كشفت منظمة الصحة العالمية في أحدث دراساتها التي صدرت في مارس 2015، أن العديد من السكريات المستهلكة اليوم، «مخفية» في الأطعمة المغلفة والمشروبات الجاهزة التي لا ينظر إليها عادة على أنها محلاة، وعلى سبيل المثال تحتوي ملعقة كبيرة واحدة من صلصة الطماطم على حوالي 4 غرامات أي ملعقة صغيرة من السكريات الحرة، فيما تحتوي علبة واحدة من الصودا المحلاة بالسكر على كمية تصل إلى 40 غراماً، أي نحو 10 ملاعق صغيرة من تلك السكريات.
وأقرت المنظمة مبدأً توجيهياً جديداً يوصي البالغين والأطفال بتخفيض مدخولهم اليومي من السكريات الحرة إلى أقل من 10 % من إجمالي استهلاكهم للطاقة، ومن شأن تخفيض آخر في هذا المدخول إلى نسبة أدنى من 5 % أو ما يقارب 25 غراماً (6 ملاعق صغيرة) في اليوم الواحد، أن يحقق فوائد صحية إضافية.
وقبل سنوات قليلة اعترف المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بأن مرض السكري ومضاعفاته، أرهق الخدمات الصحية في دول الخليج، واستقطع حيزاً لا يستهان به من الخدمات التي تقدمها المستشفيات.
وكشفت دراسة خليجية حديثة أن 32 % من المرضى المنوّمين بالمستشفيات مصابون بالسكري، وقد أدخلوا إلى المستشفيات إما لأسباب تخص السكري أو لمشاكل صحية ذات علاقة به، كما أن معدلات مضاعفات السكري ومن خلال التقارير الخليجية المعتمدة، تؤكد تفاقم المشكلة، إذ تتراوح نسبة الإصابة بداء السكري بين 16.7 و24 % في دول مجلس التعاون الخليجي.
كلفة باهظة
الأطباء الذين يتولون مقارعة هذا المرض الوبال، يؤكدون من جهتهم أن تزايد معدلات انتشار السكري في الدولة خلال العشر سنوات المقبلة، سينعكس بالضرورة على إضافة أعباء اقتصادية كبيرة على كاهل الرعاية الصحية، وحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية سيكلف علاج شخص واحد 200 - 400 دولار، أي أنه سيلتهم نحو 40 % من الميزانيات الصحية للدول آنذاك.
وعليه فإن مرض السكري يعد من الأمراض الأكثر كلفة، سواء تلك المباشرة التي تقدر بنحو 6 % من الميزانية الكلية في الدول المتقدمة اقتصادياً، وتصل حاليا إلى 60 مليار دولار أميركي في الولايات المتحدة الأميركية، و17 مليار دولار في اليابان، و10.7 مليارات دولار في ألمانيا، أو الكلفة غير المباشرة جراء فقد عائل الأسرة والأشخاص المنتجين فيها، والوقت المفقود وتأثير ذلك على الإنتاج بشكل عام.
أطلس السكري
سهيل محمود الأنصاري، الرئيس التنفيذي لشركة «مبادلة» للرعاية الصحية ورئيس مجلس إدارة مركز «إمبريال كوليدج لندن» للسكري في أبوظبي، أشار إلى النسخة الجديدة من «أطلس السكري» الذي صدر بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للسكري لعام 2014، حيث باتت دولة الإمارات تحتل المرتبة 16 في التصنيفات العالمية للبلدان ذات الانتشار الأوسع للسكري، بعد أن احتلت المرتبة الخامسة عشرة في تصنيفات العام 2013.
وأضاف الأنصاري: على الرغم من مستوى التحسن، لا تزال أرقام الاتحاد الدولي للسكري تشير إلى أن نسبة انتشار الإصابة بالسكري في الإمارات لا تزال على ثبات تقريباً مقارنةً بالعام 2013، إذ ان 19 % من سكان الإمارات يعيشون مع مرض السكري، وهو ارتفاع بسيط عن نسبة 18.98 % التي تم تسجيلها العام الماضي.
على صعيد العالم، أوضح أطلس السكري للعام 2014، أن 387 مليون إصابة شخص يعيشون مع المرض، وهو ارتفاع بمعدل 5 ملايين إصابة من 382 مليون حالة سجلت في العام 2013.
يذكر أن «أطلس السكري» حمل تحذيرا مفاده أنه في حال عدم اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة للحد من عوامل خطورة المرض، فإن الدولة مرشحة لأن يزيد فيها معدل انتشار المرض فوق 20 % بين السكان، وقد تم رسم خارطة الدولة في «أطلس السكري» لعام 2025 باللون الأسود، في دلالة على هذا التحذير.
الصامت المرعب
ولفت الدكتور يوسف شوقي استشاري أمراض الغدد والسكري في مستشفى النور في أبوظبي، الى أن مرض السكري يعتبر من الأمراض الصامتة التي يتم اكتشافها أحيانا بعد شهور طويلة، وأحيانا سنوات من الإصابة ما يشكل خطورة على أعضاء الجسم الأخرى، وتحديدا العيون والكلى والشرايين القلبية وغيرها من أعضاء الجسم التي تتأثر نتيجة ارتفاع نسبة السكر في الدم لفترات طويلة من دون علم.
وأضاف ان الإحصاءات الجديدة أكدت بما لا يدع مجالا للشك، أن السكري أصبح من أكثر الأمراض انتشارا في الدولة ووصلت نسبة المصابين به إلى 20 % وفق برنامج «وقاية» لفحص المواطنين في إمارة أبوظبي، منهم 50 % لم يكونوا على علم مسبق بإصابتهم.
كما تبين أن 40 % من الذين تخطوا عمر 60 سنة يعانون من هذا المرض، مشيرا إلى أن السكري، بمرور الوقت، يمكن أن يؤدي إلى إلحاق الضرر بالقلب والأوعية الدموية والعينين والكلى والأعصاب، وقد يتسبب في نهاية المطاف إلى حدوث الوفاة المبكرة.
وتشير التقارير الحديثة إلى أن 40 إلى 50 % من حالات الإصابة بالسكري يتم اكتشافها بشكل مفاجئ عند إجراء فحوص طبية لتشخيص أمراض أخرى أو عند إحساس المرضى بالتعب ومراجعة الطبيب.
النوع الثاني
أما الدكتور محمود بن بركة استشاري أمراض الغدد الصماء ورئيس مركز أبوظبي للسكري والغدد الصماء التابع لمدينة الشيخ خليفة الطبية، فقال «إن مرض السكري يلاقي اهتماما عالميا، وذلك نظرا لارتفاع نسب انتشاره على مستوى العالم، ما يؤدي إلى استنزاف الميزانيات الموضوعة.
وتعتبر نسبة المصابين بالسكري في الدولة مرتفعة نسبيا فعدد المصابين يصل إلى 20 % من عدد السكان البالغين ويشكل عدد المصابين بالسكري من النوع الثاني ما نسبته 90 %».
ويتردد على مركز السكري والغدد الصماء في أبوظبي وحدها سنويا، نحو 19 ألفا و450 مريضا بالسكري وفق إحصائية عام 2014.و
لفت الدكتور بن بركة إلى أنه من الملاحظ عالميا أيضا أن هناك ارتباطا وثيقا بين الإصابات بالسكري والسمنة، وأن انتشار السمنة في أوساط المراهقين والأطفال يساهم في رفع خطر إصابتهم بالسكري ومضاعفاته التي من الممكن أن تكون خطيرة، فهو يؤثر على الكلى والعيون والقلب والجهاز العصبي والجهاز الدوري.
ويؤيد الدكتور بركة مبادرة «البيان» بوضع الملصقات التحذيرية على العبوات، اذ يطالب بإعادة النظر في تقنين نسب السكريات في الأغذية والمشروبات والحلويات، وصياغة تشريعات جديدة تلزم الشركات المصنعة بتقليل نسب السكر في منتجاتها وكتابة هذه النسب على العبوات، وإذا زادت هذه النسبة عن المعدل الصحي فإنه يمكن الزمها بكتابة تحذير صحي ينبه المستهلكين بخطورة الإصابة بمرض السكري أو السمنة.
تحذير صحي
وأيّد الدكتور شريف بطرس اختصاصي الأمراض الباطنية في مستشفى السلامة، عملية تقنين مستويات السكر في المنتجات الغذائية، وأيضا كتابة تحذير صحي واضح على العبوات التي تحتوي على كميات كبيرة من السكر الحر، لتنبيه المستهلكين.
وقال إن خطورة مرض السكري لا تنبع من كونه منتشرا بصورة وبائية في المجتمع، ولكن تتجلى في ارتفاع نسبة الإصابة بمضاعفاته المزمنة التي تطال الأعصاب والعيون والكلى والقلب، مشيرا إلى أنه نظرا لنقص النشاط الحركي والتغيرات التي لحقت بالنظم الغذائية في دولة الإمارات خلال العقود الأربعة الماضية، فقد ارتفعت معدلات الإصابة بالسكري إلى مستويات منذرة بالخطر، وفي هذه الحالة وجب على الهيئات الصحية والتشريعية اتخاذ كل الأساليب المتاحة للحد من انتشار المرض والتقليل من مضاعفاته.
378 حالة
طبقاً لآخر الإحصاءات المتعلقة بحالات السكري في مدارس أبوظبي، فإن 378 طالباً وطالبة يعانون من السكري بنوعيه على مستوى إمارة أبوظبي، منهم 204 في أبوظبي و143 في العين، و31 في الغربية.
فحوصات
دراسات ذوي الاختصاص تقرع الجرس
في دراسة للدكتور عبد الملا عبد الكريم رئيس قسم الصيدلة السريرية في جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، نشرها الاتحاد الدولي للسكري، ورد أن الاتجاهات السائدة الخاصة باعتماد نمط حياة غير صحي، وارتفاع السكر في النظام الغذائي وانخفاض النشاط البدني في الدولة، إذا استمرت على وتيرتها فإنه على الأرجح، سيتأثر نصف السكان بهذا المرض بعد ربع قرن تقريبا.
ويبدو أن الاتجاهات السائدة لمعدلات انتشار المرض لا تزال قائمة كما هي، حيث استرشد الدكتور عبد الكريم بدراسة مسحية نفذتها وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية تعود إلى أكثر من 15 سنة سابقة، وبالتحديد بين عامي 1998 و2000، أجريت على 6609 من الرجال والنساء، 2363 مواطنين، و4246 وافدين، حيث أظهرت أن نسبة انتشار المرض عموما، بلغت 24 % بين السكان بواقع 19.6 % بين المواطنين و17.4 % بين الوافدين.
وتم فحص عوامل الخطورة لأمراض القلب لأكثر من 96% من مواطني الدولة في إمارة أبوظبي ممن تتعدى أعمارهم الـ 18عاما، وكشفت الفحوصات أن نسبة مرض السكري في الإمارة بلغت 20 % منهم 50 % لم يكونوا على علم مسبق بإصابتهم كما تبين أن 40 % من الذين تخطوا عمر 60 سنة يعانون من هذا المرض.
وكشف برنامج (وقاية) أن هناك 5 أمراض أو عوامل خطورة للأمراض القلبية والأوعية الدموية تنتشر بصورة وبائية بين المواطنين.
10 % نسبة الإصابة بسكري الحمل في الدولة
تُشكّل كل من زيادة الوزن المفرطة أو السمنة قبل أو أثناء فترة الحمل، أبرز العوامل التي تزيد من احتمال التعرض لخطر الإصابة بسكري الحمل، والذي يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على صحة النساء وأطفالهن على حد سواء.
وعلى الرغم من أن نتائج الدراسات تشير إلى أن نسبة الإصابة بسكري الحمل بين النساء عالمياً، تصل إلى ما يقارب 6 - 8 %، كشف الدكتور فادي جورج هاشم، استشاري أمراض النساء والتوليد في مستشفى «برجيل» في أبوظبي، عن ارتفاع هذه النسبة بشكل ملحوظ في الإمارات، وأشار إلى أن نسبة انتشار الإصابة بالسكري في الدولة تصل إلى مستويات مقلقة.
حيث تقدر بنحو 19 % من إجمالي تعداد السكان، فضلاً عن أن نسبة الحالات المعرضة لخطر الإصابة بالمرض، تصل إلى ما يقارب 17 %، و«من خلال معاينات للمرضى، نعتقد أن نسبة النساء المصابات بسكري الحمل تصل إلى نحو 10 %».
أكثر من 400 مليون مصاب بمرض السكري بحلول العام 2030. يعنينا هذا الرقم لانعكاساته الموازية على واقعنا المحلي، فالإمارات تحتل المرتبة 16 للبلدان ذات الانتشار الأوسع للسكري، حسب أحدث التصنيفات العالمية.
في هذا الملف تطرح «البيان» مقاربة مبتكرة لمكافحة السكري، ترتكز على معالجة عوامل خطورة المرض والحد منها، وتقترح للمرة الأولى على الجهات المعنية، مثل وزارة الصحة والهيئات الصحية المحلية والبلديات وهيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس، صياغة «تحذير صحي» على المنتجات الغذائية.
ومشروبات الطاقة والمشروبات الغازية، والوجبات السريعة، يفيد بأنها تحتوي على دهون وسعرات حرارية مرتفعة، قد تصيب المستهلك بالسكري أو السمنة، أسوة بالتحذيرات الصحية على عبوات التبغ التي تحذر المستهلكين من الإصابة بنحو 20 مرضاً خطيراً.
الاتحاد الدولي للسكري رسم صورة قاتمة لواقع المرض في الدولة في «أطلس السكري»، حملت دعوة لاتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة للحد من عوامل خطورة المرض، وإلا فإن الإمارات ستكون مرشحة لأن تصبح الوحيدة في العالم التي سيزيد فيها معدل انتشار المرض فوق 20 % بين السكان عام 2025.
وحذر المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، من المعدلات المتزايدة للإصابة بالسكري في دول الخليج العربي، ووصفها بأنها «مفزعة للغاية»، إذ تتراوح نسب الإصابة بالمرض بين 15 – 25 % من السكان، وهي من أعلى النسب على مستوى العالم.
