شكك علماء وخبراء في الآثار في نظريات عالمة الآثار كاثلين مارتينيز، في كشفها الكبير بالبحر المتوسط قبالة ساحل مدينة الإسكندرية المصرية، والتي اعتبرته مفتاح كشف تفاصيل حياة الملكة الرومانية كليوباترا.
البروفيسور بول كارتليدج من جامعة كامبريدج يعتقد أن "كليوباترا دُفنت في المقبرة الملكية بالإسكندرية"، ويضيف أن الإمبراطور أغسطس كان ليرغب في أن تُدفن هناك كرمز لانتقال السلطة إليه كوريث شرعي للفراعنة"، معتبراً أن المشكلة في هذا الجزء من الإسكندرية القديمة غمرته المياه بشكل كامل بسبب الزلازل وارتفاع منسوب سطح البحر.
من جانبها، تشير الدكتورة جين درايكوت من جامعة غلاسكو إلى أن "المصادر الأدبية جميعها تتفق على أن قبرها كان في الإسكندرية، وليس في تابوزيريس ماجنا"، ومع ذلك، تؤكد أنه إذا تم العثور على المقبرة وتأكيد هويتها بالنقوش، "فسيكون ذلك اكتشافًا مذهلاً".
وقاد فريق من علماء الآثار المتخصصين في الأعماق، من بينهم المستكشفة لدى ناشيونال جيوغرافيك كاثلين مارتينيز والمستكشف بوب بالارد، عمليات غوص كشفت عن هياكل أثرية مذهلة في قاع البحر الأبيض المتوسط. تضمنت هذه الاكتشافات: صفوف من الأعمدة الشاهقة التي يصل ارتفاعها إلى أكثر من 20 قدمًا (6 أمتار)، وأدلة على وجود أرضيات من الحجر المصقول وكتل أسمنتية قديمة، ومراسي سفن وجرار تخزين طويلة تُعرف باسم "الأمفورا".
الأهم من ذلك، أن جميع هذه الآثار تعود إلى عصر الملكة كليوباترا، مما يربط الموقع مباشرة بفترة حكمها.
النفق الأثري
جاء هذا الاكتشاف البحري نتيجة تتبع نفق أثري تم الكشف عنه سابقًا، يمتد على طول 4,281 قدمًا (1,305 أمتار). يبدو أن هذا النفق كان يربط موقع معبد تابوزيريس ماجنا القديم، الذي يقع على بعد حوالي 30 ميلًا (48 كيلومترًا) غرب الإسكندرية، بمياه البحر مباشرة.
وتؤمن عالمة الآثار كاثلين مارتينيز إيمانًا راسخًا بأن معبد تابوزيريس ماجنا هو الموقع المفتاحي للعثور على مقبرة كليوباترا، وهي فرضية جريئة تثير جدلاً واسعًا في الأوساط الأثرية.
وتعتزم مارتينيز وفريقها الآن أخذ عينات من الموقع المغمور بالمياه لتحليل القطع الأثرية والفخارية بشكل أعمق، حيث تشعر بأن كل عملية تنقيب تقربها خطوة من هدفها، وأن العثور على قبر كليوباترا – وربما حليفها وعشيقها القائد الروماني مارك أنطونيوس – هو مجرد مسألة وقت.
وقالت مارتينيز: "اكتشاف قبر كليوباترا سيسمح لنا، باستخدام التكنولوجيا الحديثة، بمعرفة كيف ماتت بالضبط، بل يمكننا حتى إعادة بناء وجهها".
المستقبل يحمل الإجابات
ويبقى السؤال معلقًا، يترقبه العالم بشغف: هل ستكشف أعماق سواحل مصر أخيرًا عن أحد أعظم أسرار التاريخ؟
بدأت رحلة مارتينيز في الموقع عام 2004، وشهدت اكتشافات متتالية عززت من فرضيتها، مثل: لوح تأسيسي من الزجاج الأزرق عام 2005 يؤكد أن المعبد كان مكرسًا للإلهة إيزيس، ومئات العملات البرونزية التي تحمل وجه واسم كليوباترا، و337 عملة معدنية إضافية، وأوانٍ فخارية وحجرية، وتماثيل، وخاتم برونزي مخصص للإلهة حتحور.
وتقول الأسطورة إن كليوباترا أنهت حياتها بلدغة أفعى سامة لتجنب الأسر على يد الرومان. وتعتقد مارتينيز أنها "كانت ستفعل أي شيء لمنع وقوع جسدها في أيدي أعدائها".
وتتمحور فرضية مارتينيز التي يثار حولها الجدل العلمي حول أنه بعد وفاة كليوباترا، تم نقل جثمانها سرًا إلى معبد تابوزيريس ماجنا، ومنه عبر النفق المكتشف إلى الميناء الغارق، ليوارى الثرى في موقع سري لم يُكتشف بعد.
وقد استندت في بحثها إلى ارتباط كليوباترا الوثيق بالإلهة إيزيس، حيث استبعدت جميع المعابد الصغيرة أو غير المخصصة لإيزيس بالقرب من الإسكندرية.
رغم حياتها القصيرة التي لم تتجاوز 39 عامًا، تركت كليوباترا بصمة لا تُمحى في العالم القديم، ليس فقط كواحدة من الحاكمات القلائل في التاريخ، بل كآخر فراعنة مصر. وُلدت في الإسكندرية عام 69 قبل الميلاد وتوفيت عام 30 قبل الميلاد بعد هزيمتها في معركة أكتيوم على يد أوكتافيان، الذي أصبح لاحقًا الإمبراطور أغسطس مؤسس الإمبراطورية الرومانية.
سعى الرومان إلى محو ذكراها عبر تدمير تماثيلها وصورها، ولم ينجُ سوى سبعة تماثيل يُعتقد أنها تصور الملكة. تقول مارتينيز: "كليوباترا لغز تحول إلى أسطورة. إن العثور على قبرها، إذا كان سليمًا، سيجيب على جميع الأسئلة المحيرة حولها، حتى شكلها الحقيقي".
