أكد الداعية المصري الشيخ يوسف البدري أن الطريق الأمثل لعودة الأمة الإسلامية إلى مجدها السابق هو الالتزام بالتربية الإسلامية، مشيرًا إلى أن صعود التيار الإسلامي في بلدان الربيع العربي أمر طبيعي يدل على سلامة الفطرة، كما أوضح في حديثه إلى "البيان" أن حملات التشويه التي تمارس ضد الإسلام وعلمائه أمر طبيعي، وأن على العالم الذي لا يتعرض لأذى أن يشك في نفسه.

وهذا نص الحوار:

تصدر أحيانا فتاوى تشكل مادة خصبة للمتربصين بالإسلام والدعاة، فما الذي ينبغي فعله على من يتحمل مسؤولية الإفتاء حتى لا يقع في هذا الفخ؟

الإفتاء ليس أمرًا سهلاً، بل لا تجد من يحسنه إلا القليل من العلماء؛ لأن المفتي يتحدث باسم شرع الله، ومن هنا فعلى المفتي أن يتحصن بعلوم الشرع وقدر من علوم الدنيا، حتى إذا ما سئل في مسألة يكون دقيقًا في إجابته. فهناك أمور قديمة وأخرى مستحدثة، ومن مميزات الشريعة الإسلامية الثبات في الأصول والمرونة في التفاصيل، وعلى المفتي أن ينظر إلى المسألة هل هي مستحدثة، أم أنها قديمة والناس يجهلون الحكم فيها. إذا كانت مما جد في حياة الناس فلابد أن يعرف آراء العلماء المعاصرين قبل أن يجيب، ثم يعرف أدلة هؤلاء المعاصرين ثم يعرف ماذا يريد هو هل يوافقهم أم يخالفهم؟ وما أدلة الموافقة؟ وما أدلة المخالفة؟ وما النص الذي يرتكز إليه؟ وما القواعد الفقهية التي يجب أن يرجع إليها؟ فإذا التزم المفتي بكل ذلك أجاب على ما استفتي فيه دون أن يقع في المحظور.

 

فضائيات دينية

في الآونة الأخيرة ظهرت قنوات دينية كثيرة. هل ترى أنها وسيلة لكسب المال أكثر منها لنشر العلم الشرعي؟

لم أخالط القائمين على هذه القنوات من الداخل، ولا أعلم هل هذه القنوات لكسب المال أم للدعوة. لكن ديننا أمرنا بأن نحسن الظن. والله تبارك وتعالى أعطى الإنسان ما يميز به الغث من الثمين والصحيح من الخطأ، وفي رأيي كثرة وسائل الإعلام الدينية المرئية والمسموعة دلالة على ثراء الأمة فكريًا.

لكن، هل ترى أن الإعلام بات متحفزًا ضد كل ما هو إسلامي؟

الإعلام العلماني بالطبع يتربص بكل ما هو إسلامي، وأصبح في حالة رهبة وانزعاج بسبب وصول التيارات الإسلامية إلى مكانة متقدمة في المجتمعات التي شهدت ربيعًا عربيًا. وهنا علينا أن نحيي الدور الذي مارسه الإعلام الديني، فقد مهد لهذه الحالة التي نعيشها الآن، وأعطى للناس فكرة أو صورة عن سماحة الشريعة الإسلامية، وهذا ما عبّر عنه المواطنون بانتخاب المرشحين الإسلاميين.

وهل ترى أن هناك قصورًا في أداء الإعلام الإسلامي؟ وكيف يمكن تفعيله؟

لم يكن قصورًا بل خوفًا؛ الجميع يعلمون أن الإعلام الإسلامي وخاصة في مصر تعرّض لضغوط كبيرة طيلة السنوات الماضية، فقد أوقفت 22 قناة إسلامية منذ عامين، وكنت بفضل الله أحد الذين سعوا إلى إعادة بثها، وعلى الجميع وخاصة المتخصصين في المجال الإعلامي أن يقدموا نصائحهم للقائمين على الإعلام الإسلامي في شتى صوره حتى يتخلص من أي قصور في أدائه.

 

زوبعة فنجان

هل من مرجعية يتحصن بموجبها المسلم من الوقوع في براثن حملات التشويه التي تمارس بمنهجية متصاعدة ضد الإسلام وعلمائه؟

أي حملات لتشويه الإسلام أو النيل من علمائه حملات مغرضة لا تزيد على كونها زوبعة في فنجان، وهذه الحملات تنكشف في الحال. وأقول إن على المسلم عالمًا أو متعلمًا ألا يلتفت إلى مثل هذه الفقاعات الموجودة على سطح حياتنا الدينية، وعليه أن يثق في علماء أمته، وأن يستقي منهم المعلومات الصحيحة، ولا يلتفت إلى ما ينشره المغرضون.

بمَ تنصح شباب الدعاة حتى لا يصابوا بالإحباط جراء الهجوم عليهم أو ينزلقوا في ردود قد تؤخذ عليهم؟

أقول لهم حاولوا أن تأخذوا بالأوفق والأصلح والأحسن، فليس هناك داعية صادق إلا وناله التطاول والأذى، ومن لم يؤذَ فشُكّ في إيمانه، فلابد أن يتمسك الداعية بالحق ويدعو إليه وينشده، وعليه أن يقرأ ويتعلم ويحاول بقدر الإمكان ألا يتكلم إلا بالصحيح والصواب والصادق، هنا تكون هذه الحملات المغرضة قبض ريح وزوبعة في فنجان، لكن إذا عرَّض نفسه للخطأ في فتوى، أو تكلم بكلام لا يستوعب حقيقته أو لم يتأكد من صحته فحينئذٍ يعرض نفسه للأذى والانتقاد، فعليه أن يكون متقنًا جادًا حكيمًا دارسًا فاهمًا قبل أن يتكلم بلسان الشرع الإلهي.

 

مناهج التربية

وما السبيل إلى إعادة أمة الإسلام إلى مجدها؟ هل تكون بإصلاح الراعي أم الرعية؟

ليس في الإسلام نظام هرمي أو غير هرمي، الإسلام فيه كل الناس سواء، فالنبي صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة آمن به امرأة وغلام ورجل. ما ينفعنا هو التربية، فعلى ولاة الأمور أن يلتفتوا إلى منهج التربية في المدارس، فالمناهج التي تم تشويهها يجب أن تعاد صياغتها إسلاميًا، وأن يربى النشء على تدين اليوم المدرسي، فالصلاة يجب أن تؤدى في وقتها، والمعلم قدوة صالحة لا يدخن ولا يصدر عنه ما يخالف الشريعة، والمرأة لا تتبرج، والطلاب يدرسون في بيئة تربوية سليمة، وبالطبع يجب أن يكون المحتوى الدراسي معبرًا عن هويتنا الإسلامية ولا يتضمن مواد تتعارض مع حقائق الدين.

لذلك أدعو إلى أن نعيد صياغة الأمة من جديد في جميع المستويات في وقت واحد كبارًا وشيوخًا وشبابًا ورجالاً وأطفالاً، وأن تتم هذه الصياغة بالقرآن الكريم والسنّة النبوية وعلوم الشريعة.

وكيف ترى دور المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي؟

لابد أن تعلم أن ما جرى من ثورات على بعض الأنظمة سببه تقاعس المؤسسات الدينية عن القيام بدورها كما ينبغي؛ لأنها كانت تخاف من بطش السلطان إذا ما تكلمت بالحق. الآن على هذه المؤسسات أن تضاعف من جهدها وأن ترفع من نبرة أدائها وأن تسمع أصوات المصلحين من كل الجهات الاجتماعية والسياسية والدينية، وعليها أن تستفيد من الطاقات التي وهبها الله لأبناء الأمة ولا تلجأ إلى الآخرين إلا في الأمور التي لا تتوفر بالداخل.

حظيت الأحزاب الإسلامية بعد قيام ثورات الربيع العربي بالنصيب الأكبر من المقاعد البرلمانية.. كيف ترى هذا الأمر؟

فوز التيارات الإسلامية شيء طبيعي، وعدم فوزها في الماضي سببه التزوير، والنتيجة تدل على أن التيارات العلمانية لا مكان لها في الشارع، وهذا يدل على أن الحال اعتدل وأن المياه عادت إلى مجاريها.

 

 

دور الأزهر

 

تحدث الشيخ يوسف البدري عن الأزهر، وقال: لابد أن يأخذ زمام القيادة والإشراف والريادة، وأن تعمل من تحت لوائه كل الحركات الإسلامية، فالأزهر باعتباره المؤسسة التي تملك زمام التعليم الديني وتخريج الفقهاء وتخريج الأطباء المسلمين أصبح هو الحياة وهو الدولة؛ لذلك لابد أن يعود راعيًا لكل نشاط ديني ودنيوي يفيد الأمة.

وليس خافيا أن مؤسسة الأزهر شابها في وقت سابق كثير من أوجه الفساد مثل إصدار الفتاوى لمصلحة الحاكم، كذلك تغاضيه عن اشتراط حفظ القرآن كمسوغ للالتحاق به، وهذه مصيبة تسببت في أن نصف الدعاة الحاليين ليسوا من خريجي الأزهر؛ وقد طالبت بإعادة هيئة كبار العلماء وانتخاب شيخ الأزهر من بينهم، وإلغاء تبعية المفتي لوزارة العدل وانتخابه من هيئة كبار العلماء، وضم وزارة الأوقاف وكل المعاهد والمؤسسات الدينية إلى الأزهر.