تميزت الحضارة الإسلامية بشموليتها وموسوعيتها، فهي لم تقتصر على الجانب العسكري، أو الأدبي، أو العلمي، بل امتدت لتشمل سائر ميادين العلوم الطبيعية والإنسانية، وتركت آثارها التي مازالت تصرخ حتى اليوم بخصوصية هذه الحضارة التي انطلقت في الأساس من تطلعها إلى السماء، فأنتجت مظاهر عمرانية رائعة نابعة من الروح المسلمة التي تتطلع في دقيق الأمور وجلها إلى خالقها تبارك وتعالى.

وأحد أبرز وجوه الحضارة الإسلامية تمثلت بالهندسة العمرانية والمعمارية التي قامت على أسس فقهية، وفي ذلك يقول خالد عزب في كتابه "العمارة الإسلامية من الصين إلى الأندلس" الذي أصدرته مجلة دبي الثقافية: فقه العمارة هو مجموعة القواعد التي ترتبت على حركة العمران نتيجة للاحتكاك بين الأفراد ورغبتهم في العمارة وما ينتج عن ذلك من تساؤلات، فيطرحونها على الفقهاء الذين يقدمون لها حلولا سرعان ما تكونت منها قواعد عامة، احترمها أهل السلطة لاحترام المجتمع لها، واعتباره إياها قانونا شرعيا. ويفسر هذا الإطار حركة العمران في المدينة الإسلامية، وكذلك القواعد التي شيدت وفقها العمائر.

وقبل الحديث عن عناصر العمارة الإسلامية، لا بد من تحديد أقسام البنايات في الإسلام، وهي تصنيفات جاءت وفق الأحكام الشرعية، وهي تبعا لذلك تنقسم إلى:

- بناء واجب مثل المساجد والحصون والأسوار للدفاع عن ديار المسلمين.

- وبناء مندوب كبناء المنائر لإعلام الناس بالأذان، والأسواق.

- وبناء مباح كالمساكن التي تبنى بهدف الاستغلال.

- وبناء محظور مثل دور المنكر كالخمارات ودور البغاء والقمار، والبناء على المقابر، والبناء في أرض الغير.

ووفق هذه التصنيفات نشأت وتوسعت العمارة الإسلامية في ظل التزام الأفراد والمجتمع فيها، بوازع من أنفسهم الخاضعة رغبة ورهبة لشرع الله تبارك وتعالى، وهكذا نشأ ما يعرف في فقه العمارة بالحق، وما يعرف بحيازة الضرر.

فأما الحق، فهو ملكية مادية ترتبط بمكان المنشأة، وملكية معنوية مترتبة على القيم العامة للمجتمع، ومن أمثلة ذلك حق المرور، أو حق الارتفاع.

وأما حيازة الضرر، فهي تعني أن من سبق في البناء يحوز مزايا عدة يجب على جاره الذي يأتي بعده أن يحترمها، وأن يأخذها في اعتباره عند بنائه مسكنه. وبذلك يصيغ المنزل الأسبقُ اللاحق من الناحية المعمارية نتيجة لحيازته الضرر، وهذه القاعدة قامت على حديث شريف هو (لا ضرر ولا ضرار).

وتتنوع عناصر أو أشكال العمارة الإسلامية إلى ستة عناصر رئيسة هي: المسجد الجامع، ومقر ولي الأمر والقاضي، والمدارس، والبيمارستانات، والحمامات، والقلاع والأسوار.

أما القلاع، فإن بناءها خضع لمقتضيات الظروف السياسية والعسكرية التاريخية التي عاصرها المسلمون في ذلك الوقت، ومن أبرز القلاع التي عاصرها المسلمون وأدخلوا ترميمات مهمة للغاية عليها "قلعة حلب" التي مازالت قائمة بحالتها الجيدة حتى اليوم، وهي تعتبر من أرقى ما وصل إليه فن التحصين العسكري من براعة الهندسة وإتقان البناء.

وأهم ما في قلعة حلب خندقها العميق الواسع الذي يبلغ قطره أكثر من خمسمائة متر وعرضه ستة وعشرون مترا، وسفح القلعة المشرف على الخندق كان مصفحا بالحجارة المنحوتة، ثم المداخل الحصينة. وقد زودت القلعة بباشورة (مدخل منكسر) يمتاز بكثرة المنعطفات التي تزيد عن ستة تعطي القلعة مناعة لما تسببه من تعويق المرور بسهولة من خلالها، بالإضافة إلى المنحدر القاسي الذي يتقدم المدخل، والذي تحمله القناطر المشيدة فوق الخندق المحيط بالقلعة.