يتحول الإهمال أحيانا إلى أداة لإلحاق الأضرار بالأشخاص وتهديد مستقبلهم بل ويصل إلى إزهاق الأرواح ، وهو ما تضمنته قضايا منظورة أمام ساحات المحاكم حاول خلالها المتهمون إيجاد مبررات لإهمالهم بالتحدث عن حتمية القدر .

وهى مبررات واهيه وغير منطقية ،فالقضاء والقدر ليس مسوغا للتنصل من المسؤولية الوظيفية والمجتمعية ، ،كما أن الخطأ الوظيفي خاصة ما يتعلق بأرواح الأشخاص ومستقبلهم لا يحمل مجالا للتبرير أو الغفران ومحاولات التنصل منه تبدو جرما آخر يضاهي الفعل نفسه .

خطأ طبي

تناولت وسائل الإعلام حول العالم مؤخراً قضية البروفيسور الجنوب أفريقي الذي كان يحاكم في أبوظبي بتهمة القتل الخطأ لطفلة كان يعالجها من مرض السرطان، وكانت تهمتة التسبب بإهماله في حدوث نزيف دماغي أدى إلى وفاتها، ورغم أن البروفيسور حصل على البراءة مما أسند إليه.

لكن وسائل الإعلام الغربية تناولت بالانتقاد مبدأ محاكمة طبيب بالتسبب في وفاة طفلة مصابة بمرض خطير كانت ستموت بأي حال، وهذا الطرح ألقى الضوء على سوء فهم لمعنى المسئولية المهنية عن التسبب بالضرر لأخرين، فالقضية هنا أن هذه الطفلة كان من حقها الحصول على الرعاية الطبية التي تحافظ على حياتها مادامت الحياة قائمة مهما كانت فرصتها بالنجاة ضعيفة، أما الموت فهو من أمر الله وقدره عز وجل.

جرعات تخدير

وفي قضايا أخرى، شهدت محاكم أبوظبي خلال العام الماضي ادانة أطباء تخدير لتسببهم في إحداث شلل في كامل أجساد أطفال قدموا لهم في عمليات جراحية مخدرا بجرعات كبيرة تسببت في اتلاف أدمغتهم وقضت على مستقبلهم، وقد اعتمدت المحكمة في إدانتها على تقارير اللجنة العليا للمسئولية الطبية التي أكدت أن هؤلاء الأطباء لم يتبعوا المعايير المتعارف عليها في مهنتهم، ولو ثبت أن هذا الضرر حدث رغم أن الأطباء تقيدوا بمعايير مهنتهم لما تحملوا هم أو مؤسساتهم الطبية المسئولية التعويض عن هذا الضرر.

وفي قضية ثالثة يحاكم مستشفى بالتسبب في وفاة شاب دخل إليها متسمماً فشخصت حالته على أنها مغص وأعطاه الطبيب دواء لايناسب حالته فتوفي، وأوضحت محكمة نقض أبوظبي في إتهامها للمستشفى أن الطبيب لم يقم بالفحوصات والتحاليل اللازمة للتعرف على سبب آلام المجني عليه مما ساهم في وفاته.

إدانة فندقين

كما شهدت محاكم أبوظبي قضيتين أدين بهما فندقين في أبوظبي تتعلق إحداهما بغرق طفلة في مسبح الفندق المتهم بينما أدين الثاني بالتسبب في غرق شاب، ولم تكن التهمة أن الحادثين وقعا فهما قدر، ولكن الإدانة تمت بناء على عدم توفير الفندقين للاحتياطات اللازمة لتجنب هذه الحوادث، وخاصة في حادث غرق الطفلة حيث تبين أن لا أحد من موظفي الفندق يعرف مبادئ الاسعاف في حالات الغرق بالإضافة إلى عدم توفر منقذين ، ورغم الإيمان بأن وفاتهما من قدر الله ، إلا أن ذلك لاينفي أن الفندق أهمل في توفير الاحتياطات التي تحد من هذه الحوادث.

إختناق عاملين

وفي قضية جزائية أدانت المحكمة إحدى الشركات بالتسبب بوفاة اثنين من عمالها اختناقاً واصابة ثالث بغيبوبة لازالت حتى الآن منذ أكثر من سنة، وذلك بعد دخولهما لتنظيف خزان يحتوي على غازات سامة.

وأوضحت المحكمة أنه كان على الشركة توفير أقنعة خاصة لتزويد العمال بالأكسجين عند دخولهم لهذه الخزانات، بالإضافة إلى توفير مشرف لمتابعة عملهم لضمان التزامهم بإجراءات السلامة، وكان اهمال الشركة الالتزام بهذه المعايير هو محور ادانتها وإلزامها بدية العاملين.

ممارسة المحاماة

وفي مهنة المحاماة أيضاً تنحصر مسئولية المحامي فى بذل الجهد وفق المتعارف عليه والمتوقع من المحامي المتوسط المستوى وفق المعايير الأساسية، ولا يحاسب على خسارته للقضة إن حدثت، ومن ذلك رفض محكمة أبوظبي المدنية دعوى رفعها أحد الأشخاص ضد محاميه لمطالبته بالتعويض عن تسببه بخسارته قضية تجارية مما أسفر عن خسارته مليون درهم.

وذلك على أساس أن المحامي لم يقدم إلى محاكم أبوظبي مستندا يثبت أن العقار الأصلي موضوع الدعوى كان فى أبوظبي قبل أن تستبدله الشركة له بعقار في دبي أدى إلى رفض الدعوى لعدم الاختصاص.

وفي محاكم دبي لم يحضر المحامي شخصياً بل كان حضوره من خلال محام أخر بالإنابة مما أدى إلى خسارته للقضية وتكبده مليون درهم، وأوضحت المحكمة أن ملف القضية لم يتضمن مايثبت أن المدعي قدم لمحاميه صورة عن العقد الخاص بعقار أبوظبي، كما أن عدم الحضور شخصياً جلسات المحاكمة في دبي لايعتبر تقصيرا وفق معايير ممارسة مهنة المحاماة.

 

* "ضمن التعاون القائم بين صحيفة البيان ودائرة القضاء فى أبوظبى ، تنشر الصحيفة صباح كل أحد ، قصصا من أروقة القضاء ، بهدف نشر التوعية بين أفراد المجتمع"