45 عاماً مضت على مشهد وقوف 7 رجال كان أمرهم شورى بينهم أمام ناصية علم خفاقة، أعلنت تحقيق تطلعات شعب كان يأمل وحدة تحميه من أخطار امتدت عقوداً، رجال وقفوا كالبنيان المرصوص، ليعكسوا روح الجماعة، دون أن يلتفتوا خلفهم إلى أنواء البحر وعواصف الخليج، ماضين بيقين بتوفيق المولى في درب أبصروا النور في نهايته، وقفوا مشكّلين صورة ملحمية وقفت أنت خلفها، غير مدرك لما سيحمله المستقبل نتيجة لتلك الوقفة، أكاد أرى من عينيك مرآة تعكس تساؤلاتك، دعني أطمئن عقلك بالإجابة عنها.
أيها الطفل الواقف بدهشة على رمل الشاطئ، هناك بعيداً في الخلف، غير آبه بتلاطم الأمواج بأرجلك الغضة، أنت أيها الظاهر في صورة التاريخ، البعيد عنه، انظر ببصيرتك، أترى ولادة ذلك الوطن؟ أتلمح إنجازاته القريبة وآماله المحققة؟ ذلك الوطن يسمى دولة الإمارات.
أيها الطفل المتأمل، قد كانت فكرة الإمارات حلماً تبلور في عقل رجلين حباهما الله بعبقرية فذة، جعلت أفعالهما تسبق أقوالهما، ها أنت تقف خلفهما وأمام حلمهما، قد كانت الإمارات أيها الطفل حلماً، وكان تحقيقها حلماً، أرأيت كيف الحلم يكبر؟
أيها الطفل، انتظر وانظر ملياً، أترى ذاك العلم المرفرف بعز وثبات قد أضحى اليوم فخراً يرفرف فوق كل بيت؟ علم وطن أقسم شعبه أن يبني ويعمل، علم وطن فداه رجاله بأرواحهم، ورووه بدمائهم، لتصبح الكلمات التي تغنوا بها في طفولتهم فعلاً، علم وطن سيظل شامخاً ومحصناً باسم الله.
أيها الطفل الواقف خلف التاريخ، لربما لم يكن يشغلك في ضحى ذلك اليوم سوى الاندفاع إلى الحياة، غير آبه بالمستقبل والتهيب له، لربما لم يكن يشغلك سوى جمع أصداف الشاطئ، وتأمل حركة مد الموج وجزره، ورصد شراع السفينة، وانتظار مشهد الغروب، بينما كانت الإمارات في مخاضها، يترقب العالم ولادتها، حتى أحدثت مفارقة تاريخية غدت للناس درساً في الانتصار.
أتساءل: إن لمحك غيرك أو إن أدركت أنت وجودك في الصورة التي تصدّرت صحف اليوم التالي، أترى كيف أن التاريخ لم يلتفت إليك؟ ولن يلتفت إلى غيرك الواقف على أعتاب ناصيته، بل التاريخ أيها الطفل، كل التاريخ، ينتمي إلى أولئك الذين لم يختاروا أن يكونوا جزءاً عابراً منه، فلا تكن للتاريخ شاهداً، كن أنت من يصنعه.
يا طفل شاطئ الاتحاد، لربما غدوت اليوم جدّاً بالغ الحكمة والوقار في عقدك الخامس من العمر، تروي لأحفادك حكايات مغامرات الشاطئ بمودة وحنين، مدركاً في كل مرة أن للصور التي شهدتها في طفولتك أثراً لا يستهان به، أثر جعلك تؤمن بأنه لا وجود لعبث المصادفة في حياتنا.
يا طفل شاطئ الأمس، ستظل الرغبة في لقائك تلازمني، لأرى فيك أثر تلك الصورة العظيمة التي شهدتها، يا ترى أين أنت اليوم؟
