يتربع هرم زوسر على عرش أقدم هرم في التاريخ، لكن دراسة حديثة تذهب بعيداً، على ارتفاع يقارب 3000 قدم فوق مستوى سطح البحر، في مرتفعات جاوة الغربية الضبابية بإندونيسيا، حيث ترتفع سلسلة من المدرجات الحجرية المغطاة بالطحالب، وتعرف باسم "جبل التنوير"، وترى أنه أقدم هرم على وجه الأرض.
في أواخر عام 2023، سلطت ورقة بحثية علمية الضوء على هذا الموقع الأثري الهادئ وتصدرت عناوين الصحف العالمية، وزعمت الدراسة، المنشورة في مجلة "التنقيب الأثري" المُحكّمة ، أن هرم بادانغ قد لا يكون مجرد أثر ثقافي، بل قد يكون أقدم هرم في العالم، وأشار الباحثون إلى أن هيكلاً متعدد الطبقات، يعود تاريخه إلى 25 ألف عام ، مختبئ تحت المدرجات، وقد بُني قبل اختراع الزراعة أو ظهور الحضارات المستقرة بوقت طويل وفق ديلي جالاكسي.
هذا الادعاء لم يمرّ دون نقاش، ففي غضون أسابيع، أدان علماء من مختلف التخصصات - من الجيولوجيا إلى الآثار - استنتاجات الدراسة ووصفوها بأنها معيبة للغاية.
في فبراير 2024، أصدرت المجلة بياناً سحبت فيه نسخة الدراسة ، مشيرةً إلى وجود مشاكل منهجية ونقص في الأدلة الموثوقة على أن الطبقات الجوفية من صنع الإنسان.
سؤال الـ 25000 سنة
قاد الدراسة المسحوبة داني هيلمان ناتاويدجاجا ، الجيولوجي في الوكالة الوطنية للبحث والابتكار في إندونيسيا، واستند إلى أكثر من عقد من العمل الميداني في جبل بادانغ.
وباستخدام مزيج من رادار اختراق الأرض، والتصوير المقطعي الزلزالي، وتأريخ الكربون المشع لعينات التربة العضوية، ادعى الفريق تحديد مراحل بناء متعددة تحت السطح، كل منها أقدم من سابقتها.
وفقًا لتحليلهم، يُمكن إرجاع أقدم طبقة إلى العصر الحجري القديم، حيث تُشير تواريخ الكربون إلى فترة زمنية تتراوح بين 25,000 و14,000 قبل الميلاد، أما الطبقات اللاحقة، بما في ذلك المدرجات المرئية والأحجار المنتصبة، فقد حُددت في الفترة بين 6,000 و 2,000 قبل الميلاد ، وهو ما يتوافق مع تقاليد المغليثية المعروفة في جنوب شرق آسيا.
جدار الشك
أشار النقاد إلى نقص القطع الأثرية، والفحم، والأدوات، أو البقايا البشرية المرتبطة عادةً بالمساكن القديمة، وأنه لا تُثبت تواريخ الكربون المشع المأخوذة من التربة وقت بناء أي مبنى، بل وقت ترسب المواد العضوية فقط، وجادلوا بأنه يُمكن بسهولة تفسير المعالم التي تُفسر على أنها غرف أو طبقات معمارية بالعمليات البركانية الطبيعية .
قال فلينت ديبل ، عالم الآثار بجامعة كارديف، في مقابلة مع صحيفة الغارديان : "يشبه هذا أخذ عينة من التربة تحت برج إيفل واستخدامها للادعاء بأن البرج يعود إلى عصور ما قبل التاريخ".
وأكد هو وآخرون على خطورة الخلط بين التكوينات الصخرية الطبيعية - وخاصة في البيئات البركانية - والعمارة المتعمدة.
الموقع لا يزال مهماً
بغض النظر عمن بناه أو متى، يبقى جبل بادانغ مكاناً مميزاً، وقد صنفته وزارة التعليم والثقافة الإندونيسية رسمياً موقعًا للتراث الوطني، ويتميز بخمسة مدرجات حجرية مُرتبة على قمة تل، تُطل على مناظر بانورامية للبراكين القريبة.
يعود تاريخ هذه الهياكل الصخرية الضخمة الظاهرة إلى آلاف السنين، وقد تُقدم لمحات عن الممارسات الثقافية والدينية المبكرة في إندونيسيا.
لكن حتى الآن، لا يزال أقدم هرم مؤكد في العالم هو هرم زوسر المدرج في مصر، الذي بُني حوالي عام2630 قبل الميلاد.
