصر الانتقالي الأول وبداية الدولة الوسطى، ما يشير إلى أن هذا الفرع الشرقي كان مجرى نهر كبير طويل الأمد، ساهم في تحديد استراتيجية بناء المعبد.

وأثبت الباحثون أن المصريين القدماء لم يكتفوا بالاعتماد على الطبيعة فقط، بل تلاعبوا بالنهر عمدا عن طريق إلقاء الرمال من الصحراء في القنوات لتثبيت الأرض وتهيئة مساحات صالحة للبناء.

وأكد الدكتور دومينيك باركر، عضو الفريق الأثري أن هذا التعديل بأنه يعكس فهما متقدما للهندسة البيئية ويُظهر كيف شكّل المصريون القدماء بيئتهم بطريقة استراتيجية.