إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بأن يكون عام 2013 للتوطين يعكس حرص القيادة على أهمية ولوج المواطن إلى ميدان العمل وتطوير قدراته، وفي الوقت نفسه يعكس أهمية مشاركة أبناء الوطن في العمل بالقطاع الخاص، هذا الميدان العريض الذي يضم 4 ملايين عامل لا يشكل منهم إجمالي المواطنين العاملين في القطاع نفسه سوى 22 ألف فرد، وقد يطرح هذا الرقم الخجول لعدد المواطنين في القطاع الخاص تساؤلات عديدة خصوصاً وأن هناك نحو 300 ألف وظيفة تصلح للتوطين بمؤهلات من الثانوية إلى الشهادة الجامعية، فما هي المعضلات التي تقف أمام توطين هذه الوظائف في ظل وجود أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل من أبناء الدولة.

ومن منطلق مهمة الإعلام في متابعة هذه القضية وللتعرف إلى الصعوبات التي يواجهها القطاع الخاص في توطين العمالة بصراحة وشفافية، نظمت جريدة "البيان" ندوة بعنوان مشاركة القطاع الخاص في التوطين "الصعوبات والحلول" بمشاركة رجال أعمال ومديري شركات وذلك لاستعراض خطوات عملية التوطين، والتعرف إلى وجهات نظرهم واقتراحاتهم لإيجاد حل مناسب يساهم في توفير فرص عمل للمواطنين.

افتتح الندوة علي شهدور مدير عام تحرير جريدة البيان رئيس تحرير مجلة أرى، الذي رحب بالحضور ولفت إلى أهمية التوطين في القطاع الخاص كونه مطلباً وضرورة ملحة لمشاركة المواطنين في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، وشحذ همم المواطنين وتحفيزها نحو هذا القطاع، باعتباره إحدى الركائز الأساسية على أرض الدولة، كما دعا الحضور إلى الوقوف وقفة تأمل لإيجاد حلول جذرية وسريعة في سبيل تفعيل دور المواطن في القطاع الخاص، وتقليص الفجوة بين التعليم وسوق العمل، وإيجاد جهة رقابية تتابع استجابة كافة المؤسسات والشركات الخاصة لمبادرة التوطين.

هيئة مستقلة

الدكتور أحمد سيف بالحصا رئيس جمعية المقاولين، ورئيس مجموعة بالحصا أكد أن التوطين من الخطوات الإيجابية التي يجب أن تعمم في القطاع الخاص، وذلك لقدرته الكبيرة على استيعاب جميع الباحثين عن العمل في الدولة، ولكن قد يصدم التوطين في القطاع الخاص بعقبات كثيرة، يتطلب تجاوزها وجود خطة استراتيجية وأهداف مدروسة وآلية تنفيذ واضحة، مؤكداً أن ذلك يتحقق بوجود هيئة مستقلة لمتابعة التوطين في القطاع الخاص، والالتقاء مع جميع أطرافه ومؤسساته.

وأضاف أن من أبرز العوائق التي تقف أمام التوطين في القطاع الخاص بُعد مخرجات التعليم عن احتياجات السوق، مؤكداً أن هناك فجوة كبيرة يمكن اكتشافها عن طريق حصر احتياجات القطاع الخاص من العمالة الوافدة في السنوات الخمس الماضية، وتصنيف الوظائف التي شغلوها بحسب مسمياتها الوظيفية ومتوسط مستحقاتها الشهرية، ومن ثم حصر مخرجات التعليم الوطنية خلال السنوات نفسها وتحديد الوظائف التي شغلوها أو التخصصات التي توجهوا لها، وأكد أن أصحاب المؤسسات يلجأون للاعتماد على العمالة الوافدة لشح مخرجات التعليم وندرتها في بعض التخصصات.

شواغر وظيفية

من جانبه أكد محمد المزروعي مدير عام مجموعة الحبتور أن مجموعة شركات الحبتور تولي اهتماماً خاصاً بعملية التوطين، ولكن ما يعيق ذلك عدم وجود قاعدة بيانات دقيقة للباحثين عن عمل يسهل الرجوع لها عند وجود شواغر وظيفية، مشيراً إلى أنه عند إرسال إحدى الشركات طلباً للجهات المسؤولة عن التوظيف لترشيح الباحثين عن عمل بما يناسب متطلبات الوظيفة تقوم هذه الجهات بترشيح مئات الباحثين، وذلك يلقي بأعباء على الشركة ويخلق لها جملة من المعضلات يأتي في مقدمتها فرز طلبات المرشحين ومقابلاتهم التي تستنزف جهداً ووقتاً كبيرين.

وأضاف المزروعي أن هناك عزوفاً حاداً من قبل المواطنين عن العديد من الوظائف وأبرزها تلك التي تخدم السياحة، وعلى الرغم من أن توجهات الدولة وسياستها الاقتصادية تتجه إلى السياحة إلا أن بعض الوظائف السياحية تكاد تكون خالية من الأيدي المواطنة، ويرجع السبب في ندرة مخرجات التعليم في هذا المجال، لافتاً إلى أن الشركة قامت بنشر إعلان لطلب بعض مواطني الدولة للعمل في مجال الضيافة منذ حوالي عامين، وتم مخاطبة الجهات المسؤولة عن التوظيف وزيارة بعض ممثلي الشركات لعدد من الجامعات والكليات لاستقطاب مواطنين لهذه الشواغر إلا أن هذه المحاولات لم تخرج بنتيجة وذلك لعدم توجه أبناء الدولة لدراسة هذه التخصصات التي لا تقل في أهميتها عن التخصصات الأساسية الأخرى.

السياحة العلاجية

أيده في ذلك ناصر العلي مدير الموارد البشرية في مجموعة الحبتور الذي أكد أهمية التنسيق بين مؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات التعليمية، لتأهيل وجذب المواطنين للعمل في مجالات مختلفة دون التركيز على تخصصات معينة، وذلك من خلال صقل قدراتهم ومهاراتهم لتلبي متطلبات سوق العمل في السنوات المقبلة، ولفت إلى أهمية التركيز على مجالات السياحة والوظائف البسيطة مثل المبيعات والعمل في ورش الصيانة وصالات المبيعات، بالإضافة إلى تأسيس كوادر مؤهلة للسياحة العلاجية التي قطعت الدولة فيها شوطاً كبيراً، مشيراً إلى أن العديد من الشركات على استعداد لتأهيل الراغبين في العمل في هذه المجالات وتعزيز قدراتهم وخبراتهم وتقديم الحوافز لهم.

توطين القطاع المصرفي

وقال جمال الجسمي مدير عام معهد الإمارات للدراسات المصرفية نحن نشعر بعدم الرضا عن تجربة التوطين في القطاع المصرفي، لأنه لا تزال نسب التوطين في بعض المصارف متدنية، وأرقام التوطين في مصارف أخرى ثابتة لا تصل إلى 4%، فضلاً عن انخفاض الأرقام في مصارف أخرى، ما يؤكد تأرجح نسبة التوطين بين انخفاض تارة وارتفاع بمعدل 1%، مطالباً بزيادة مستمرة سنوياً، لأن استقرارها يعني الجمود وهذا يخالف قرار مجلس الوزراء ويتعارض مع سياسة الدولة والحكومة نحو التوطين.

وأضاف إن عملية التوطين تواجهها صعوبات مصدرها المواطن نفسه والمصارف والمؤسسات التعليمية ومؤسسات التنمية البشرية، فالمواطن قد لا يكون على بينة ووضوح من المسار الوظيفي الذي يرغب فيه، وقد لا تكون لديه خطة واضحة المعالم لاتباعها، وكذلك ربما لا تتوفر الثقة في قدراته، فضلاً عن عدم الرغبة القوية في العمل في القطاع المصرفي، إضافة إلى عدم توفر المعلومات الكافية لديه عن هذا القطاع.

بيئة العمل

ونوه إلى أن القطاع المصرفي قد لا تتوفر فيه بيئة العمل الملائمة للمواطن والحوافز الجاذبة للمبتدئ في العمل، ولا يكشف المصرف بوضوح عن متطلباته لشغل الوظائف، إضافة إلى عدم تشجيع القطاع المصرفي على الاستقرار الوظيفي والتأهيل على رأس العمل، وقد تكون لدى هذا القطاع قناعات سابقة فيها نوع من التحيز، إذ يبتعد حيناً عن النظرة الموضوعية للمواطن وقدراته وإمكانياته في العمل.

وفي ما يتعلق بمؤسسات التنمية البشرية والتعليمية، قال إنه ثمة سؤال يطرح نفسه في ما إذا كانت التخصصات المطلوبة لسوق العمل المصرفي بالأعداد الكافية في الوقت المناسب، وفلسفة هذه المؤسسات من التعليم إذا كانت تقوم على مقابلة احتياجات التنمية في القطاع المصرفي أم أنها توفر التعليم من أجل التعلم فقط، وحتماً على المؤسسات التعليمية استشراف مستقبل الطالب بعد التخرج، والنظر إلى ما يفتقر إليه السوق من وظائف وتخصصات.

واستطرد: المتأمل في مصادر المشكلات بعد مرحلة زمنية يجد عدم اتساق بين مخرجات مؤسسات التنمية البشرية ومتطلبات سوق العمل المصرفي، وخير شاهد ودليل على ذلك وجود باحثين عن العمل في الدولة عموماً، كما لا يوجد تنسيق محكم بين طرفي المعادلة الصعبة وهما أرباب العمل ومؤسسات التنمية البشرية.

قناعات راسخة

أما القناعات بصعوبة العمل في القطاع المصرفي، يجدها الجسمي راسخة لدى بعض الأفراد وتسيطر عليها الرغبة بالعمل في القطاع الحكومي رغم تشبعه بالكوادر الوظيفية في التخصصات غير العلمية، أو ميوله للعمل في القطاعات العسكرية النظامية مثل القوات المسلحة، مشيراً إلى أننا نفتقر إلى أرقام وإحصائيات بعدد الباحثين عن العمل، وتحديد أي الجنسين لمعرفة حجم قضية الباحثين عن عمل.

ولفت الجسمي إلى أنه يجب تحديد المشكلات الشائكة في هذه القضية بوضوح وتشخيصها باعتبار هذا الإجراء هو الخطوة الأولى نحو الحل، والبحث عن حلول مناسبة وجذرية لجميع المشكلات التي سلف ذكرها، وعدم معالجة جانب واحد من المشكلة لأن إهمال أحد أطرافها يعني استمرار المعاناة.

وأكد أن القطاع المصرفي يتحمل مسؤولية الإفصاح عن متطلباتهم الوظيفية ونوعية المهارات والمعارف والتخصصات التي يرغبون في توظيف المواطنين المتقدمين للعمل فيها بشفافية، وعدم احتكار المعرفة والمهارة على جنسية محددة، مفيداً أن دور مؤسسات التنمية البشرية تعليماً وتدريباً وتأهيلاً يقضي بمرونتها واستجابتها لمتطلبات سوق العمل، وتطوير مناهجها التعليمية والتدريبية لاكتساب المهارات والمعارف، وعلى منظمات المجتمع المدني المساهمة بدورها في تصويب الاتجاهات المجتمعية للوصول إلى تقييم شامل العمل.

التأهيل المهني

قال زهير الحاج المدير التنفيذي للموارد البشرية والتوطين في مجموعة الفطيم، إن نسبة الباحثين عن عمل التي أقرتها وزارة العمل بنحو 80% من حملة شهادات دون الثانوية العامة أو أقل، تشكل عبئاً على القطاع الخاص من ناحية التأهيل المهني، والكثير من الشركات غير مهتمة في استثمار تدريب المواطنين، معلناً أن مجموعة الفطيم حددت ميزانية ضخمة لتدريب المواطنين الباحثين عن عمل من حملة الشهادة الثانوية العامة أو أقل، مبدياً استغرابه من تضاعف أرقام العاطلين عن العمل إلى هذا العدد، ومطالباً العائلات بتوجيه أبنائها نحو استكمال الدراسة.

وأضاف الحاج إن المدارس الصناعية اختفت، ويجب إعادتها على خارطة التعليم، لأنه ثمة قدرات وطاقات شبابية مكمونة في هذا المجال يمكن استثمارها على نحو أفضل، مفيداً أن المجموعة استقطبت نحو 190 مواطناً في المبيعات في قطاع التجزئة، وخضع جميع هؤلاء الموظفين إلى دورات تدريبية لستة أشهر، وأثبت جميعهم الجدارة الكاملة على العمل رغم عزوف بعض الشركات عن تقبل إنتاج المواطنين في هذا القطاع، بل استطاعت إحدى الفتيات لا تحمل الشهادة الثانوية العامة بيع 360 سيارة في أحد المعارض خلال عام واحد فقط، في حين لا يحقق هذا الرقم في المبيعات الموظف الذي يحمل 15 عاماً من الخبرة في المبيعات، مؤكداَ أن المواطنين لديهم القدرة على الإنتاج بغزارة شرط أن تستثمر الشركات هذه الطاقات عن طريق التأهيل المهني والتدريب.

بدائل أخرى

ودعا الحاج المسؤولين في القطاع الخاص بالتحلي بالصبر والتغيير من سياسة التوظيف، وعلى سبيل المثال البحث عن بدائل أخرى للمواطنين في حال كانت الوظيفة التي ستشغلها تعتمد على نظام المناوبات الليلية بالسماح لها بالعمل في الفترة الصباحية، وتخصيص الدوام الليلي للراغبات مراعاة لعادات وتقاليد المجتمع، وعدم تقييد المواطنين العام الأول في المبيعات وجبرهم على تحقيق ربح معين تفادياً لخوفهم من الإخفاق، والتعاطي مع الموظف المواطن الحديث بالتدريج، مشيراً إلى أن مجموعة الفطيم أسست في عام 1985 واحداً من أكبر المعاهد التدريبية الموجودة في دولة الإمارات يزخر بـ 110 مواد علمية في مختلف القطاعات مثل التجزئة والمبيعات والتسويق وخلافها.

فضلاً عن دورات اللغة الانجليزية التي حرصت المجموعة على إقامتها سنوياً للمواطنين فقط لجميع المستويات، لأن تمكن الموظف من اللغة الانجليزية يعتبر صعوده على الدرجة الأولى من السلم خصوصاَ وأن واقع التعامل مع آلاف الموظفين الأجانب يفرض عليه تعلم اللغة الانجليزية، وفي الوقت نفسه سيتعرف الجميع على المواطنين والتعامل معهم، حيث سجلت المجموعة نجاحاً يحسب لها واستطاعت ضم كفاءات وطنية بلغت 550 في مختلف القطاعات، وجار توطين بعض الوظائف مثل رجال الأمن، حيث وظفت المجموعة خمسة مواطنين حتى الآن، وجار البحث عن مواطنين للعمل في هذا القطاع وغيره من الأقسام في المجموعة.

استراتيجية التوطين

ولاحظ عبد الرحمن صقر نائب رئيس أول في الموارد البشرية في بنك الخليج الأول، أن استراتيجية التوطين دائما غير متناسقة مع الاستراتيجية الشاملة للمؤسسات وبصفة خاصة القطاع المصرفي، إذ تعلن المصارف سنوياً وظائف شاغرة يخصص منها جزء بسيط للمواطنين غالباً ما تكون تقليدية، وإحالة الوظائف الأخرى المتخصصة التي تضم أصحاب القرار للوافدين والأجانب، لافتاً إلى أن المصارف دائماً ما تركز على المؤهلات ولا تعير إمكانيات المتقدم إلى الوظيفة أي اهتمام.

وأفاد أن دولة الإمارات استطاعت القفز سريعاً على خارطة التنمية الاقتصادية في زمن قياسي وباقي القطاعات الأخرى، ولابد من الحزم مع أصحاب القرار في القطاع الخاص كي يساهموا بصورة أكبر في تنمية الموارد البشرية المواطنة، لأن رغبة المواطن متوفرة في العمل، ونظرة خاطفة على مواقع العمل المختلفة تكشف هذه الحقيقة، موضحاً أن القطاع الخاص يزخر بفرص وظيفية هائلة موجهة إلى الكفاءات الأجنبية.

فرض عقوبات

أكد محمد النعيمي الرئيس التنفيذي لمجموعة شركات موارد للتمويل، أن إحصائيات التوطين تدعو إلى التفاؤل في القطاع المصرفي لاسيما وأن مجلس الوزراء أقر في مبادرته للتوطين 4% سنوياً، وتبنت لجنة تنمية الموارد البشرية هذه المبادرة، مطالباً بفرض العقوبات على الشركات التي تتلاعب في رفع عدد موظفيها بمساعدة شركات خارجية، إذ تدفع الحكومة 2.5 % من راتب المواطن لجهة التقاعد نيابة عن الشركة التي وظفت المواطن في القطاع الخاص، وهذا بحد ذاته تحفيز للشركة لكي توظف المزيد من أبناء البلد، ومشدداً على ضرورة عقاب الشركات في حال إعراضها عن التوطين، وتدشين جهة رقابية لمحاسبة الشركات المتقاعسة عن تنفيذ المبادرة بتأسيس جهة تتحمل مسؤولية ذلك.

وذكر النعيمي أنه قبل نحو خمس سنوات، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مبادرة برفع الروح الوطنية لدى الأفراد مطالباً جميع الجهات بالمساهمة، ولم تنجح دولة في العالم مثلما نجحت الإمارات في تعزيز الروح الوطنية إلى حد دفع بالمقيمين في الدولة إلى الشعور بهذا الانتماء أسوة بالمواطنين، لكن عندما نعرج على قضية التوطين في القطاع الخاص نلاحظ تراخي بعض أرباب العمل عن التنفيذ لعدم وجود القناعة الكافية، عوضاً عن نقص شعور المواطن بالأمان والخوف من إنهاء الخدمات بصورة مفاجئة.

معارض التوظيف

وأشار النعيمي إلى أن معارض التوظيف في حاجة إلى عملية تنظيمية بتحديد كل شركة عن حاجتها إلى الموظفين والتخصص المطلوب، ومن ثم تدوين جميع الوظائف المطلوبة حسب التخصصات في كتاب صغير يُقدم إلى زائري المعرض، ومن خلال هذه الخطة يستطيع الطالب المتخرج أو الباحث عن العمل معرفة الشركة المناسبة له، وتقديم المستندات والأوراق المطلوبة عوضاً عن التقديم العشوائي الذي نراه في معارض التوظيف بحمل المتجول في المعرض أعداد ضخمة من سيرته الذاتية وبعثرتها على طاولات الشركات، مبدياً استياءه من رفع بعض الشركات شعارات رنانة بالتوطين في المعارض، وحضور مديريها في اليوم الأول من الافتتاح وتهميشها لطلبات التوظيف المكدسة في الصناديق في اليوم الختامي، ووجب محاسبة المسؤولين عن حجم الوظائف التي شغلها المواطن بعد انتهاء المعرض.

دور الإعلام

وشدد النعيمي على أهمية ودور الإعلام في التوطين من خلال إعلان الوظائف الشاغرة والمناسبة للمواطنين بشكل دوري تسهيلاً للباحثين عن عمل، والابتعاد عن التفكير بالربح المادي في هذا اليوم من خلال تحفيز الشركات بنشر أسمائها جزاء لتعاونها في عملية التوطين.

التخصصات التقليدية

قال الدكتور جهاد نادر رئيس الهيئة الأكاديمية في الجامعة الأميركية بدبي، إن نسبة الطلبة المواطنين في الجامعة في نهاية عام 1999 تبلغ 1.5%، وسجلت هذه النسبة ارتفاعاً مطرداً لتصل 20% نتيجة التحول الجذري في توجهات الشباب المواطنين، إذ كان الشباب في السابق يعزفون عن الانتساب إلى الجامعات الأجنبية والخاصة، أما اليوم أصبح المواطنون يطمحون إلى الانخراط في جامعات ذات بيئة تنافسية، منوهاً إلى أنه ثمة مشاكل تدعو إلى القلق وهو عزوف المواطنين عن بعض التخصصات مثل الإعلان والهندسة المعمارية وتوجههم نحو بعض التخصصات التقليدية مثل إدارة الأعمال وإدارة الموارد البشرية والتسويق وخلافها بهدف الحصول على الشهادة فقط.

وأضاف إن فقدان التخطيط الاستراتيجي لسياسات التعليم العالي مشكلة أخرى تحتاج للوقوف على حقيقتها خصوصاً وأن التنسيق شبه معدوم بين الجامعات في الإمارات، إذ تطرح كل جامعة البرامج التي تراها مناسبة بموافقة وزارة التعليم العالي، وثمة حاجة ملحة إلى مساهمة الوزارة في توجيه التعليم العالي في خدمة الأهداف الاستراتيجية لسوق العمل، وتفعيل دور هيئة الاعتماد الأكاديمي عندما يتم طرح برامج وتخصصات جديدة بتشجيع خيارات أكاديمية للدراسين وعدم تشجيع أخرى أصبح السوق مشبعاً بها.

وأردف قائلاً "دور الجامعات لا يجب حصره في تقديم البرامج التعليمية التي تخدم سياسة الجامعة الخاصة، وأنا أدعو إلى تأسيس هيئة عليا يشارك في قطاع التعليم العالي وتحديداً الجامعات الخاصة لعمل التنسيق الكامل بين الجامعات وقطاع العمل وصولاً إلى تخصصات تلائم سوق العمل، كما يجب توفير التحفيز في القطاع الخاص باعتباره غير مهتم بقضية التوطين وتركيزه على الاستراتيجية الربحية، ولابد من خلق شراكة بين القطاع الخاص والجامعات بطرح المنح الدراسية، والعكوف على توفير وظائف للطلبة المتميزين من خلال عملية الربط بين الطرفين، وقد نجحت الدول الغربية في تطبيق هذا المثال نتيجة إدراك القطاع الخاص بأهمية الموارد البشرية ودور الجامعات في توفير هذه الثروة البشرية، على خلاف الواقع لدينا لايزال محصوراً في التفكير بالمدى القصير".

تخطيط مستقبلي

أكد ناصر الشامسي أهمية وجود تخطيط مستقبلي للموارد البشرية يوضع بناء على دراسة عميقة تقوم بها جهات مختصة لضمان احتضان مخرجات التعليم بصورة كاملة، وشبه التحديات التي سوف تواجه مخرجات التعليم واحتياجات السوق إذا لم تستند على دراسة بالجامعة التي تتفتح لها فرعاً جديداً في إحدى الدول وتبدأ بتدريس تخصصاتها دون التعرف على احتياجات السوق، إذ سوف تشهد في بدايتها إقبالاً ولكن مع مرور السنوات سوف تقل نسبة الأعداد المنضمين لها، وذلك لأنها خبراتها لم تلبِ احتياجاتهم الوظيفية، وبالتالي سوف تكون هذه الجامعة أمام معضلات كثيرة تحتم عليها تغير سياساتها التعليمية ومناهجها لتتماشى مع احتياجات السوق، وهكذا الحال مع التعليم الذي لا بد ان يبرمج بحسب التوجهات المستقبلية للدولة.

 

توجيه الموارد البشرية بما يتناسب مع النظرة المستقبلية

ناصر الشامسي مدير عام هيئة وتوظيف الموارد البشرية الوطنية " تنمية" أكد أن هناك فرصة تاريخية لوضع خارطة طريق واضحة للقطاع الخاص أو الحكومي للوصول إلى الموارد البشرية الوطنية في الدولة، والاعتماد على مخرجات التعليم في تلبية احتياجات سوق العمل، ولكن بشرط أن يبنى التخطيط لتوجيه الموارد البشرية على توجه الدولة ورؤيتها المستقبلية، وهذا أثبتته تجارب العديد من دول العالم في هذا المجال حيث اعتمدت على توجيه الموارد البشرية بما يتناسب مع نظرتها المستقبلية، لافتاً إلى أن ذلك يتطلب شراكة متينة بين الحكومات والقطاعات المختلفة.

هيكلة التعليم

وقال الشامسي إن عملية التنمية الاجتماعية مسؤولية تقع على عاتق جميع القطاعات، لذلك لابد أن تكون لها رؤية اقتصادية واضحة للمستقبل، من خلال دراسة خططها، وتحديد احتياجاتها المختلفة في شتى المجالات منذ وقتها الحالي حتى عشرة أو عشرين عاماً قادمة، ومن ضمن هذه الاحتياجات الوقوف على مجموع الأعداد البشرية التي سوف تتطلبها هذه القطاعات في المستقبل، وماهي المهارات التي يجب أن تتمتع بها، وماهي مواصفات هذه الأعداد البشرية.

مشيراً إلى أن هذه التوقعات أو القراءات المستقبلية التي سوف يتم استنتاجها، سوف تسهم في تحديد ملامح المرحلة المقبلة بصورة واضحة، وتساعد على هيكلة التعليم بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل المتوقعة، ويتم ذلك من خلال تسليم هذه الاحتياجات بشكلها الكامل إلى نظام التعليم، حتى يتمكن من وضع القراءات المستقبلية في أجندة الجامعات لتأهيل الكوادر الوطنية بالمهارات والإعداد التي يتطلبها المستقبل ، وحتى يتمكن التعليم العالي من تحديد أعداد المعاهد والجامعات والتخصصات التي تلبي تطلعات المرحلة المقبلة.

شراكة متكاملة

وأشار إلى أن هناك بعض التحديات التي تواجه التوطين في الدولة يأتي في مقدمتها غياب نظام تخطيط الموارد البشرية والقراءات المستقبلية للأعداد والمهارات المطلوبة في كافة القطاعات، ولا يتحقق ذلك إلا بالشراكة المتكاملة بين مؤسسات القطاع الخاص والحكومة، ومن التحديات أيضا التطور والنمو الوظيفي في القطاع الخاص، إذ إن بعض المؤسسات لا تولي أهمية لصقل خبرات موظفيها وتطوير قدراتهم أية اهتمام، وهذا ما نستشفه من الفروقات في إجمالي الساعات التدريبية القليلة التي يتلقاها المواطن في القطاع الخاص مقارنة بالقطاع الحكومي.

منوهاً إلى أن دور القطاع الخاص لا يقتصر فقط على استيعاب المواطنين، وإنما لا بد أن يكون مشجعاً ومحفزاً ومطوراً لقدراتهم وخبراتهم حتى يقف المواطن على أرض صلبة تعينه على الوقوف بثقة أمام التحديات التي تواجهه، لأن الموظف حتى ينتج ويتميز يحتاج إلى تطوير ومسار وظيفي واضح، يعينه على قيادة دفة القطاع الخاص في المستقبل، وبالإضافة إلى ذلك فإن من التحديات الأخرى التي يواجهها القطاع الخاص هي قناعات بعض مؤسساته بأهمية التوطين والتي يجب أن تكون نابعة من المسؤولية وليس درء المسؤولية، وكثير من الشركات اليوم تحاول أن تدرأ المسؤولية عن نفسها، بتعين عدد من المواطنين حتى تزيد من نسبة التوطين، من دون فهم واضح لمعنى التوطين، والإيمان بأنه رافد لاقتصاد ودعم تنافسية الدولة.

مشيراً إلى أن ارتفاع تنافسية الدولة تعني نمو القطاع الخاص، وأنه كلما زاد عدد الوافدين في القطاع الخاص فإن هناك زيادة في الأموال التي تهدر خارج أرض الدولة، والتي من المفترض استغلالها في توسيع رقعة اقتصاد الدولة، لافتاً إلى نسبة المواطنين في القطاع الخاص خجولة، ولكن يمكن زيادتها في السنوات القادمة لتمسك بزمام الأمور ولتحد من الاعتماد على العمالة الوافدة.

إحصائية

605

 

ذكر جمال الجسمي مدير عام معهد الإمارات للدراسات المصرفية أن القطاع المصرفي يزخر بـ605 قياديين و430 مدير فرع مصرف من أبناء الإمارات، كما حظيت ما يقارب 305 سيدات بمقاعد إدارية عليا، معرباً عن سعادته لمشاركة الواسعة للمرأة واستعدادها للعمل والانخراط في هذا القطاع. ونوه إلى أن الأرقام التي كشفت عنها وزارة العمل تعتبر النسب خجولة بعد أربعين عاماً على قيام الاتحاد، رغم ظفر الدولة بأفضل الكليات والجامعات على مستوى العالم في جودة تعليمها، كما كانت الأرقام تشير إلى أن الدولة تملك أربعة ملايين عامل في القطاع الخاص، ويضم القطاع المصرفي ما نسبته 65% من أصل 22 ألف مواطن يعملون في القطاع الخاص.

رأي

تجربة ماليزيا ومتطلبات التغيير

قال الدكتور أحمد بالحصا: إن هناك بعض الدول التي أرادت أن تغير مسار تنميتها واقتصاداتها ولكنها اكتشفت أن ذلك لن يتحقق إلا بتوجيه مخرجات التعليم وهيكلتها نحو الأهداف التي وضعتها، ومن هذه الدول ماليزيا التي اجتمعت قبل عدة سنوات مع مجموعة خبراء لإيجاد مسار جديد لاقتصادها، واستمر الاجتماع لمدة ثلاثة أيام متتالية، وخرجوا في نهاية الاجتماعات بنتيجة أن ماليزيا لن تستطيع منافسة الهند والصين من حيث الكثافة العمالية، ولا يوجد فيها ثروة نفطية تسعفها على تأسيس بنية اقتصادية، وبالتالي السبيل الوحيد أمامها أن تتجه إلى الصناعات الخفيفة والمتوسطة والعالية التقنية. واضاف لكل مرحلة متطلباتها في التنمية ، في عام 1972 كانت المتطلبات في الامارات مختلفة ومتواضعة، وكانت عملية البحث عن من يحمل شهادة الثانوية العامة كي يعين في الوزارات صعبة.

وأصبح حتماً علينا البحث عن متطلبات التنمية إلى عشر سنوات في المستقبل، ويجب على وزارة العمل أن تتحمل مسؤوليات أخرى كثيرة، وإذا تساءلنا عن عوامل نجاح التوطين إلى حد ما في القطاع المصرفي سنكتشف أنها تلقت الدعم من قبل المسؤولين في مجلس الوزراء، وأُنشئت جمعية المصارف ودُعمت بقرارات.

وأضاف بالحصا: إنه قدم إلى بعض الجهات الحكومية هياكل تنظيمية منها "هيكل المجلس الأعلى للسكان"، معني بشؤون زيادة عدد المواطنين في الدولة على خلاف مضمون المجلس نفسه في دول مثل الهند ومصر للحد من زيادة السكان، وتنضوي تحت هذا المجلس عدة إدارات تعنى بالمرأة والطفولة، معتبراً معالجة المشكلة السكانية في الدولة هي الخطوة الأولى نحو التوطين، ومرحباً في تقديم مقترح من جهته يفيد القضية.

يقولون

لقطات

قال الدكتور أحمد سيف بالحصا رئيس مجلس إدارة جمعية المقاولين ورئيس مجموعة بالحصا، أن الدولة تزخر بهيئات من المجتمع المدني ولديها أكثر من 80 منظمة علينا دعمها وإشراكها في معترك التوطين.

أشار الدكتور جهاد نادر رئيس الهيئة الأكاديمية في الجامعة الأميركية بدبي إلى أنه حري بنا تخطي التوطين الرمزي الذي تنتهجه بعض الشركات بتوظيف المواطنين في أكبر عدد من الوظائف المتواضعة.

 

 

خلاصة

توصيات الندوة

إلزام القطاع الخاص بالتوطين بقرار رسمي وسياسي

إخضاع القطاع الخاص لمبدئي الثواب والعقاب

إعادة النظر ووضع ضوابط للموظف الحكومي، في حال ازدواجية نشاطه المهني بين الحكومي والخاص أي التجاري

إلزام القطاع الخاص بحصص البعثات الدراسية الأكاديمية للمواطنين وليست التدريبية فحسب داخل وخارج الدولة، مع ضمان الوظيفة بعد التخرج

حوكمة معارض التوظيف

تشديد الرقابة على القطاع الخاص في ما يتعلق بتخصيص الوظائف التقليدية للمواطنين واحتكار المناصب لغيرهم، ومساءلته

إعادة النظر في قانون المعاشات، لردم الفجوة الشاسعة بين الراتب أثناء العمل وما يؤول إليه الراتب من التدني بعد التقاعد، ومناقشة القرار مع القطاع الخاص

ضرورة مناقشة قانون إجازة اليومين مع القطاع الخاص، والتنسيق بين القطاعين قبل إصداره

إنشاء مبانٍ للوزارات تتبع المناطق ذات الاختصاص، خاصة في المناطق الشمالية ومنها وزارة البيئة مثلًا

تشجيع وتحفيز القطاع الخاص في الإمارات الأخرى

ضرورة إعادة النظر في احتكار سوق الذهب.

ضرورة الاستناد إلى بيانات إحصائية شفافة

إنشاء مجلس أعلى للسكان يعنى بالطفولة والمرأة

وضع خطط عشرية لمتطلبات سوق العمل يعاد النظر فيها بعد كل مرحلة

توسيع مسؤوليات وزارة العمل عما تقتصر عليه حالياً

استحداث هيئات بقرار رسمي ملزم، والتعاون بينها وبين القطاعات المسؤولة عن التوظيف

إلزام الجامعات الحكومية بمخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل

 

المشاركون

علي شهدور مدير عام تحرير «البيان»

د. أحمد بالحصا رئيس جمعية المقاولين

محمد النعيمي الرئيس التنفيذي لمجموعة موارد للتمويل

ناصر الشامسي مدير عام هيئة "تنمية"

جمال الجسمي مدير عام معهد الإمارات للدراسات المصرفية

محمد المزروعي مدير عام مجموعة الحبتور

ناصر العلي مدير الموارد البشرية في مجموعة الحبتور

زهير الحاج المدير التنفيذي للموارد البشرية والتوطين في مجموعة الفطيم

عبدالرحمن صقر نائب رئيس أول في الموارد البشرية في بنك الخليج الأول

د. جهاد نادر رئيس الهيئة الأكاديمية في الجامعة الأميركية بدبي