سؤالي يا فضيلة الشيخ: مَرِضَت والدتي، وكانت في أثناء مَرَضِها تعتريها حالهٌ من عدمِ الإدراكِ والخلط، حتى إنها كانت لا تستوعب كم ركعة صلَّت، وما هو وقت الصلاة. وبقيت على هذه الحالة حتى توفَّاها الله، اسأل الله أن يغفر لها وأن يرحمها رحمة واسعة، ويسكنها فسيح جناته. فهل على أبنائها قضاء صلواتها التي صلتها وهي في تلك الحالة المرضية؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن من مات وفي ذمته صلاة فرض، فإنه لا يشرع القضاء عنه؛ لأن الأصل في العبادات عدم إجزاء النيابة، وعدم التوكيل فيها؛ قال الله تبارك وتعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم:39 - 41]؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عَمَلُهُ إلا من ثلاثٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" (رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه).

فلا يخرج من هذا الأصل إلا ما ورد النص من الشَّارع على مشروعية النِّيابةِ فيه، مثل: الحج، والصوم، والصدقة، أما صلاة الفرض، فلم يَرِد فيها دليل يُبِيحُ النِّيابةَ فيها، وفي "موطأ" الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى، أنه بلغه عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه لا يصوم أحدٌ عن أحدٍ، ولا يُصلِّي أحدٌ عن أحدٍ"، وقال القرطبي رحمه الله تعالى في "تفسيره": "وأجمعوا أنه لا يُصلِّي أحدٌ عن أحدٍ"، وذلك لأن الصلاة من العبادات البدنية المَحْضَةِ؛ فلا تدخلها النِّيابة. ثم إننا نقول ما دامتْ والدتك - رحمها الله - كانت فاقدةً لوعيها بسبب شدة المرض؛ فقد سَقَطَتْ عَنها التَّكَالِيف الشَّرعية، ولو فُرِضَ أَنَّهَا على قيد الحياة فَلاَ يَلزَمُهَا قضاء الصلوات التي فاتت عليها حال غياب عقلها.

وعليه؛ فليس عليكم قضاءُ الصلاةِ عن والدتكم، وإنما واجبكم نحوها الدُّعاء والاستغفار لها، وإنفاذ وَصِيَّتِها من بعدها، والصدقة الجارية عنها، ونسأل الله أن يرحمها ويرحم موتى المسلمين، والله تبارك وتعالى أعلم.