ضمن سياق الحراك الديني والفكري وحتى الفقهي في تونس ما بعد الثورة، "لمعت" قضية خلافية جديدة في الساحة الداخلية تجلت في ظاهرة أطلق عليها "الزواج العرفي" التي تأخذ طريقها في بعض الجامعات والأحياء، وحتى بين الطبقات الثرية، الأمر الذي دفع ببعض كبار المسؤولين في الدولة للإدلاء بدلوهم حول الموضوع، وتصويب سهامهم انتقادا وهجوما على الظاهرة، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي الذي حذر من تفاقم الظاهرة، والذي شدد في حوار مع قناة "بي بي سي" ان هذا النوع من الزواج لن يصبح قانونيا في تونس، في اشارة منه لعدم استعداد قادة البلاد الجدد للتراجع عن قانون الاحوال الشخصية الذي صدر في اغسطس عام 1956 وتضمن مواد تمنع تعدد الزوجات وتقنّن الطلاق وتقضي بسجن كل من تزوج بخلاف الصيغ القانونية.
ظاهرة تتسع
في جامعة منوبة، أكبر الجامعات التونسية والتي تضم نحو 30 الف طالب، بدأت ظاهرة الزواج العرفي تتسع بين الطلبة، والسبب كما يرى المراقبون هو عجز الطلبة عن توفير الامكانيات المادية المؤهلة للزواج، والخوف من الوقوع في العلاقات الحميمية المحرمة، خصوصا في ظل بروز المد السلفي بمختلف تعبيراته ومظاهره بعد ان كان مقموعا قبل الثورة.
احدى الطالبات تبلغ من العمر 25 عاما، اسمها سامية وتبدو عليها علامات التدين، قالت: «منذ اعوام وانا مواظبة على اداء فروضي الدينية، وقد تزوجت - بناء على مشورة بعض الزملاء في الجامعة - من زميل لي متدين أيضا بعقد عرفي من دون علم أسرتينا ولكن بوجود شاهدين. وفعلنا ذلك لأن ظروفنا المادية لا تسمح لنا بالزواج العادي، كما ان إسلامنا لا يبيح لنا المخادنة او المعاشرة خارج اطار الزواج، ونحن الآن نمارس علاقتنا الزوجية كلما سنحت الفرصة، ولا نملك منزلا نقيم فيه، ولا اطالب زوجي بتحمل مصاريفي نظرا لظروفه التي لا تختلف عن ظروفي كثيرا، كما لا نفكر حاليا في انجاب اطفال، ولا اعرف هل هذا الزواج سيصمد بعد التخرج ام لا. ما اعرفه هو انني سعيدة وكفى».
و يعتقد الطالب عبد القادر (23 عاما) ان الزواج العرفي اصبح موضة المرحلة الحالية في الجامعة التونسية وخاصة بين الطلبة المتدينين الذين يرفضون العلاقات الهامشية ويجدون قدرة كبيرة على اقناع زميلاتهم المتدينات بضرورة اتقاء الفتنة والزواج عرفيا، فذلك بالنسبة لهم اجدى للمحافظة على القيم الاخلاقية وتلبية الرغبات العاطفية الطبيعية، خصوصا في ظل عجز الطالب العادي عن تحمل مسؤولية اسرة وزواج قانوني واطفال ومع ارتفاع نسبة العنوسة وارتفاع سن الزواج لدى عموم التونسيين.وقال وزير العدل والقيادي في حركة النهضة نورالدين البحيري ان «القانون التونسي يجرّم الزواج على غير الصيغ القانونية، والزواج العرفي يدخل ضمن مخالفة هذه الصيغ، والقضاء التونسي لن يصدر احكاما مخالفة للقوانين المعمول بها تحت ضغط اي طرف كان».
ومن جهته قال الشيخ عبد الفتاح مورو، الشخصية الاسلامية المستقلة والقيادي السابق بحركة النهضة والمحامي، في حوار مع صحيفة يومية إن عددا من الشباب المتدين أصبح يبرر ما اعتبرها «علاقات جنسية خارج إطار مؤسسة الزواج» تحت مسميات تحاول إعطاء شرعية وهمية لتلك العلاقات عبر تسميتها بالزواج العرفي.
واضاف «إني أريد أن أقول لهؤلاء الشباب بكل صراحة: احذروا، لأن علاقات الزواج التي تتوقعون انكم اقمتموها تحت تسمية "العرفي" هي علاقات غير شرعية وباطلة وفيها اعتداء على حرمة اخواتكم وبناتنا الفتيات اللاتي يقع التغرير بهن والإيحاء لهن بان مجرد إبرام "عقد" شفوي يحضره شاهدان كاف لتشريع علاقات جنسية وحياة دائمة بين الرجل والمرأة رغم عدم توفر بقية أركان الزواج.
واعتبر أن على رأس تلك "الأركان" احترام العرف والإشهار والوليمة والشهود ونية البناء بين زوجين تقام بينهما علاقات "سكن ورحمة" وليس مجرد علاقات جنسية عابرة قد تنقطع في أيّة لحظة بمجرد مرور النزوة او بعد مراجعة أحد الشريكين لنفسه». وذكّر مورو في حديثه بمقاصد التشريع في الاسلام ومن بينها حفظ الدين والعقل والبدن وجلب المصلحة ودرء الضرر والفساد.
وفي هذا السياق حذر من تعاقب حالات الزواج السري الذي يوصف بـ"العرفي"، وأوضح ان كتابة عقود الزواج بدأت في القرن الثاني للهجرة، لكن الاسلام جاء مشجعا على القراءة وعلى الكتابة وخاصة على كتابة العقود وأمر بكتابة أيّ عقد تداين. فما بالك بعقد تهب فيه المرأة نفسها لزوجها مدى الحياة والعكس.".
موقف متناقض
واثارت تصريحات سهام بادي وزيرة شؤون المرأة والأسرة لجريدة «الشروق» اليومية التونسية حول الزواج العرفي، جدلا كبيرا، حيث اعتبرته من الحريات الشخصية. و قالت ان الزواج العرفي شكل من اشكال التعاقد الذي يجمع شخصين في اطار الحريات الشخصية وان المرأة حرة في اختيار شكل التعاقد الذي يتناسب معها الا انها تراجعت عنه في حوارات اذاعية مع اذاعتي "موزاييك" و «شمس» المحليتين، و قالت الوزيرة التي تنتمي الى حزب المؤتمر من اجل الجمهورية ان تصريحاتها تلك كانت عبر الهاتف وجاءت في ظروف مستعجلة كانت تستعد فيها للسفر الى خارج الوطن، واضافت «لقد تم تحميل كلامي على غير مقصده».
ومن الناحية القانونية يرى المحامي عبد الحميد بن مصباح ان قانون الاحوال الشخصية التونسية الصادر في اغسطس 1956 جرّم الزواج العرفي و شرّع له عقابا بالسجن. واضاف ان القانون التونسي لا يستعمل مفردة الزواج العرفي وانما يستعمل مفردة الزواج خارج الصيغ القانونية، ووصفه من الجانب المدني بأنه زواج مخالف للقانون وغير معترف به ومن الجانب الجزائي اقر له عقابا من 3 الى 6 اشهر سجنا مع اعلان بطلانه.
